إختبار حرج لبغداد يدفع لإلتئام العقد مع البيشمركة ومواجهة الخطر المرتقب

إختبار حرج لبغداد يدفع لإلتئام العقد مع البيشمركة ومواجهة الخطر المرتقب
2021-05-04T08:13:25+00:00

شفق نيوز/ يقال في المأثور الشعبي العراقي، إن في كل تأخيرة "خيراً"، لكن هذه المقولة لا تصح هنا في قضية تأخر تفعيل التنسيق الأمني بين بغداد واربيل وحسم ملفات المناطق المسماة "متنازع عليها" بين اقليم كوردستان وبين الحكومة الاتحادية، ذلك أن التحذيرات المتكررة من المسؤولين السياسيين والعسكريين الكورد، ثبتت صحتها واستفادت فلول عصابات داعش من الثغرات الأمنية لتعزيز نشاطها وهجماتها.

وكان الهجوم على قوات البيشمركة، والقطعات الأمنية العراقية بداية أيار مايو الجاري، والذي أوقع ضحايا وجرحى، تذكير جديد بالخطر الكامن منذ ما بعد العام 2017، حيث يحاول داعش الذي انكسرت "دولته" عسكريا، إحياء عصاباته المتفرقة، من خلال هجمات كهذه.

احياء التنسيق

هذا الأمر، دفع سريعاً رئيس الحكومة العراقي مصطفى الكاظمي، وبصفته القائد العام للقوات المسلحة، بعقد اجتماع، ذي طابع أمن عسكري، ضم قيادات الاجهزة الامنية الاتحادية والبيشمركة، بحضور وزراء الداخلية والدفاع والمالية، والتي كان على جدول أعمالها الأساسي مواجهة الخروقات الامنية والتنسيق بين مختلف القوات الامنية الاتحادية وقوات البيشمركة، وخصوصا في المناطق ذات المسؤولية المشتركة.

يعني ذلك ان ساعة الحقيقة قد حانت، وأن كل تأخير في إنجاز التنسيق الأمني بين القوات الاتحادية والبيشمركة، لا يساهم سوى في منح داعش الوقت الكافي للتحول من "فلول" الى "عصابات" أكثر تنظيما وفعالية ودموية، سواء في هجماتها ضد مناطق سيطرة القوات الاتحادية، او مناطق اقليم كوردستان، او فيما بينهما من مناطق هشة التنسيق والانضباط الامني. مستغلين المناطق الخالية من أي تواجد عسكري للقوات العراقية والبيشمركة والتي تمتد على عمق 10 كيلومترات في بعض المناطق ضمن الحدود الفاصلة بين الإقليم ومحافظات ديالى (شرقا) وكركوك ونينوى (شمالا).

وغداة اجتماع الأمني بقيادة الكاظمي في بغداد، زار نائب رئيس اقليم كوردستان شيخ جعفر شيخ مصطفى، محور غرب كركوك وقرية قابةشي في حدود بلدة التون كوبري- بردي- بعد تعرضها الى الهجوم الداعشي، وذلك بحسب بيان لرئاسة الإقليم، افاد أن الرئيس نيجيرفان بارزاني اناب شيخ جعفر لزيارة قوات البيشمركة، وجدد تاكيده أن داعش ما زال يمثل خطرا دائمًا ويحاول باستمرار في اعادة تنظيم نفسه لزعزعة استقرار تلك المناطق وبالأخص المناطق المشمولة بالمادة 140 التي تعاني فراغا أمنيا كبيرا ولا يوجد تنسيق عسكري كامل بين القوات العراقية وقوات البيشمركة لحماية المنطقة".

وأكد بارزاني أن اقليم كوردستان سيعمل على الاستعجال لتشكيل قوة مشتركة بين الجيش العراقي والبيشمركة لحماية هذه المناطق من داعش، لان بقاءهم-داعش- خطر على الامن العراقي بشكل عام.

ولم تكن تلك المرة الاولى التي يدق فيها نيجيرفان بارزاني ناقوس الخطر فيما يتعلق بالخطر المتزايد للارهاب في المناطق التي تشهد فراغا أمنيا، كرر تحذيره مرارا خلال السنوات الماضية، مثلما كان يفعل العديد من القيادات السياسية والامنية الكوردية.

انسحاب خلف توتراً

وبات من الواضح ان إنسحاب قوات البيشمركة في أكتوبر/تشرين الاول 2017 من المناطق المتنازع عليها مع بغداد عقب استفتاء الاستقلال، أتاح فرصة نادرة، برغم الهزيمة التي مني بها داعش، لبقاياه باستغلالها، خاصة في ظل اتساعها الكبير جغرافيا حيث تمتد من ديالى على حدود ايران، الى صلاح الدين وكركوك ونينوى الى الحدود السورية شمالا، فيما تشير إحصائيات أمنية الى تحول 84 قرية في محيط خانقين مثلا، الى مناطق ضائعة امنيا وعرضة لتسلل وتنقل العناصر الارهابية القادمة من تلال حمرين ومحافظات كركوك وصلاح الدين.

وبهذا الخصوص، قال مسؤول اعلام الاتحاد الوطني الكوردستاني في خانقين ابراهيم حسن لوكالة شفق نيوز، ان هجمات داعش افرغت 23 قرية كوردية في أطراف خانقين من سكانها خلال العامين الماضيين، مضيفا ان "اسباب التدهور الامني في اطراف خانقين وباجماع تام هو الفراغات الامنية والثغرات التي تركتها قوات البيشمركة بعد انسحابها في تشرين الأول 2017"، داعيا الى "احياء وتنفيذ غرف العمليات المشتركة في خانقين والمناطق المتنازع عليها وتبادل المعلومات الاستخبارية وقوات مشتركة وفق ضوابط معينة لإنهاء الهجمات والمجازر الدموية التي تنفذها عناصر داعش بين الحين والآخر".

واعتبر ابراهيم حسن ان تنفيذ المادة 140 يمثل "حلا شاملا لمشاكل المناطق المتنازع عليها وان انضمامها لكوردستان ضمن حدود الدولة العراقية وليس خارجها وان كوردستان جزء من العراق".

ويجمع المراقبون على ان داعش وجد موطئ قدم له في العديد من المناطق في النواحي المتنازع عليها بين اربيل وبغداد، برغم رسائل التنبيه المتكررة من القيادات الكوردية، والعديد من جلسات الحوار ومحاولات التنسيق بين اربيل وبغداد. وبات من الواضح ان داعش يستفيد من المناطق الهشة أمنيا لتعزيز موارده، وانه يستفيد من كل الخلافات التي قد تظهر بين حكومتي بغداد واربيل، لتوسيع مساحة حركته السرية، على غرار ما فعله في مرحلة صعوده الاولى في العام 2014.

ولا يملك الطرفان ترف الوقت، فيما يحتاج الكاظمي الى معالجة هذا الملف استنادا الى تعهداته الاولى ل"حلفائه" الكورد عندما صوتوا له في البرلمان ليتولى منذ عام بالتمام رئاسة الحكومة العراقية، لمعالجة قضية المناطق المتنازع عليها ضمن محافظات كركوك وصلاح الدين ونينوى وديالى.

ويؤكد نائب رئيس كتلة الحزب الديمقراطي الكوردستاني في البرلمان العراقي بشار الكيكي لوكالة شفق نيوز، على ضرورة "التطبيع الأمني" بين القوات الاتحادية والبيشمركة لإجهاض خطر داعش، وضرورة إدارة هذه المناطق وفقا للدستور والمادة 140 منه.

لكن الهجمات المتصاعدة الاخيرة لداعش في الايام والشهور الماضية، وتأكيدات الامم المتحدة والولايات المتحدة حول استمرار وجود الاف المسلحين التابعين لداعش في كل من العراق وسوريا، تطرح في هذه اللحظة السياسية فرصة مهمة لاعادة تأسيس العمل الميداني المباشر والمشترك بين حكومتي بغداد واربيل، في ظل وجود قيادتين سياسيتين فيهما تدرك الحاجة الى هكذا حركة لا بديل منها.

ويدرك العديد من المراقبين ان التأخر في تطبيق المادة 140 تساهم في زعزعة الواقع الامني، وهي مادة ناقشها القادة العراقيون والكورد مطولا قبل الاتفاق عليها في العام 2005 واتفقوا خلالها على اتباع آلية من ثلاث مراحل أولها حل مسألة التغييرات التي فرضت على التركيبة السكانية خلال العقود الماضية، وثانيا تنظيم الاحصاء السكاني في هذه المناطق، ثم ثالثا تنظيم استفتاء يحدد قرار المستفتين. وكان يفترض ان تتم كل هذه المراحل قبل نهاية العام 2007، لكن ذلك لم يحدث.

في تموز/يوليو 2020، أثير الكثير من التفاؤل عندما أثمر الانفتاح السياسي المتبادل بين اربيل وبغداد تنسيقا عسكريا فعالا للمرة الاولى منذ سنوات بين الجيش العراقي وقوات البيشمركة لمواجهة داعش التي تغلغلت في بعض المناطق الحدودية مع الاقليم، مستفيدة من تباعد المسافة بين العاصمتين سياسيا فيما قبل تشكيل حكومة الكاظمي. وشاركت قوات البيشمركة المكلفة بحسب الدستور العراقي حماية حدود الاقليم، في عملية عسكرية مشتركة مع القوات الاتحادية، بعدما جهاز مكافحة الإرهاب في الجيش العراقي في 13 تموز/يوليو، عن تنسيق أمني واستخباري عالي المستوى بين قواته وقوات البيشمركة خلال المرحلة الرابعة من الحملة المسماة "أبطال العراق" لملاحقة داعش في محافظة ديالى.

وكانت تلك العملية نموذجا لما يمكن لحكومتي اربيل وبغداد القيام به معا. وما زال اقليم كوردستان بانتظار الخطوة الحقيقية الاولى من جانب حكومات بغداد المتعاقبة بغرض الحسم حول المادة 140 كما يجب، فإذا لم يكن كالتزام من حكومات بغداد بالدستور، فليكن من أجل سد الثغرات الامنية التي اتسعت في السنوات الماضية، وسمحت لتنظيم داعش بالتحرك من خلالها واكتشاف ملاذات آمنة له، لضرب استقرار كل من العراق وكوردستان، وهو استقرار متلازم، لا ينجح أحدهما من دون الآخر.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon