تريليون دولار يتبخر من سوق الكريبتو.. من يدفع فاتورة الهبوط العنيف في العملات الرقمية؟

تريليون دولار يتبخر من سوق الكريبتو.. من يدفع فاتورة الهبوط العنيف في العملات الرقمية؟ صورة خاصة منشأة عبر نموذج للذكاء الاصطناعي
2025-11-21T10:44:10+00:00

شفق نيوز- بغداد/ واشنطن

تحليل خاص

في منتصف هذا الأسبوع، كان متداولون في نيويورك ولندن وسنغافورة يحدّقون في الشاشات نفسها تقريباً، خطّ أخضر اخترق حاجز 120 ألف دولار للبتكوين في أوائل تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ثم انحنى نزولاً على نحو حاد اليوم 21 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري.

خلال ستة أسابيع فقط، تبخّر أكثر من تريليون دولار من القيمة السوقية للعملات المشفرة، لتتراجع من نحو 4.2 تريليونات إلى أقل من 3 تريليونات دولار، أي ما يقارب ربع السوق. البتكوين وحدها فقدت أكثر من 30% من قيمتها منذ ذروتها القياسية فوق 126 ألف دولار في السادس من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وفق بيانات مؤسسات مالية ومواقع تتبع السوق.

ورغم هذه الخسائر، يشير مديرون تنفيذيون في القطاع إلى أن العملة الأولى ما زالت، برأيهم، في حالة "تصحيح قاسٍ" أكثر منها في حالة انهيار كامل للنموذج. غير أن الأرقام، والنبرة الجديدة لدى البنوك المركزية، والتقلبات الحادة في أسهم الذكاء الاصطناعي، ترسم معا لوحة أكثر تعقيداً لسوق لم تنجح بعد في انتزاع صفة الملاذ الآمن.

من قمة 126 ألفاً إلى موجة بيع عالمية

تزامن الصعود القياسي في أوائل تشرين الأول/ أكتوبر مع حالة نشوة في الأصول عالية المخاطر، حيث استفادت العملات الرقمية من إدارة أميركية أكثر ودّاً تجاه الكريبتو، ومن موافقة الجهات التنظيمية على صناديق مؤشرات متداولة مرتبطة بالبتكوين.

لكن في غضون أسابيع، تبدّل المشهد. بيانات من مؤسسات بحثية وصحف اقتصادية كبرى توثّق ما أصبح يُعرف في أوساط المتعاملين بيوم "10/10" حيث أدت تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الواردات الصينية إلى موجة تصفية قسرية لمراكز مدينة بالرافعة المالية تجاوزت 19 مليار دولار خلال أربع وعشرين ساعة.

في ذلك اليوم، هوت البتكوين من مستويات تفوق 122 ألف دولار إلى ما يقرب من 105 آلاف، وتعرّضت عملات أصغر لخسائر أكثر حدّة، فيما خرج الملايين من المراكز المموّلة على منصات التداول حول العالم.

منذ ذلك التاريخ، واصل السوق نزيفه على دفعات متقطعة. تقارير متطابقة من صحف مالية غربية تشير إلى أن القيمة السوقية الإجمالية للأصول الرقمية انخفضت بأكثر من 1.1 إلى 1.2 تريليون دولار خلال واحد وأربعين يوماً، وأن البتكوين مسحت عملياً معظم مكاسبها المتراكمة منذ مطلع 2025.

بعيداً عن الرسوم الجمركية وحروب التغريدات، كان عامل آخر يتسلل لبناء مزاج جديد في الأسواق. تصريحات متشددة من عدد من مسؤولي الاحتياطي الفدرالي الأميركي قلّصت رهانات المستثمرين على خفض قريب للفائدة، وأشارت إلى أن التضخم ما زال أعلى من المستوى المرغوب. هذه الإشارات رفعت كلفة الاحتفاظ بأصول لا تدرّ دخلاً ثابتاً مثل الكريبتو، ودَفعت الأموال نحو السندات والذهب.

