بعد عامين على الانتخابات.. مجالس المحافظات تحت نار الاتهام
شفق نيوز- بغداد
بعد مرور عامين على انتخابات مجالس المحافظات، يتصاعد الجدل في العراق حول حصيلة هذه التجربة التي عادت إلى الواجهة بعد توقف طويل، وسط اتهامات متزايدة بعدم تحقيق الأهداف التي أُنشئت من أجلها.
فالمجالس، وفقاً للمراقبين، التي مُنحت صلاحيات تشريعية ورقابية واسعة، وكان يُفترض أن تمثّل خط الدفاع الأول عن حقوق المواطنين في المحافظات، باتت اليوم، محط انتقادات حادة تتعلق بضعف الأداء، وتراجع الدور الرقابي، وعجزها عن إحداث تحوّل ملموس في ملفي الخدمات والإدارة المحلية.
وخلال العامين الماضيين، لم يلمس المواطن تغيّراً يوازي حجم الوعود التي رافقت عودة المجالس، إذ بقيت المشكلات الخدمية على حالها، وتكرّرت الإخفاقات ذاتها في ملفات البنى التحتية، فيما طفت إلى السطح اتهامات بتغليب المصالح السياسية والشخصية على حساب الدور التشريعي والرقابي، حسب ما يقوله المواطنون على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتحوّلت مجالس المحافظات، وفق منتقديها، من أدوات للمساءلة والمتابعة إلى مؤسسات محدودة التأثير، مكبّلة بقوانين معقّدة، وتوازنات سياسية عطّلت قدرتها على فرض الرقابة أو محاسبة المقصّرين.
في المقابل، تشير الوقائع إلى أن جزءاً من هذا الإخفاق يعود إلى تضييق الصلاحيات الرقابية بعد التعديلات القانونية التي أعقبت حلّ المجالس سابقاً، ما أفقدها القدرة على مراقبة الوزارات والمديريات المحلية بفاعلية، وجعل قراراتها أقرب إلى التوصيات غير الملزمة.
وفي مطلع شباط/فبراير 2024، باشرت مجالس المحافظات في العراق مهامها الرسمية، بعد الانتخابات التي جرت في 18 كانون الأول/ديسمبر 2023، والتي أعلنت المفوضية العليا المستقلة نتائجها النهائية في 28 من الشهر ذاته، قبل أن يصادق عليها مجلس المفوضين في 21 كانون الثاني/يناير 2024.
ووفقاً للدستور العراقي، تتمتع مجالس المحافظات بصلاحيات واسعة، إذ تُعد هيئات محلية مستقلة لا تخضع لسلطة أو إشراف أي وزارة أو جهة غير مرتبطة بوزارة، كما تمتلك صلاحيات إدارية ومالية شاملة تُمكّنها من إدارة شؤون المحافظات واتخاذ القرارات اللازمة بما ينسجم مع مبدأ اللامركزية الإدارية.
وصوّت مجلس النواب العراقي، في العام 2019، على إلغاء مجالس المحافظات وإنهاء عملها، في خطوة جاءت استجابةً للضغوط الشعبية التي رافقت تظاهرات تشرين، حيث اضطر البرلمان آنذاك إلى الانصياع لمطالب المحتجّين المطالِبة بإيقاف عمل هذه المجالس.
أسباب تراجع أداء مجالس المحافظات
في غضون ذلك، يقول عضو مجلس محافظة بغداد، محمد أمين الشعلان، إن مجالس المحافظات هي في الأساس مجالس تشريعية ورقابية، وتمتلك صلاحية إصدار قرارات إدارية ضمن حدود المحافظة، إلا أن الدور الرقابي للمجالس يعاني من تعطيل واضح.
ويضيف الشعلان، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن التعديل الثاني رقم 19 منح مجالس المحافظات صلاحيات واسعة، كان الغرض منها التعويض عن الأقاليم، حيث توسعت صلاحيات المجالس لتشمل الرقابة على 8 وزارات منها (التربية، الصحة، الكهرباء، الزراعة، والمالية)، إلا أن حل المجالس وإعادة فك ارتباطها بالوزارات أدى إلى إلغاء تلك الصلاحيات الرقابية، ما جعل المجالس اليوم تفتقر إلى الأدوات اللازمة لمتابعة عمل الوزارات والمديريات المحلية.
لكن في نفس الوقت، يشير عضو المجلس، إلى خصوصية العاصمة العراقية بغداد، ضارباً مثالاً عن "أمانة بغداد"، قائلاً إن المجلس يمنح أموالاً سنوية للأمانة، لكنه لا يستطيع مراقبة عملها أو مشاريعها، كونها تخضع لقانون مستقل يمنع أي تدخل رقابي من المجلس، ما يزيد من محدودية تأثيره.
وفي ختام حديثه، يؤكد الشعلان، أن ضعف أداء مجالس المحافظات ليس ناتجاً عن إهمال الأعضاء، بل مرتبط بالقيود القانونية التي تحد من اختصاصاتها الرقابية، داعياً إلى "إعادة النظر في صلاحيات المجالس لضمان قدرتها على متابعة المشاريع وحماية المال العام".
وتُعدّ مجالس المحافظات في العراق السلطة التشريعية والرقابية على المستوى المحلي، إذ تتمتع هذه الهيئات المنتخبة بصلاحية سنّ التشريعات المحلية التي تمكّنها من إدارة شؤون محافظاتها وفق مبدأ اللامركزية الإدارية، على أن يكون ذلك ضمن الأطر الدستورية، وبما لا يتعارض مع القوانين الاتحادية الداخلة في نطاق الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية.
فشل في إداء العمل
بينما يعتقد الباحث في الشأن السياسي عباس الجبوري، ان مرور نحو عامين على انتخاب مجالس المحافظات لم يُسفر عن تحقيق النتائج المرجوة، مؤكداً أن هذه المجالس غالباً ما تكون "حلقة زائدة" في الهيكل الإداري.
ويشير الجبوري، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن العراق ظل بدون مجالس محافظات لمدة عشر سنوات، ورغم ذلك، كانت المحافظات قادرة على إدارة أعمالها بشكل جيد، مضيفاً أن وجود المجالس الحالية لم يساهم في تحسين الأداء أو مراقبة الخدمات العامة.
ضعف الرقابة وانعدام الفعالية أدى إلى تفاقم سوء الخدمات، كما ظهر جلياً خلال الأمطار الأخيرة، والكلام للباحث، حيث عجزت العديد من المحافظات عن صيانة الشوارع وتأهيل البنى التحتية، ما أسفر عن معاناة المواطنين وانتشار فيديوهات توثق هذه الإخفاقات، خاصة في محافظات مثل بابل والديوانية.
كما يتحدث الجبوري، قائلاً إن معظم أعضاء المجالس استخدموا المناصب لتحقيق مصالح شخصية، حيث انتقل 95% منهم بعد الفوز بالانتخابات إلى مناصب أخرى، أو أهملوا مسؤولياتهم تجاه المواطنين، مضيفاً أن الهدف من الترشح كان في العديد من الحالات الوصول إلى المناصب والمصالح الشخصية وليس خدمة الشعب.
ويستطرد الجبوري، بالقول إن "استمرار هذا النهج يحول مجالس المحافظات من أدوات رقابية وتنموية إلى مؤسسات ضعيفة التأثير بلا فائدة ملموسة على حياة المواطنين"، داعياً إلى "إعادة النظر في دورها وآليات عملها لضمان تحقيق الفائدة المرجوة".
ماذا فعلت المحاصصة السياسية؟
ويقول عضو مجلس محافظة بابل، حسين منكوشي، إن "مجالس المحافظات العراقية نجحت إلى حد جزئي في ممارسة العمل الرقابي وإصدار العديد من القرارات المهمة التي كان لها أثر إيجابي، إلا أن المحاصصة السياسية المقيتة ما تزال تمثل عقبة كبيرة أمام تحقيق الأداء المنشود".
وفي حديث لوكالة شفق نيوز، يرى منكوشي، أن استمرار النهج المحاصصاتي داخل المجالس يؤدي إلى شل قدرتها على اتخاذ القرارات المهمة وتنفيذ المشاريع المحلية، لافتاً إلى أن وجود المجالس يكون ضرورياً وجوهرياً فقط إذا أدت دورها بالشكل الصحيح، وإلا فإن استمرار الوضع الحالي يجعلها بلا تأثير فعلي.
ويتابع المسؤول الحكومي، قائلاً إن "التجربة القادمة للمجالس بحاجة إلى أغلبية وطنية قادرة على فرض الرقابة وتنفيذ البرامج التنموية"، مشيراً إلى أن "الرقابة الصارمة موجودة، لكنها لم تُثمر بالكامل حتى الآن بسبب بطء الإجراءات لدى هيئة النزاهة، ما يحد من قدرة المجالس على محاسبة المتجاوزين ومتابعة الملفات بشكل فعال".
ويختم بالقول إن "الأمل معقود على المجالس المقبلة لتكون أكثر كفاءة وفاعلية، بما يخدم مصالح المواطنين ويعزز الشفافية والمساءلة على مستوى المحافظات".
وبموجب قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم الصادر عام 2008، تمتد الدورة الانتخابية لمجالس المحافظات لمدة أربع سنوات، وتبدأ اعتباراً من تاريخ انعقاد الجلسة الأولى لكل مجلس.
دور مجالس المحافظات قانونياً
وفي الإطار القانوني، يمنح التشريع العراقي مجالس المحافظات صلاحية استجواب المحافظ أو أيٍّ من نائبيه لأسباب متعددة، من بينها هدر المال العام، أو الإهمال والتقصير في أداء الواجبات الوظيفية، أو الإخلال بمعايير النزاهة والاستغلال الوظيفي. كما تمتد صلاحياتها الرقابية لتشمل متابعة أداء دوائر الدولة في المحافظة كافة، باستثناء المحاكم والتشكيلات العسكرية، فضلاً عن الكليات والمعاهد والدوائر التابعة للحكومة الاتحادية.
لذلك، يؤكد الخبير القانوني علي التميمي، أن مجالس المحافظات في العراق تعتبر مؤسسات "دستورية منظمة"، تستند في عملها إلى نصوص محددة في الدستور العراقي، مبيناً أن المادة 122 من الدستور تنص على انتخاب مجالس المحافظات وتحدد اختصاصها في اختيار المحافظ، ما يجعل هذه المجالس ركناً أساسياً في الهيكل الإداري المحلي.
وبحسب الخبير القانوني، فإن عمل مجالس المحافظات يخضع أيضاً إلى مجموعة من القوانين التنظيمية، أبرزها قانون مجالس المحافظات وقانون انتخاب مجالس المحافظين رقم 12 لسنة 2018، إضافة إلى اللوائح المعمول بها في مجلس النواب، التي تحدد صلاحيات المحافظ والمجالس المحلية، مضيفاً أن هذه القوانين تكفل استقلالية المجالس وتحدد إطار عمل المحافظين بما يضمن تطبيق الدستور على أرض الواقع.
"في حال رغبت الحكومة أو الجهات التشريعية في تعديل أو حل وزارة معينة أو تعديل هيكلها، فإن ذلك لا يمكن أن يتم إلا وفقاً لإجراءات تعديل الدستور العراقي، بما يحفظ الحقوق الدستورية للمجالس ويضمن عدم المساس بصلاحياتها المحددة قانونياً"، وفقاً لما تحدث به التميمي لوكالة شفق نيوز.
ويوضح أن الالتزام بالنصوص الدستورية والقوانين المنظمة لعمل المجالس المحلية أمر ضروري لضمان الاستقرار الإداري وتحقيق مشاركة فعالة للمواطنين في إدارة محافظاتهم، وهو ما يعزز الشفافية والمساءلة ويحد من التجاوزات.
وتصدّرت تحالفات وطنية بارزة مثل نبني، دولة القانون، تقدم، والقوى الوطنية نتائج عدد من المحافظات، فيما حققت قوائم محلية وتحالفات إقليمية نجاحات ملحوظة في محافظات مثل كركوك، نينوى، الأنبار، والبصرة.
في بغداد، حصل تحالف نبني ودولة القانون على 9 مقاعد لكل منهما، بينما حقق تحالف تقدم 8 مقاعد، ووزّعت باقي المقاعد على قوائم مثل القوى الوطنية، السيادة، عزم، الأساس، وغيرها.
أما في كركوك، فقد حافظ الاتحاد الوطني الكوردستاني على مقاعده ضمن المجلس المحلي، فيما توزّعت المقاعد الأخرى على الائتلافات العربية والكردية والسنية، بحسب النتائج النهائية.
وسجلت محافظات مثل الأنبار ونينوى نتائج متفاوتة بين قوائم محلية وتحالفات إقليمية، بينما شهدت محافظات الجنوب مثل البصرة، ذي قار، ميسان، المثنى، كربلاء، والنجف تفاوتاً في توزيع المقاعد بين تحالفات وطنية متنوعة، تصدرتها قوائم محلية مرتبطة بالدوائر المجتمعية والتحالفات الكبيرة مثل "نبني" و"دولة القانون".