تقرير أوروبي يرسم تحديات الحكومة العراقية الجديدة: تتطلب مهارات استثنائية
شفق نيوز / حدد موقع "يوروآسيا" الأوروبي للأبحاث، التحديات التي ستواجه الحكومة العراقية الجديدة على الصعيدين الداخلي والخارجي، فيما أشار إلى أنها ستحتاج إلى "مهارات ديبلوماسية استثنائية" للتعامل معها.
وبدأ التقرير الأوروبي، الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، بالاحتجاجات التي اندلعت في العام 2019 ضد الفساد المستشري وللمطالبة بخدمات حكومية أفضل، مشيراً إلى أن "الاستقرار السياسي في العراق، أصيب منذ سقوط النظام في العام 2003، بالصراع العرقي وحركات التمرد والصراعات العنيفة المتكررة، وانه في مثل هذه البيئة الفوضوية، أظهرت الجهود المبذولة لاستعادة الشرعية والتنمية، على أنها غير فعالة".
الفساد والاقتصاد
وبحسب التقرير، يعتبر العراقيون أن قضية الفساد تتفوق في اهميتها على ما عداها من قضايا بما في ذلك خطر داعش والرعاية الصحية في ظل جائحة كورونا.
واستعرض التقرير، نتائج الانتخابات التشريعية العراقية، التي جرت مؤخراً، وتناول التحديات الداخلية التي ستواجهها الحكومة العراقية التي يجري التفاوض عليها بين الكتل الفائزة والخاسرة في الانتخابات، مرجحا أن "تواجه الحكومة المقبلة تحديات هائلة في ادخال اصلاحات اقتصادية قصيرة وطويلة الأمد، وفي محاربة الفساد، وتحسين الخدمات وحل قضايا البطالة والتضخم والفقر".
وتابع: "سيتحتم على الحكومة الجديدة التعامل مع المشكلات المتراكمة على مدى السنوات والتي أجبرت عادل عبد المهدي على الاستقالة ومحاكمة قتلة المتظاهرين الذين انتفضوا ضد الحكومة في العام 2019".
ومن بين التحديات التي تواجه الحكومة المقبلة، هو ضرورة الحذر في التعامل مع عوائد النفط واستخدام هذه الإيرادات لتحسين حياة العراقيين، بدلا من الخضوع للضغوط وتقاسمها داخل شبكات الأحزاب السياسية في الحكم.
الأمن والإعمار
والتحدي الآخر، وفقاً للتقرير فإنه يتمثل في إعادة الإعمار، موضحا انه من العام 2003 الى العام 2014، جرى إنفاق أكثر من 220 مليار دولار امريكي على اعادة الاعمار في العراق".
وأوضح أن "في فترة ما بعد داعش، عقد مؤتمر إعادة إعمار العراق في الكويت وتعهد المانحون الدوليون بتقديم 30 مليار دولار امريكي، لكن حتى الان، لم يتم تحويل الكثير من الأموال الموعودة بسبب الفساد وسوء إدارة الأموال من قبل الحكومة السابقة.
واعتبر التقرير، انه من دون درجة أكبر من المساءلة والشفافية في الحكومة، سيكون من الصعب كسب ثقة المانحين لتقديم الاموال في ظل الفساد.
وبالإضافة إلى ذلك، نوه التقرير الأوروبي، إلى أن "التحديات الامنية تشكل مصدر قلق حيوي لان المسلحين التابعين لداعش يواصلون تنفيذ هجمات متفرقة في جميع انحاء العراق، برغم تراجع عدد الضحايا والخسائر مقارنة بما جرى فيما بعد صعود داعش، لكن الخبراء يعتقدون ان اعتقال مجموعات صغيرة أو قتلها أصعب بكثير من قتل المسلحين في معارك مفتوحة".
واقترح التقرير، تنفيذ ما أسماه "غارات جراحية" لمكافحة الارهاب قد تتطلب ما بين 5 الى 10 سنوات للقضاء على الارهابيين المتبقين".
لكن التقرير اعتبر ان عمليات مكافحة الارهاب ستتطلب ايضا من الحكومة الجديدة التعاون مع قوات الحشد الشعبي المدعومة من إيران، والتي تم انشاؤها للمساعدة على الحاق الهزيمة بداعش في العام 2014.
تحديات إقليمية
أما حول التحديات الخارجية التي ستواجهها الحكومة العراقية الجديدة، فقد ذكر التقرير بداية أن منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في العام 2003، فان كل حكومة في العراق كانت بحاجة الى ضوء اخضر من طهران وواشنطن، مذكرا على سبيل المثال بتفاهم امريكي-إيراني ساهم في اختيار رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.
ولهذا يعتبر التقرير انه من المهم ان تحتفظ الحكومة الجديدة بعلاقات جيدة مع ايران والولايات المتحدة لسببين، اولهما من اجل المفاوضات حول اتفاقية وضع القوة (SOFA) مع واشنطن حول سحب قواتها المقاتلة من العراق بحلول نهاية العام 2021، وثانيا ، من اجل الاستمرار في الإشارة إلى حكومة إبراهيم رئيسي الجديدة في إيران، بان العراق يريد علاقات قوية ومبدئية مع طهران، وانما مع عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، وهو ما من شأنه بناء الثقة بين العراقيين الذين طالبوا خلال تظاهرات 2019، بإبعاد النفوذ الخارجي عن بلاده".
الانسحاب الأمريكي
وفي الإشارة إلى التحديات الخارجية أيضا، لفت التقرير، إلى أن "مطلب سحب القوات الامريكية كان الأكثر قوة من جانب الحشد الشعبي، فيما عارضه اخرون، ولاسيما الكورد"، مضيفاً أيضاً أن "هناك مطالب متزايدة من جانب الكورد والسنة لتطبيع العلاقات مع حليف الولايات المتحدة الوثيق، اسرائيل، وهو تطور اخر غير مرحب به من جانب إيران والقوى التابعة لها في العراق".
وتابع التقرير، أن دول الخليج القلقة بشأن النفوذ الايراني في المنطقة، ستسعى للبحث عن وسائل لضمان بقاء الحكومة العراقية الجديدة مقربة من الولايات المتحدة وحلفائها، مشيراً إلى أن "دولة الامارات تنظر الى اسرائيل على انها شريك قوي ومستعد للعمل بالقوة لمواجهة إيران".
أما بالنسبة الى روسيا، فإنها تنظر إلى العراق على انه ميدان اخر يمكن ان تعمل فيه من اجل انهاء النظام العالمي بقيادة واشنطن واعادة بناء نفسها كقوة مهيمنة، لكن القيام بذلك يلحق الضرر بالاستقرار العراقي، بحسب التقرير.
وبين التقرير الأوروبي، أن "روسيا تستغل وتعزز التوتر في العلاقات الامريكية العراقية من اجل التسريع بالانسحاب الامريكي من المنطقة"، مشيراً إلى أن "العلاقات المتزايدة بين الكرملين وشبكة الميليشيات التي تعمل بالوكالة لصالح إيران في العراق، يمكن ان تهدد ليس فقط الاستقرار العراقي ولكن ايضا القوات الامريكية ومصالح واشنطن في العراق وسوريا".
التحدي التركي
وتناول التقرير، تحدياً آخر يتمثل في كيفية تعامل بغداد مع أنقرة التي قال إنها "تتجاهل بشكل متزايد الاستقرار العراقي"، مذكرا بانه في العام 2018، أطلق الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بشكل رسمي عملية ضد المسلحين الكورد المتمركزين في العراق، وهو ما أدانته الحكومة العراقية والقوى العراقية الموالية لإيران، والآن بعد انتخابات اكتوبر 2021، فان انقرة تأمل بحكومة جديدة في بغداد بامكانها التنسيق معها بشكل خاص ولا تعارض قيام القوات التركية بشن هجمات على حزب العمال الكوردستاني ومخابئه على الحدود الشمالية".
وتابع التقرير انه في ظل ان غالبية المقاعد التي حصلت عليها الاحزاب الكوردية في الانتخابات الاخيرة، فانه من الواضح "انها لن تؤدي دورا رئيسيا في تشكيل الحكومة فحسب، بل سيكون لها تأثير ايضا على سياسات العراق الاقليمية".
ولهذا نوه التقرير، إلى أن على الحكومة الجديدة أن "تكون شديدة الحرص في التفاوض على هذه القضايا، مع مراعاة مصالح الدولة والأحزاب السياسية والشعب، لأن "أي سوء تقدير يمكن أن يؤدي إلى سقوط الحكومة".
الخلاصة
وخلص التقرير إلى القول إن "العراق، منذ سقوط نظام صدام حسين في العام 2003، لم يتمكن من تحقيق الاستقرار السياسي او احراز اي تقدم اقتصادي، وأن الاطاحة بنظام صدام كشفت عن انقسامات عرقية وعن بدء جماعات عرقية مختلفة التقاتل من أجل السلطة وتجييرها لمصلحتها الخاصة".
وأوضح أن "الهوة بين الجماعات العرقية المختلفة أدت الى تفشي الفساد وسوء الادارة، كما ان ازدياد استياء السنة ادى الى صعود داعش".
وبرغم ذلك، يعتبر التقرير أن "اجراء الانتخابات وتشكيل الحكومات، خلق الامل، خاصة ان الفاسدين من السياسيين اجبروا على الاستقالة بسبب الاحتجاجات الشعبية، مشيرا الى ان نتائج الانتخابات الاخيرة اعطت صورة جديدة على عكس الماضي، وتولد الأمل بان الحكومة الجديدة ستحاول تسوية قضايا الاضطراب السياسي والأزمة الاقتصادية والتضخم والبطالة الى جانب قضايا أخرى.
وختم التقرير بالقول، سيتحتم على الحكومة الجديدة أيضا أن "تحافظ على التوازن بين الولايات المتحدة والحلفاء العرب وإيران"، وانه بالنظر الى عدد التحديات وحدتها، سيتحتم على الحكومة الجديدة "إظهار بعض المهارات الدبلوماسية الاستثنائية لإدارتها".