في الوقت نفسه، شهدت مؤشرات أسهم كبرى من قبيل إس آند بي 500 والداكس الألماني والنيكاي الياباني تراجعات واضحة، فيما سجّل مؤشر فوتسي 100 في لندن أكبر هبوط يومي له منذ نيسان. كثير من هذه الخسائر تركز في شركات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا ذات التقييمات الباهظة، التي حذّر مصرفيون كبار من أن أسعارها تعكس "درجة من اللاعقلانية".

مع كل موجة بيع في هذه القطاعات، كانت العملات الرقمية تتحرك في الاتجاه نفسه تقريبا، في ما يبدو تأكيداً على أن المستثمرين باتوا يصنفون البتكوين أقرب إلى أسهم النمو عالية المخاطر منها إلى "ذهب رقمي" منفصل عن تقلبات أسواق المال التقليدية.

صناديق البتكوين.. من محرك صعود إلى قناة خروج

إذا كان المستثمر الفردي هو الجهة الأكثر وضوحاً في هذه القصة، فإن البيانات تكشف عن لاعب آخر يمارس تأثيراً ثقيلاً في الخلفية. صناديق المؤشرات المتداولة المرتبطة بالبتكوين، التي رُوّج لها قبل عامين بوصفها الجسر الذي سيصل عالم الكريبتو برأس المال المؤسسي، تحولت هذا الشهر إلى واحد من أهم منافذ الخروج.

تقارير من وكالات متخصصة ومنصات تحليل مالي تظهر أن صناديق البتكوين المدرجة في الولايات المتحدة شهدت في تشرين الثاني/ نوفمبر وحده صافي تدفقات خارجة يقترب من ثلاثة إلى 3.8 مليارات دولار، في أسوأ شهر لها منذ إطلاقها.

صندوق آي شيرز بتكوين ترست، التابع لعملاق إدارة الأصول بلاك روك، تصدّر موجة الخروج هذه. في يوم واحد فقط، سحب المستثمرون أكثر من 523 مليون دولار من الصندوق، في أكبر عملية استرداد يومية منذ إطلاقه. تشير بيانات أخرى إلى أن حصة بلاك روك وحدها من صافي الخروج هذا الشهر تتجاوز ملياري دولار.

بالنسبة لمديري الأصول الذين طالبوا لسنوات بـ"تطبيع" الكريبتو عبر أدوات منظمة، تشكل هذه الأرقام اختباراً لمقولة إن دخول رأس المال المؤسسي سيجعل السوق أكثر استقراراً. ما حدث عملياً هو أن هذه القنوات الجديدة سهّلت أيضاً خروجاً جماعياً سريعاً عند تبدّل المزاج.

وراء العناوين عن الفائدة والرسوم، تذكّر موجة تشرين الأول/ أكتوبر الخبراء بحقيقة أبسط. سوق الكريبتو يعتمد بدرجة كبيرة على الرافعة المالية ومراكز المشتقات القصيرة الأجل. تقارير بحثية من شركات استثمار ومنصات بيانات تُظهر أن ما يزيد على 19 مليار دولار من المراكز المموّلة أُجبرت على التصفية خلال 36 ساعة في الأيام العاصفة العاشر والحادي عشر من تشرين الأول، في أكبر موجة من نوعها بتاريخ السوق.

هذه الدوامة الكلاسيكية عملت كما يلي. هبوط أولي في السعر على خلفية صدمة سياسية، ثم ضرب مستويات وقف الخسارة لمراكز مدينة كثيرة، فتحوّلت أوامر الشراء المموّلة إلى أوامر بيع قسرية، ما ولّد سلسلة أخرى من التصفية، ورغم أن البتكوين والإيثريوم حافظتا على مستويات مرتفعة تاريخياً، فإن العملات الأصغر تعرّضت لانهيارات شبه كاملة في بعض الحالات.

في تعليق حديث، قال الرئيس التنفيذي لبورصة بينانس ريتشارد تنغ إن ما يحدث في البتكوين "جزء من دورة طبيعية في الأصول الخطرة" مشيراً إلى أن السوق يمر بمرحلة تقليص للمخاطر وجني أرباح بعد أداء قوي على مدى الثمانية عشر شهراً الماضية، وأن التقلبات الراهنة لا تقتصر على الكريبتو وحدها بل تشمل فئات أصول أخرى.

من يخسر الآن؟

الخسائر موزعة على طيف واسع من اللاعبين. تقارير من وكالات أنباء اقتصادية تشير إلى أنّ ملايين المراكز أُغلقت بخسارة منذ بداية التراجعات، وأن عشرات الآلاف من المتداولين الأفراد تكبدوا تصفيات كاملة خلال جلسات قليلة.

في البورصات، تراجعت أسهم شركات مرتبطة بالكريبتو مثل منصات الوساطة والتعدين بنسب تفوق السوق. بيانات من وكالات أنباء أميركية تظهر أن أسهم شركات مثل كوينبيس وروبن هود خسرت أكثر من 20% من قيمتها في تشرين الثاني وحده، وأن بعض شركات التعدين فقدت نصف قيمتها خلال شهر.

أما حاملو العملات الأصغر والأكثر خطورة، فيواجهون الضربة الأقسى، نظراً لضعف السيولة وعمق السوق في هذه الأصول. تقارير متخصصة تشير إلى أن نسب التراجع في بعض هذه العملات تضاعف ما سجّلته البتكوين، وأن جزءاً من المحافظ المؤسسية قرر إغلاق التعرض لها بالكامل في الوقت الراهن.

حتى الآن تبدو درجة الارتباط بين الكريبتو والمصارف التقليدية محدودة. لكن وتيرة نمو هذا الارتباط تتسارع عبر ثلاث قنوات أساسية. صناديق المؤشرات المتداولة، والبنوك التي تقدم خدمات حراسة وتسييل أصول رقمية لعملائها، والشركات المدرجة التي تحتفظ بكميات كبيرة من البتكوين في ميزانياتها.

إلى أين تتجه البوصلة؟

أسواق الخيارات على البتكوين تعكس اليوم حالة تشاؤم حذر. بيانات من منصات المشتقات تُظهر ارتفاعاً في رهان المتعاملين على أن تنهي العملة العام دون مستوى 90 ألف دولار، مقابل احتمالات أقل لعودتها فوق 100 ألف قبل نهاية 2025.

في وقت ذهب فيه تحليلات بنوك استثمار ومراكز أبحاث لرسم ثلاثة مسارات عامة. الأول أن يستقر السعر في نطاق عريض بين 70 و100 ألف دولار خلال الأشهر المقبلة، مع بقاء الطلب المؤسسي قائماً وإنْ بحذر. الثاني سيناريو أكثر قتامة في حال دخول الاقتصاد العالمي في ركود حاد، ما قد يدفع البتكوين إلى مستويات أدنى بكثير من الأسعار الحالية. والثالث رهان متفائل على أن تراجع المخاوف من فقاعة الذكاء الاصطناعي وبدء دورة خفض للفائدة سيعيدان جزءاً من التدفقات نحو الكريبتو ويرفعان الأسعار مجدداً فوق مئة ألف.

في هذه الأثناء، يستمر بعض كبار المؤمنين بالعملة في الشراء. بيانات منشورة عن شركات مدرجة تستثمر في البتكوين تُظهر أن إحداها أضافت أكثر من ثمانية آلاف عملة جديدة إلى حيازتها خلال الأسابيع الأخيرة، في رهان على أن الانخفاض الحالي ليس سوى محطة أخرى في دورة أطول.

على شاشات المتداولين، يتحرك السعر في نطاق ضيق صعوداً وهبوطاً. بالنسبة للبعض، هذه مجرد فرصة جديدة لمحاولة "شراء القاع". بالنسبة لآخرين فإن العملة التي وُعدت بأن تكون بديلاً للنظام المالي التقليدي ما زالت تعيش وفق إيقاعه نفسه تقريبا. الفرق أن التقلب هنا أسرع، وأن الخطأ في قراءة الموجة قد يكلف ادخار سنوات في ليلة واحدة.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon