"تاريخ من التخبط".. استعراض في العلاقات العراقية التركية
شفق نيوز/ اعتبرت صحيفة "ذي ناشيونال" الصادرة باللغة الإنكليزية أن مجالات المؤازرة بين العراق وتركيا متعددة، لكنهما لم يحسنا الاستفادة منها، إذ أن بغداد لم تنجح في بناء إستراتيجية خاصة بها للتعامل مع تركيا، بينما اعتمدت أنقرة على فكرة الاستفادة من ضعف العراق منذ العام 1991.
ولهذا، يقول التقرير الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، إن هناك حاجة إلى إعادة ضبط قوية للعلاقات بين العراق وتركيا، مذكراً في هذا السياق، بقرار التحكيم القضائي المتعلق باستخدام خط الأنابيب من العراق إلى تركيا وكيف أثّر على العلاقات بين البلدين بسبب عدم تنسيق السياسات والفشل في استغلال المصالح المتبادلة، مضيفاً أنه من المهم للغاية أن يفكر الطرفان داخلياً في كيفية التعامل مع بعضهما البعض.
صراع الماء والنفط
وفي حين قال التقرير إنه منذ فترة طويلة هناك مؤازرة واضحة بين العراق وتركيا يتحتم الاسفتادة منها، أوضح أن تركيا مستورد رئيسي للنفط والغاز، المتوفرين بكثرة في العراق، فيما العراق معرض للتغيير المناخي بينما أنشأت تركيا العديد من السدود على المياه التي تنبع من أراضيها ولهذا تضررت معظم الأراضي الزراعية في العراق.
وبالإضافة إلى ذلك، ذكر التقرير أن جزءاً كبيراً من البنية التحتية المائية في العراق قديمة، في الوقت الذي تتمتع فيه تركيا بخبرة كبيرة يمكنها أن تتقاسمها مع العراقيين.
إلا أن التقرير اعتبر أنه بدلاً من الاستفادة من أوجه التآزر القائمة، فإن العراق لم يتمكن من بناء إستراتيجيته المشتركة الخاصة تجاه التعامل مع تركيا، في حين سعت أنقرة في المقابل إلى الاستفادة من ضعف العراق منذ العام 1991، وكنتيجة لذلك، تفاوضت تركيا في العام 2013 على اتفاق مع إقليم كوردستان للسماح بضخ النفط في خط الأنابيب (الموجود مسبقاً) بين العراق وتركيا ثم تحميله على السفن في ميناء جيهان التركي للتصدير من دون إشراك وزارة النفط في بغداد.
وبعدما ذكّر التقرير بالنزاع القضائي بين بغداد وأنقرة والقرارات الصادرة، اعتبر أنها كانت بمثابة فرصة لكلا الطرفين لإعادة التعامل مع بعضهما البعض بشكل بناء، وأن تشجع الطرفان على طي الصفحة، وإعادة تقييم ما أنجزاه من خلال إستراتيجيات كل منهما والبناء على أوجه التآزر القائمة.
إلا أن التقرير أنتقد فكرة أنه بدلاً من إعادة الانخراط مع بعضهما البعض بشكل إيجابي، فإن الطرفين تبنيا مواقف غير بناءة فاقمت من تعقيد الأمور، مضيفاً أنه من المثير للدهشة أيضاً أن تصرفات الطرفين كانت غير متماسكة، بينما اتخذت عناصر في كلا البلدين إجراءات تقوض مواقفها.
قرار التحكيم الدولي
وأوضح أنه مع صدور قرار التحكيم، تحركت أنقرة فوراً لإغلاق خط الأنابيب، وهو الأمر الذي لم تطلبه المحكمة، وعندما طلب العراق من تركيا السماح باستئناف تدفق الصادرات، ردت تركيا بأن الإغلاق كان لضمان السلامة الهيكلية لخط الأنابيب في أعقاب زلزال شباط/ فبراير 2023، وهو نقطة لم تتم إثارتها من قبل.
ولتعزيز هذه الغرابة في المواقف، أشار التقرير إلى أن تركيا لن تعيد فتح خط الأنابيب إلى أن يتم استيفاء عدد من الشروط، بما في ذلك تخلي العراق عن مطالبته بالتعويضات عن المرحلة الثانية للفترة 2018-2022.
وأضاف أن إغلاق الخط يعني أن العراق خسر نحو 6 مليارات دولار من الأرباح، في حين ما يزال خط الأنابيب مغلقاً حتى الآن.
وتابع التقرير أن تركيا لفتت مؤخراً إلى أنه وفقاً لحساباتها حول الفائدة، فإن العراق يدين لها بمبلغ 950 مليون دولار، وليس العكس، كما جادلت تركيا أيضاً في المحاكم الفرنسية بضرورة إلغاء قرار التحكيم.
وفي المقابل، قال التقرير إن العراق صرّح علناً عن حرصه على التوصل إلى اتفاق مع تركيا حول هذا الموضوع، لكنه في الوقت نفسه، قام بخطوة عدائية لا ضرورة لها، حيث تحرك فوراً بعد إصدار قرار التحكيم، وبسرعة البرق، للعمل من أجل تنفيذ الحكم من خلال المحاكم الأمريكية من دون التواصل مع تركيا أولاً، مضيفاً أن المسؤولين الأتراك صرّحوا منذ ذلك الحين بأنهم شعروا بالإهانة من تصرفات بغداد.
إدارة الخلافات
ولهذا، خلص التقرير إلى أن هذا التاريخ من الإجراءات التي تقود إلى نتائج عكسية والتصعيد الذي بلا نهاية، يفترض أن يدفع مسؤولي البلدين إلى التوقف، والتمعن الجاد في كيفية إدارة علاقاتهما والقيام بعمل أفضل في المستقبل.
وأكد أن قيام دول، مثل العراق وتركيا، بمعالجة خلافاتها من خلال المحاكم والتهديدات باتخاذ المزيد من الإجراءات، يشكل مهزلة خصوصا في ظل وجود عناصر التآزر التي أشرنا إليها.
ودعا التقرير البلدين إلى دراسة الوسائل التي يتواصلان من خلالها مع بعضهما البعض حول هذه القضايا، موضحاً أنهما في الوقت الحالي يتواصلان غالباً من خلال اجتماعات مخصصة، بالإضافة إلى إعلان بيانات غير منسقة وعبر إجراءات قانونية من قبل مجموعة متنوعة من الإدارات الحكومية المختلفة.
وتابع التقرير أنه عوضاً عن ذلك، يتحتم على البلدين أن يستكشفا الوسائل الكفيلة بأن يكون هناك مركزية فيما يتعلق بالإستراتيجية وعملية صنع القرار، إلى جانب إنشاء منتدى دائم للتشاور والتفاوض (كتشكيل لجنة إستراتيجية دائمة).
وختم التقرير بالقول إن العراق وتركيا "حليفان طبيعيان ولديهما الكثير ليقدماه لبعضهما البعض، إلا أنهما من أجل تحسين مواقفهما، يتحتم عليهما تقديم التنازلات، وإذا قاما بذلك بالفعل، فإن ما سيحققاته سيكون كبيراً".