بعد خطاب رئيس اساقفة اربيل.. هل مسيحيو العراق على وشك الانقراض؟
شفق نيوز/ اتهم رئيس أساقفة أربيل، عاصمة إقليم كوردستان، زعماء المسيحيين البريطانيين بالإخفاق في عمل ما يكفي دفاعاً عن الأقلية المسيحية في العراق.
وقال المطران بشار وردة، في خطاب عاطفي في لندن: "المسيحيون العراقيون على وشك الانقراض بعد 1400 عام من الاضطهاد".
وأضاف أنه "منذ الغزو الأمريكي للعراق الذي أطاح بنظام صدام حسين في عام 2003 ، تضاءل عدد المسيحيين بنسبة 83 في المئة، من حوالي 1.5 مليون إلى 250 ألف فقط، وإن الكنيسة العراقية واحدة من أقدم الكنائس في العالم، وتقترب من الانقراض بشكل خطير. ويجب أن تكون البقية الباقية على استعداد لمواجهة الشهادة".
وأشار إلى التهديد الحالي الذي يمثله الجهاديون في ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية باعتباره "كفاحاً نهائياً في سبيل البقاء" بعد هجوم التنظيم عام 2014، الذي أدى إلى نزوح أكثر من 125 ألف مسيحي من أرض أجدادهم التاريخية.
وقال: "صادر أعدؤنا حاضرنا"، كانوا يسعون إلى القضاء على تاريخنا وتدمير مستقبلنا، ولا يوجد في العراق تعويضاً لمن فقد ممتلكاته ومنزله وعمله وتجارته.
"عشرات الآلاف من المسيحيين فقدوا ثمرة عملهم طيلة حياتهم، وثمرة جهد أجيال في أماكن عيشهم عبر آلاف السنين".
تم طرد التنظيم الذي عُرف باسم "داعش" في العالم العربي من معقله الأخير في بلدة باغوز بشمالي سوريا في مارس/آذار الماضي بعد حملة عسكرية ضخمة متعددة الجنسيات، مما يدل فعليا على نهاية "الخلافة" المعلنة ذاتياً.
وقبل ذلك، تم طرده فعلياً من الموصل، بشمالي العراق في يوليو/تموز 2017. لكن تم تدمير الكنائس والأديرة ومنازل الأسر المسيحية، ولم تعد الآلاف من العائلات النازحة إلى مدنها وقراها.
وحذر رئيس الأساقفة تنامي الجماعات المتطرفة التي ترى أن قتل المسيحيين واليزيديين ساعد في نشر الإسلام.
مداهنة
واتهم رئيس الأساقفة الزعماء المسيحيين في بريطانيا بـ "المداهنة" بهذا الخصوص، ووصف الفشل في إدانة التطرف بأنه "سرطان"، قائلاً إنهم لا يتحدثون بصوت عالٍ بما فيه الكفاية خشية اتهامهم بالعداء للإسلام.
"هل ستستمرون في التغاضي عن هذا الاضطهاد المنظم المتواصل ضدنا؟ وتابع: "عندما تضربنا موجة عنف جديدة، هل ستحتجون وتخرجوا في مظاهرات وتحملون لافتات تقول "كلنا مسيحيون"؟.
ويوافقه في هذا الموقف إلى حد ما أسقف ترورو، القس فيليب مونستيفن الذي يرأس اللجنة المستقلة التي تتولى دراسة تعامل وزارة الخارجية مع اضطهاد المسيحيين في جميع أنحاء العالم.
وقال مونستيفن: "أعتقد أن رئيس الأساقفة محق في أن ثقافة المداهنة والمجاملة منعت الأصوات الغربية من التحدث علنا عن اضطهاد المسيحيين"،ويتابع: "أعتقد أن هذا الموقف نابع من عقدة الشعور بالذنب لدى الغرب بسبب ماضيه الاستعماري.
وأكد الأسقف مونستيفن على الحاجة إلى النظر للاضطهاد المسيحي من منظور عالمي وله أسباب متعددة، وإذا "نظرنا إلى الأمر على ضوء التشدد الإسلامي، سنتغاضى عن كثيرين آخرين يجب محاسبتهم".
وأعرب أسقف أربيل عن شعوره بالحزن إزاء الواقه الراهن، بينما كانت هناك فترة مزدهرة من التعايش المثمر في القرون الماضية بين المسيحيين والمسلمين في العراق، وهي الفترة التي سماها المؤرخون "العصر الإسلامي الذهبي".
ويقول وردة: "تحاور أجدادنا المسيحيون مع العرب المسلمين في الفكر والفلسفة وكان الحوار والاحترام متبادلاً بينهم منذ القرن الثامن".
"لقد نشأ نمط من الحوار اللاهوتي المفيد بفضل روح التسامح مع الأقليات لدى الخلفاء المتعاقبين، ومع غياب التسامح، غابت الثقافة والغنى الفكري".
"لحظة الحقيقة"
يواجه المسيحيون أوضاعاً مختلفة في الوقت الراهن.
فقد تعرض الأقباط المصريون (يشكلون 10% من سكان البلاد البالغ عددهم 100 مليون نسمة) لهجمات متواصلة من الجهاديين الذين فجروا كنائسهم وحاولوا طردهم من شمال سيناء.
أما في الإمارات، قام البابا فرانسيس في شهر فبراير/شباط الماضي، بزيارة تاريخية إليها، استغرقت ثلاثة أيام، وهي الأولى من نوعها إلى شبه الجزيرة العربية، حيث أقام قداساً حضره ما يقدر بنحو 135 ألف مسيحي معظمهم من الكاثوليك المهاجرين.
وفي السعودية، مهد الإسلام والدولة التي فرضت تفسيرات متشددة للإسلام على مدار أربعين عاماً مضى، سُمح للمسيحيين الأقباط لأول مرة بإقامة قداس في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وفي سوريا، شعرت الأقلية المسيحية بالتهديد من قبل الجناح الإسلامي المتشدد في المعارضة، ولكن في الآونة الأخيرة ومع تقدم قوات الرئيس بشار الأسد في تلك المناطق، بدأ المسيحيون بتنفس الصعداء.
وفي العراق، يواجه المسيحيون مستقبلاً غامضاً، فمازالت التوترات الطائفية بين المسلمين السنة والشيعة قائمة، ومازالت هناك أعداد غير معروفة من خلايا التنظيم النائمة في شمال وغرب البلاد.
وخلص رئيس الأساقفة إلى نتيجة مريرة حول ما يحمله المستقبل قائلاً: "أيها الأصدقاء، نقرُّ بأننا ربما نواجه نهايتنا في أرض أجدادنا، وحينها سيواجه العالم بأسره لحظة الحقيقة".
"هل سيتم السماح بالقضاء على أناس مسالمين أبرياء بسبب معتقداتهم الدينية؟ وبسبب انعدام الإرادة في مواجهة المعتدي، هل سيتواطأ العالم في إبادتنا".