بعد الدرس العراقي.. هكذا تتلقى الصين "التعثر" الروسي في اوكرانيا
شفق نيوز/ تناول موقع "ديفينس وان" الامريكي المتخصص بالشؤون العسكرية، جانباً آخر من تداعيات الحرب الروسية الاوكرانية، معتبراً أن الصين تراقب باهتمام كبير مجريات الحرب وتطوراتها.
وذكر التقرير، أن ما وصفه بـ"التعثر العسكري الروسي"، قد يدفع بكين الى التمهل في تحديد ما اذا كانت قواتها المسلحة قادرة بالفعل على انجاز "استيلاء ناجح" على جزيرة تايوان، المنفصلة عنها، وما اذا كانت القيادة الصينية "ستتعلم الدرس" أم انها ستقوم بنفس "الحسابات الخاطئة" التي ارتكبها الرئيس فلاديمير بوتين.
وأستهل التقرير الذي نشره الموقع الامريكي، وترجمته وكالة شفق نيوز، قراءته لموقف الصين، بالاشارة الى ان القيادة الصينية راقبت في السابق تطورات حرب "عاصفة الصحراء" التي خاضها تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة ضد القوات العراقية التي احتلت الكويت قبل 30 سنة، معتبراً أنها "كانت نقطة تحول في التاريخ العسكري الصيني الحديث"، حيث كان المخططون العسكريون الصينيون يراقبون القوات الامريكية والحليفة وهي تنفذ عملية سريعة ضد الجيش العراقي الذي كان يوصف بانه "رابع اكبر جيش في العالم"، ومتسلح بالعديد من الانظمة الحربية التي كان جيش التحرير الشعبي الصيني يعتمدها وقتها.
وكان من الواضح بالنسبة الى الصينيين، أن تفوقهم الكمي على حساب القدرات النوعية، لن تتيح لقواتهم فرصة بالنجاح في مواجهة جيوش تعتمد المزيج من الاسلحة الحديثة وقدرات القيادة والسيطرة والاتصالات والكمبيوتر والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، كالتي حدثت في العراق.
وأشار التقرير إلى أن تلك التجربة العراقية، دفعت الصين الى تبني مفاهيم عسكرية جديدة وخاضت طوال اكثر من عقدين من الزمن، تطبيق اصلاحات صعبة في احيان كثيرة، وهو ما أنتج اليوم جيشا صينيا أكثر حداثة وقدرة، واكثر اعتمادا على التكنولوجيا المعلوماتية.
والآن، يقول التقرير، إن الجيش الصيني "يراقب عن كثب الروس في اوكرانيا لان اداءهم ضعيف في جوانب عديدة ، من الفشل في النيل من اهداف رئيسية او تأكيد التفوق الجوي الى نفاد الوقود والامدادات وربما المعاناة من الانهيار المعنوي" للقوات الروسية.
وأشار إلى أن الصينيين يتلقون بالتأكيد الدروس التي ستشكل مستقبلهم، مضيفاً أن تجربة روسيا تؤكد على العديد من الافتراضات الاخيرة للصين التي تعتمد على الاستثمار بالانظمة الجوية المسيرة، بالاضافة الى ضرورة تطبيق اصلاحات داخل الجيش متفق عليها منذ العام 2015، والتي تستهدف الى اصلاح العديد من المسائل التي تقود الى "الفشل الروسي" الحالي.
وأوضح التقرير الامريكي انه من بين العديد من المسائل التي تسببت بمشاكل لروسيا في ميدان المعركة الاوكرانية، افتقارها الى تنسيق العمليات المشتركة الفعالة بين قواتها، معتبراً أن الاداء الروسي في هذا المجال غير كفء، حيث ان موسكو على سبيل المثال فشلت مراراً في تأمين دعم جوي فعال لقواتها البرية او تجنب "النيران الصديقة" ما بين سلاحها الجوي وانظمة دفاعها الجوي.
ولفت التقرير الى ان الجيش الصيني يعاني هو الاخر من مشكلات جسيمة فيما يتعلق بتنسيق العمليات المشتركة، مذكرا بان الاصلاحات العسكرية التي اتخذت منذ العام 2015، ربما لم تصلح العيوب حتى الان، موضحا معظم كبار قادة الجيش الصيني "لا يزالون عديمي الخبرة نسبيا في العمليات المشتركة".
وتابع التقرير انه بالنسبة الى الصين، فان غزو اوكرانيا سيعزز اهمية العمليات العسكرية المشتركة المتسببة حاليا بتعثر الروس، وهو جانب يجعل الصين تتمهل للتمعن فيما اذا كانت جاهزة فعليا لتطبيق "العمليات المشتركة التي يتطلبها الاستيلاء الناجح على تايوان، بما في ذلك التنسيق الوثيق بين القوات البحرية والجوية والبرية".
وأشار أيضاً إلى أن مسألة أخرى ساهمت في مفاقمة مشاكل روسيا في اوكرانيا، وهي الكفاءة المنخفضة لعناصرها "المجندين"، مضيفا ان نجاح اوكرانيا باستخدام حرب المعلومات الدعائية من خلال السماح للمجندين الروس الاسرى بالاتصال باماتهم هاتفيا. ويعتبر التقرير ان نموذج الاعتماد على الملتحقين بالقوات المسلحة بشكل تطوعي، مثلما هو الحال في معظم دول العالم الغربي، افضل من نظام التجنيد الاجباري.
وتابع قائلاً، أنه برغم ان الجيش الصيني حقق بعض النجاح في نظام التطوع العسكري الفعال، الا انه فشل حتى الان في الابتعاد عن التجنيد الاجباري.
إلا أنه بخلاف الجنود الروس الذي لم يكن العديد منهم يعلم انهم سيتوجهون الى الحرب مع اوكرانيا، فان الجيش الصيني يركز بقوة على التعليم السياسي لافراده، حيث نشا المجندون الصينيون منذ سن مبكرة على فكرة الايمان بضرورة "تحرير" تايوان.
وفي حين أن روسيا اخطأت بسماحها لخصمها بالهيمنة على بيئة المعلومات، فان نظام الرئيس الاوكراني زيلينسكي قلب الطاولة على روسيا، محققا الفوز في حرب المعلومات داخل كل من اوكرانيا والغرب وغير بذلك الصورة الاوسع للصراع.
وفي هذا السياق، فان الصين قامت بتسهيل التنسيق بين جهود جيوشها في الحرب الالكترونية والفضاء وحرب المعلومات من خلال تشكيل "قوة الدعم الاستراتيجي" في حين انه من المتوقع ان تضاعف جهودها في الحرب الالكترونية وحرب المعلومات والاتصالات المشفرة، لضمان عدم تعرض عملياتها لنفس الخلل الذي واجهه الروس في اوكرانيا.
ولفت التقرير ايضا الى مشاكل روسيا الخطيرة فيما يتعلق بالخدمات اللوجستية الرديئة حيث اصبح مشهد العربات المعطلة او المهجورة صورة شائعة مع نفاد الوقود والامدادات الحيوية الاخرى للقوات الروسية، مضيفا ان الجيش الصيني في المقابل، كان يعمل بشكل سريع من اجل اصلاح وتطوير نظامه اللوجستي كجزء من اصلاحات العام 2015.
كما لفت التقرير الى ان العديد من المشكلات التي يواجهها الجيش الروسي قد تكون في جوهرها مرتبطة بالفساد حيث افادت انباء عن ان بعض الضباط الروس قاموا ببيع امداداتهم من الوقود والغذاء قبل اندلاع الحرب، مضيفا انه من اجل ذلك هناك
الكثير لدى الجيش الصيني ليخاف منه، حيث ابتلي الجيش الصيني بالفساد منذ عقود، مذكرا بان ضباط الجيش سبق لهم ان اعلنوا صراحة في العام 2015، ان الفساد يمكن ان يقوض قدرة الصين على خوض الحرب، مشيرا الى انه يعتقد ان شي جين بينغ منذ توليه السلطة عاقب اكثر 13 الف ضابط، بينهم اكثر من 100 جنرال في الجيش بسبب قضايا مرتبطة بالفساد.
واخيرا، تناول التقرير القضية الاستراتيجية المتمثلة في رد فعل بكين على العقوبات التي استهدفت الروبل والاقتصاد الروسي، مضيفا ان الانتقام الاقتصادي السريع من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي ودول اخرى، فاجأ موسكو.
الا ان التقرير اشار الى انه بينما ستستفيد الصين من اعتماد روسيا المتزايد على سلعها وخدماتها مع انسحاب 500 شركة غربية كبرى من السوق الروسي، الا انه من المتوقع ان تعيد الصين اعداد استراتيجيتها الجغرافية الاقتصادية للتخفيف من احتمال تعرضها لكابوس سيناريو مماثل.
وأعرب التقرير عن الاعتقاد بان الصين قد تسعى الى مضاعفة جهودها من اجل تعزيز نظام الدفع البنكي المتبادل، وهو نظام بديل لنظام "سويفت" للتحويلات البنكية، لتستخدمه في تعاملاتها مع شركائها الاستراتيجيين ومتلقي المساعدات الاجنبية في العالم النامي.
واعتبر التقرير أن "صناع السياسة في واشنطن بحاجة الى الادراك ان العقوبات التي يتم استخدامها حاليا ضد روسيا، من غير المرجح ان تكون بهذه الفعالية في المرة القادمة، لان الصين ليست مجرد دولة باقتصاد مختلف، وهي ستتعلم ايضا من الصراع الحالي وتتكيف وفقا لذلك".
وختم التقرير بالقول انه امام "هذه الدروس القيمة، ما من شك في ان الصين كانت تراقب الصراع المستمر بدرجة كبيرة من الاستياء، ويقال ان القادة الصينيين فوجئوا بسبب الاداء العسكري الضعيف لشركائهم الروس والمقاومة الاوكرانية ودرجة التضامن من المجتمع الدولي".
واوضح التقرير ان ما يجري بين روسيا واوكرانيا حيث دولة اضغر بكثير تقاوم جارا اكبر، تثير حالة غير مريحة في نفسية قيادات الحزب الشيوعي الصيني وقادة الجيش الصيني، حيث انه يتعارض مع رواية القوة الساحقة والحتمية التي سعت بكين الى غرسها في نفوس الشعب التايواني.
وخلص التقرير الى القول ان الصين و"الجيش الشعبي الصيني" سيراقبان اوكرانيا عن كثب لمحاولة استخلاص الدروس الصحيحة، مضيفا انه "من غير الواضح ما اذا كان الرئيس الصيني شي جين بينغ، سيتعلم الدرس من بوتين، ام انه سيقوم بنفس حساباته الخاطئة في المستقبل تجاه جيران الصين".