ثروة اقتصادية مهددة بالانقراض.. الجفاف يحاصر أضخم حيوان في وادي الرافدين
شفق نيوز/ شح في المياه وموجة جفاف تعصف بالعراق لم تقف تداعياتها عند انحسار الاراضي الزراعية بشكل خطير فقط، بل انها باتت تهدد التنوع الإحيائي المائي والبرمائي، وها هي أعداد الجواميس تتراجع في العديد من المناطق التي تشتهر بتربيتها جراء انخفاض مناسيب المياه في الأنهر و الأهوار والمستنقعات التي باتت لا تصلح لسباحة هذه الحيوانات.
وكالة شفق نيوز استطلعت آراء مربي الجاموس والمعنيين بهذا الامر لنقف على حقيقة هذه الأزمة البيئية والاقتصادية في الوقت نفسه والتي باتت خطراً حقيقياً لم تقدم له الحكومة والجهات المعنية أي حلول.
أم نرجس، أم لخمسة اولاد وفتاة، تسكن أطراف ناحية الحمزة الشرقي في محافظة الديوانية، اضطرت إلى بيع جواميسها الثلاث بسبب شح المياه، وتقول "لست الوحيدة التي اضطررت لبيع جواميسي فقد سبقني لذلك جيراني، فنحن نعاني من تأمين الماء الصالح للاستهلاك البشري فكيف الحال مع الجاموس الذي يحتاج الى مياه عميقة لغمر جسده فيها؟".
أزمات متتالية
جاسم الاسدي، المهندس الاستشاري في منظمة طبيعة العراق، يوضح ان "مربيّ الجاموس يخسرون من 15% إلى 25% من سعر الحيوان بسبب موجة الجفاف هذه حيث انخفضت اسعارها الى مليون ونصف المليون دينار عراقي بعد أن كان سعر الحيوان الواحد منها اربعة ملايين دينار".
ويشير إلى أن "مربيّ الجاموس في محافظات واهوار العراق يواجهون معضلة أخرى بعد موجة الجفاف التي بدأت منذ العام 2018 حيث بدأت مناسيب المياه بالانخفاض التدريجي حتى بلغت مراحل متدنية في أهوار الجبايش بمحافظة ذي قار وكذلك في هور الحمّار".
وينوه الاسدي الى ان "انخفاض المياه وصل إلى أقل من 90 سم عند مستوى سطح البحر فيما لم يتبق من مناطق الاهوار سوى بعض البحيرات العميقة والقنوات المائية التي هي عبارة عن اهوار ضحلة".
وأكد أن "هناك قرى تعاني باستمرار مثل قرية (حجسة حلاب) من جفاف حاد يرافقه قلة الدعم بالأعلاف والتي زادت قيمتها من 300 الف دينار عراقي الى 700 الف دينار".
وعن الامتدادات المائية ونسبها، قال الاسدي ان "التبخر الحراري أخذ مأخذه ايضاً من المياه العراقية حيث نخسر بما معدله 1-2 سم من المياه فيما تصل الاطلاقات المائية عند حدود محافظتي المثنى وذي قار الى أقل من 60 متر مكعب في الثانية وفي قرية (ابو زرچ) وصلت الى متر ونصف المتر، وفي هور الحويزة أربعة أمتار فقط من أصل 30 متر مكعب، الأمر الذي يفرض على وزارة الموارد المائية الاتجاه نحو إنشاء بحيرات لتربية حيوان الجاموس وتوفير أعلاف مركزة مدعومة والاهتمام بالطبابة ايضا".
التداعيات الاقتصادية
المتحدث باسم وزير الزراعة هادي الياسري، بين ان "للجفاف مع تربية الجاموس علاقة وطيدة حيث تتأثر الثروة الحيوانية في العراق وخاصة هذا الحيوان بشكل كبير بسبب جفاف المسطحات المائية والتي تعد الموطن الأصلي لتربية الجاموس".
واوضح ان "الوزارة بادرت إلى توفير الأعلاف الجافة وبذور الأعلاف لزراعتها من اجل دعم الفلاح وتشجيعه على الإبقاء على حيواناته وارضه، بالاضافة الى تنسيق الدعم الدولي لحماية الجاموس من الضرر الذي قد يلحق به بسبب الجفاف".
أما الباحث في الشأن الاقتصادي، احمد عيد، فيؤكد ان "إنتاج الثروة الحيوانية يعد واحداً من أهم ركائز الاقتصاد في البلدان التي تملك مقومات تربية المواشي والدواجن، لما فيه من أهمية اقتصادية لسد الاحتياجات الأساسية للعائلة العراقية، لكن مستوى إنتاج الثروة الحيوانية في العراق لا يلبي الحاجة المحلية، بسبب سوء السياسة الاقتصادية التي يشهدها العراق بعد 2003".
وتابع ان "الانتاج هذا انخفض بشكل كبير بسبب عدة عوامل منها طبيعية وأخرى بشرية، أما العوامل الطبيعية فتتمثل بالجفاف وقلة التدفق المائي وانخفاض مستوى زراعة الأعلاف، وأما البشرية فتتمثل بتجاهل الحكومات المتعاقبة لهذا القطاع الحيوي والمهم، من قلة دعم وعدم إعطاء فرص حقيقية للإنتاج المحلي، وتزايد مستوى الاستيراد".
وأشار إلى ان "من أهم المشاكل التي واجهت وما زالت تواجه تربية الجاموس في العراق هو ارتفاع أسعار الأعلاف وغياب الدعم، مما يشكل خطراً حقيقياً على الثروة الحيوانية بشكل عام والجاموس تحديداً، بالاضافة الى هجرة المربين إلى المدينة، حيث أن الكثير منهم هجروا الحقول والاهوار واتجهوا للعيش في المدينة، لعدم استطاعتهم مواصلة عملهم نتيجة الخسائر الكبيرة التي تعرضوا لها".
وختم عيد بالقول "على الدولة أن تفي بالتزاماتها من خلال ما أعلنت عنه في قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية، وأن تدعم قطاع الثروة الحيوانية، وتعزيز الاقتصاد الوطني العراقي بإيرادات هذا القطاع المهم".