بفريقه المتمرس.. بايدن أمام فرصة قلب المسار في العراق
شفق نيوز/ اعتبرت مجلة "فورين بوليسي" الاميركية ان التفجير الانتحاري المزدوج الذي وقع في بغداد الخميس، وهو الاكثر دموية منذ سنوات، وبعد تنصيب الرئيس الاميركي الجديد جو بايدن، يذكر بالمخاطر الجدية التي تواجه العراق من التطرف، وان وضع البلد ما زال هشا، وهو ما يؤكد ان العراق يجب ان يكون على جدول اعمال الادارة الاميركية الجديدة.
وبعدما اشارت الى ان العراق يبدو كأنه ليس ضمن اولويات ادارة بايدن، ذكرت "فورين بوليسي" بأن للعراق تأثير استراتيجي على سياسات الشرق الاوسط، وتداعيات نجاح العراق او فشله بالنسبة الى صورة الولايات المتحدة امام العالم، ولهذا فان اسلوب تعامل بايدن وفريقه مع العراق سيكون محط مراقبة عن كثب في الشرق الاوسط وخارجه.
واشارت المجلة الاميركية في التقرير الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، الى انه في العراق وفي دول غيره في الشرق الاوسط، هناك حركة صغيرة لكن مهمة بين جيل الشباب لرفض الهويات السياسية المبنية على المذهبية التي لها تاريخ دموي من خلال استغلالها لتقسيم السنة والشيعة والكورد في العراق. وأسوأ ما يمكن ان يحدث هو ان تلجأ الادارة الاميركية الى الاقتراحات القديمة لتعزيز الانقسام الطائفي في العراق كوسيلة للتحكم بالبلد، مثلما اقترح بايدن فيما مضى. وفي المقابل، فان على واشنطن دعم سيادة العراق واستقراره والحكم الرشيد فيه.
وكرئيس للجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، لعب بايدن دورا مهما في منح الرئيس الاسبق وقتها جورج بوش الموافقة في العام 2002 على شن حرب العراق. وفي مقاله الشهير في "نيويورك تايمز" في العام 2006، اقترح بايدن تقسيم العراق بناء على اسس عرقية وطائفية. وبينما تقول مصادر مقربة من بايدن انه تخلى منذ زمن عن هذه الخطة، الا ان عليه ان يعلن رفضها بشكل مباشر. وكنائب للرئيس باراك اوباما وقتها، فقد تم تكليفه للاشراف على ملف العراق وكان ينظر اليه على انه "صانع الملوك" عندما القى بثقله خلف نوري المالكي للحصول على ولاية ثانية كرئيس للحكومة في العام 2010. وفي الوقت نفسه، فان ادارة اوباما تجاهلت بالكامل التدخل الايراني المدمر في العراق.
ولا يتمتع بايدن لوحده بتاريخ مهم مع العراق الذي ظل محجوبا بشكل كبير خلال الحملة الانتخابية والمرحلة الانتقالية في واشنطن. مرشحه لتولي وزارة الدفاع ليود اوستن ووزير خارجيته انتوني بلينكن، يعرفان شؤون العراق بشكل جيد. فقد خدم اوستن في حرب العراق في العام 2003، وتولى لاحقا قيادة القوات المركزية حيث اشرف على تخفيض القوات الاميركي، ثم عودتها لاحقا لمواجهة تنظيم داعش.
ومن خلال ترشيحه باربرا ليف كمشرفة على شؤون الشرق الاوسط وشمال افريقيا في مجلس الامن القومي، وبريت ماكغورك كمنسق حول الشرق الاوسط وشمال افريقيا، يكون بايدن بذلك قد استحضر اثنين من الدبلوماسيين المخضرمين الذين عملوا حول العراق الى رأس صناع القرار في الامن القومي الاميركي.
ويجلب فريق بايدن معه الخبرة والعلاقات الشخصية في العراق الى الطاولة، لكن العراق تغير بشكل كبير منذ ان كان بايدن في السلطة. رئيس الحكومة الحالي مصطفى الكاظمي اول رئيس للوزراء غير اسلامي منذ العام 2005، وهو يعمل من اجل اقامة حكم مدني لاطائفي في العراق. الرئيس برهم صالح ايضا مناصر للعمل السياسي اللاطائفي والتقدمي. فرصة العمل معهما يجب الا تفوت.
واعتبرت "فورين بوليسي" ان هناك فرصة ضيقة لكن مهمة لقلب مسار العراق، وهو شيء لن يكون سهلا. وفي ظل موعد الانتخابات البرلمانية المبكرة المقررة بعد شهور، فان النافذة للعمل مع الكاظمي وبرهم صالح محدودة، فمع اجراء الانتخابات وتشكيل الحكومة الجديدة، فان زعماء "الميليشيات الفاسدة" والموالين لايران سيفعلون كل ما بمقدورهم لاخراج الاحزاب والسياسيين العلمانيين والتقدميين من السلطة.
ومن اجل منع حدوث ذلك، على الادارة الاميركية ان تكون لها ثلاث اولويات في العراق:
اولا، يجب على واشنطن الا تسمح للقوى المتطرفة، مهما كانت عقيدتها، بمهاجمة المصالح الاميركية في البلد، وهذه المصالح يجب الا تقتصر على سلامة السفارة الاميركية والقوات الاميركية فقط، وانما استقرار العراق بشكل عام، بما في ذلك حكومته وبناه التحتية ومنشآته النفطية وحدوده مع حلفاء واشنطن، وخاصة السعودية والاردن والكويت. وعلى الولايات المتحدة ان تدعم الحكومة الحالية من خلال دعم قدرتها على توفير الامن والخدمات الاساسية للشعب العراقي، وتأمين حكم علماني وتقدمي لكي تنال شرعية اكبر.
ثانيا، هناك معركة افكار ومبادئ في الشرق الاوسط، والولايات المتحدة جزء من هذه المعركة، لكن في العراق ولبنان فان الشبان يكافحون ضد الطائفية والفساد والمحسوبية. ولقد مرت 30 سنة منذ انتفاضة العام 1991 عندما طالب العراقيين بالتغيير في بلدهم، وانتفض العراقيون في 14 محافظة من اصل 18 في ثورة لا يتذكرها سوى قلة خارج العراق لانها لم تكن مصورة وسبقت وسائل التواصل الاجتماعي. وعندما تم سحق الانتفاضة بعد "عاصفة الصحراء" التي طردت قوات صدام حسين من الكويت، وقفت الولايات المتحدة رافضة التدخل بينما قتل الاف المنتفضين.
والان، منذ اكثر من عام، الشبان العراقيون يخرجون الى الشوارع مجددا للمطالبة بمستقبل افضل. على الولايات المتحدة الا تقف متفرجة مرة اخرى، بل عليها الانخراط معركة العراق والشرق الاوسط من اجل المبادئ التقدمية ودعم الدولة العلمانية في مقابل الحكم "الميليشياوي" و"الطائفي".
ثالثا، على واشنطن ان تواجه الاجندة التوسعية لايران في المنطقة، من خلال مساعدة العراق على استعادة سيادته وتقليص النفوذ الاجنبي في البلد. وعلى واشنطن ان تعمل من اجل ان يكون العراق على الطريق ليصبح محايدا اكثر ولاعبا اكبر في المنطقة، وهو ما يخدم المصالح الاميركية ويجلب استقرارا اكبر للمنطقة.
ولاحظت المجلة مستغربة كيف ان اسم العراق بالكاد ذكر في واشنطن على الرغم من شبه الاجماع القائم على ان ايران ستكون في رأس لائحة الاهتمامات الخارجية لادارة بايدن في مستهل مشوارها، معتبرة ان التعامل مع موضوع ايران وبرنامجها النووي بشكل منفصل سيكون عملا يفتقر الى الرؤية البعيدة، ذلك ان سياسات ايران وتحديدا دورها في العراق، هي جزء من المشكلة التي يجب ان تتم معالجتها.
في جلسة مجلس الشيوخ للمصادقة على تعيينه، قال بلينكن ان دول الخليج واسرائيل ستكون مشاركة في المفاوضات المحتملة مع ايران حول دورها في المنطقة. لم يتم ذكر العراق، على الرغم من ان العراق يقع في قلب الطموحات التوسعية لايران في المنطقة.
وهناك اعتقاد خاطئ شائع بان ايران لديها ما يسمى "دور طبيعي" في العراق، سواء بسبب العلاقات الثقافية او بسب الطموحات الامبراطورية لايران. لكن ما من سبب لايران لتكون لها ادوار سياسية وامنية في دول اخرى ذات سيادة. ومن دون شك، الروابط التاريخية مهمة، لكن جعل "ميليشيات" متمركزة في العراق تقدم ارتباطها للحرس الثوري الايراني، ويعبر قادة عسكريون ايرانيون بحرية الحدود، يمثل شيئا ابعد من كثير من الروابط الثقافية. يجب الا يتم النظر الى العراق فقط من خلال الاجندة الايرانية.
ودعت المجلة الولايات المتحدة الى الاستفادة من وجودها ونفوذها في العراق سواء من خلال القوات الاميركية او السفارة، لاظهار التزامها واستعدادها لمساعدة العراق في استقراره، معتبرة ان الزعماء السياسيين في بغداد يفضلون وجودا للولايات المتحدة في العراق ليكون عامل توازن مع ايران، بما في ذلك مقتدى الصدر الذي يتظاهر اتباعه ضد الولايات المتحدة، يفضل انخراطا اميركيا يمنع السيطرة الايرانية الكاملة. ومن بين الادوات القوية الاخرى التي تتمتع بها واشنطن، العقوبات التي استخدمتها ادارة ترامب بكثير، فهي تشير الى من ترغب الولايات المتحدة بالعمل معه ومن لا ترغب، مضيفة ان تصنيف شخصية عراقية كزعيم "ميليشيا" معاقب، سينهي طموحاته السياسية اذا كان يسعى الى دخول الحكومة او ممارسة السلطة.