داعش يلغي طقوس الزواج في الموصل ويعامل بعض الأزواج كزناة
شفق نيوز/ يبدو ان تقاليد الزواج تغيرت بشكل كامل منذ سيطرة تنظيم "داعش" على الموصل قبل قرابة عامين وتطبيق قوانينه على السكان في مجالات عدة ومنها الزواج. أضطر عادل سعيد إلى تأجيل زواجه ثلاثة أشهر كاملة بانتظار أن تنمو لحيته بنحو يؤهله للوقوف مع خطيبته أمام قاضي المحكمة الشرعية التابع لما تسمى "خلافة الدولة الإسلامية" في الموصل لإبرام عقد الزواج الذي يستلزم اختفاء العروس بالكامل تحت النقاب مع حضور ولي أمرها ولحيةً وشعراً مرسلاً و(دشداشة) قصيرة للعريس ورجُلين بالهيئة ذاتها كشهود. القاضي الذي كان يتحدث الفصحى جعله يردد عبارة قبول الزواج ثم فعل الشيء ذاته مع والد الفتاة باعتباره ولي أمرها ووكيلها دون أن يوجه أية كلمة إلى صاحبة الشأن ذاته على الرغم أنها تخطت منتصف عقدها الثاني. بعدها أعلنهما القاضي زوجين مكرراً اسم "خلافة الدولة الإسلامية" مرات عدة وهذا ما جعل عادل يهمس في أذن زوجته لاحقاً وهم يدخلون عتبة منزلهما "كان الأمر يشبه عقد بيعة للخليفة وليس عقد زواج". هكذا تبرم عقود الزواج بحسب قوانين تنظيم "داعش" الذي يحتل الموصل منذ العاشر من حزيران 2014 وافتتح لأجلها سبع محاكم زواج وزعها في أنحاء متفرقة من المدينة وخصص لها قضاةً عرباً وأجانب يمنحون الإذن بالزواج من عدمه ويفرضون العقوبات على المخالفين تصل إلى حد الموت رجماً بالحجارة. "نقاش" تحصلت على معلومات من مصادر مطلعة عن آلية العمل في هذه المحاكم التي حلت بديلاً عن محكمة الأحوال الشخصية التي ألغاها التنظيم مع باقي محاكم استئناف نينوى كالجنح والجنايات والبداءة والتحقيق فور سيطرته على المدينة، واتهم قضاتها بالكفر وحرم مهنة المحاماة وألغى دراسة القانون من جامعة الموصل وكلية الحدباء الأهلية. لا تشترط محكمة زواج "داعش" البلوغ كشرط من شروط الزواج إذ يمكن تزويج الفتاة القاصر إذا قرر القاضي بناءً على مشاهدته بنيتها مع شرط أساسي للقاصر والبالغة على حد سواء بحضور ولي أمرها وموافقته وهو الأب بالدرجة الأساس وفي حال عدم وجوده تحضر الأم. كما لا تشترط البلوغ لدى العريس كذلك والذي حدده القانون العراقي بـ(18) سنة ويمكن لهذه المحكمة أن تزوج مراهقا قاصراً إذا وجد القاضي أنه يصلح بدنيا لذلك مع توفر المقدرة المالية ووجود ولي الأمر. لكنها تفرض سن البلوغ للشاهدين الاثنين على عقد النكاح. ومن الناحية الشكلية فلا بد أن يكون للعروسين المظهر الذي قررته "خلافة الدولة الإسلامية" لرعيتها في أماكن سيطرتها، بلحية وشعر مرسل وثوب قصير للرجل؛ مع النقاب وثوب فضفاض للمرأة. ويفرض التنظيم عقوبة الزنا على العرسان الذين يبرمون عقود الزواج خارج محاكمها معتبراً العلاقة بين الزوجين محرمة والعقوبات تتراوح بين الجلد وحتى الموت رجما بالحجارة بحسب التكييف الذي يضعه القاضي وكثيراً ما تفرض العقوبة على مناوئين للتنظيم كحجة لتصفيتهم ويتم تنفيذها في مكان عام. تحت هذا الضغط تحديداً مشفوعا بتوسلات والدته التي خشيت أن تفقده كما حدث لوالده الذي قتله التنظيم في ظروف غامضة سنة 2012 أجبر عادل سعيد على المثول أمام محكمة الزواج كما اجبر على إلغاء كل الطقوس المتعارف عليها في الموصل لإعلان الزواج حتى انه بدا ومع حصوله على عقد الزواج ممهوراً بختم التنظيم الأسود وكأنه متزوج من سنوات بعيدة وليس منذ دقائق فقط. يؤكد مواطنون من مدينة الموصل أن جهاز الحسبة والبلاغات التابع للتنظيم يدقق أحيانا في طبيعة العلاقة التي تربط رجلاً بامرأة يرافقها في حال صادفوهما في مكان عام إذ لا بد أن يمتلكا عقد زواج قديم مبرم في محكمة أحوال الموصل الشخصية وبتاريخ قبل سيطرة التنظيم على الموصل وهي التي يسمح بها كمستند رسمي أو بعدها بعقد يحمل ختم "الدولة الإسلامية" وتوقيع قضاتها وفي حال عجزا عن تقديم أي منهما يحالان الى المحاكمة وتفرض عليهما العقوبات. كما أن هذا الجهاز الأمني يمنع أي مظهر من مظاهر الاحتفال بالزواج. فقد شطب التنظيم طقوس الأعراس القديمة في الموصل كذهاب العروسين لالتقاط صورتهما الزوجية الأولى أو السير في موكب من السيارات يخرج من نوافذها نصف أجساد الشبان المحتفلين ومنعت قاعات حفلات الأعراس عاداً إياها تشبها بالغرب الكافر على حد زعم التنظيم وتم إبدال كل ذلك بمجرد وليمة تتم دعوة الأقرباء إليها وحتى هذا الطقس الصامت يمارس الآن في حدود ضيقة جداً بسبب الأزمة الاقتصادية الكبيرة والفقر المدقع في الموصل. ويشير المواطنون الى أن التنظيم يحصل على المعلومات بشأن المتزوجين خارج نطاق سلطتها من خلال الوشايات ومخبريها المزروعين في كل مكان. كما أن أجهزة التنظيم تراقب القابلات وتطالب عناصرها في مستشفى الولادة بعقد الزواج وتفرض رسوما على المواليد الجدد وهي 100 ألف دينار عراقي للذكور و 50 ألف دينار للإناث. وعلى الرغم من الانخفاض الكبير في نسب الزواج مقارنةً بسنوات ما قبل الاحتلال الداعشي للموصل فأن الكثيرين يراجعون هذه المحاكم لإبرام عقود الزواج خوفاً من العقوبة ودفع بعضهم حياته ثمناً لذلك عندما تواجدوا في محكمة الزواج أو قريباً منها في الطابق الثاني لمبنى يقابل جامعة الموصل استهدفها قصف جوي للتحالف الدولي يوم 19 آذار الماضي وسقط العشرات من المدنيين بين قتيل وجريح وقبلها بأشهر كان طيران التحالف الدولي قد استهدف مجمع أبنية حكومية في منطقة حي الضباط وسط مدينة الموصل كان من بينها محكمة زواج أيضاً. "ما بني على باطل فهو باطل" بهذه القاعدة القانونية يسند المتخصصون بالقانون ردودهم على أي تساؤل يتعلق بمصير القوانين والقرارات والإجراءات التي تصدر الآن في ظل "دولة الخلافة الإسلامية" القائمة في الموصل وكيفية التعامل معها لاحقاً بعد إنهاء الاحتلال وعودة سلطة الدولة العراقية. وفي ما يخص عقود الزواج يوضح د.بلال محمد المتخصص بالقانون العام أن القضاء العراقي لن يبطل عقود الزواج لأن الأمر يتعلق بإيجاب وقبول طرفي العقد وفقاً للقاعدة القانونية -العقد شريعة المتعاقدين- ويوضح: "أي برضا الطرفين" مع وجود الشاهدين وتوافر الشروط الأخرى كالبلوغ والكفاءة والإسلام. لكنه يعتقد بان العقود المحررة ذاتها سيتم تغييرها لاحقاً فتلغى التي تحمل ختم "الدولة الإسلامية" وتحرر أخرى بالمعلومات الجوهرية ذاتها المتضمنة بختم يحمل اسم الدولة العراقية، ويستدرك "لن يخرج الأمر عن الإطار الشكلي فقط إذ أن العلاقة الزوجية ستظل قائمة". أما في ما يخص حالات الزواج التي تمت بنحو سري وشفوي أكد بأن محكمة الأحوال الشخصية ستنظر دعاوى بشأنها تسمى "إثبات زواج" وبالنسبة للولادات الناجمة عن حالات الزواج فيمكن أيضاً إقامة دعاوى أمام محكمة الأحوال الشخصية كذلك تسمى "إثبات النسب" ويضيف د.بلال أنها دعاوى كانت تنظرها المحكمة حتى قبل سيطرة "داعش" على الموصل بسبب طبيعة أجزاء من محافظة نينوى القبلية حيث تبرم الكثير من عقود الزواج خارج إطار المحاكم. لكن المشكلة بحسب د.بلال تكمن في إجراءات قامت بها محاكم "داعش" للزواج كإبرام عقد زواج رجل لمرة الثانية دون إذن من الزوجة الأولى وهي جريمة بحسب القانون العراق أو فسخ عقود زواج(طلاق) لأسباب لم يحددها القانون العراقي أو لم يجعلها سبباً للتفريق.