"بدأت بانتصار وانتهت بكوارث".. صحيفة بريطانية عن حرب العراق وكيف غيرت في النظام العالمي
شفق نيوز/ قالت صحيفة "الجارديان" البريطانية إنه بعكس ما قاله السياسي الفرنسي جورج كليمنصو بأن "الحرب هي عبارة عن سلسلة من الكوارث التي تؤدي إلى النصر"، فإنه في حالة غزو العراق، فان الحرب بدأت بانتصار، وانتهت بسلسلة من الكوارث.
واعتبر تقرير للصحيفة البريطانية ترجمته وكالة شفق نيوز؛ انه تم الانتهاء من الانسحاب العسكري الأمريكي الرئيسي من العراق بحلول العام 2011 ، وهو ما كان بمثابة إجابة على السؤال الذي طرحه الجنرال ديفيد بتريوس خلال الاندفاعة العسكرية الاولى نحو بغداد في العام 2003 عندما قال "أخبرني، كيف ينتهي هذا؟".
الا ان التقرير أشار إلى أن الغزو ما يزال يلقي بظلاله على النظام الدولي، ويشوه العملية السياسية نفسها، ويوجه ضربة قوية للثقة بالنفس التي شعر بها الغرب في السنوات التي اعقبت سقوط جدار برلين.
ولفت إلى أنه عشية الذكرى الـ20 للحرب التي تحل في 20 آذار/ مارس، فإن لم يعد مهما ما إذا كانت الحرب قد شنت بناء على تضليل او تشويه او سوء فهم متعمد، أو حتى بناء على فرضية خاطئة، مشيرا الى ان الرئيس الاسبق باراك أوباما استخلص درسا واحدا مما كان يجري بقوله "لا تفعل أشياء غبية".
ونوه التقرير الى السؤال الوارد في عنوان كتاب السياسية الاوروبية كاثرين اشتون الجديد حول الدبلوماسية "ثم ماذا؟" طرحه كثيرون فيما يتعلق بالعراق قبل الغزو حيث تم طرح أفكار تتعلق بالعواقب المحفوفة بالمخاطر بالنسبة للعراق في المذكرات والاجتماعات في ذلك الوقت من قبل خبراء العراق في بريطانيا مثل روزماري هوليس وتوبي دودج ومن قبل عدد كبير من الاختصاصيين الأمريكيين في الشرق الأوسط، بما في ذلك رئيس وكالة المخابرات المركزية "سي اي ايه" الحالي بيل بيرنز، إلا ان المعنيين بالأمر، بما في ذلك جورج بوش، اختاروا تجاهل هذه التحذيرات.
واشار التقرير ان دودج الذي عاد حديثا من العراق تمت دعوته الى "داونينغ ستريت" من أجل تحذير طوني بلير من أن الغزو سيكون كارثة. ويتذكر دودج بلير عندما قال في البداية "اعلم انك تعتقد أنه لا ينبغي أن أفعل ذلك، لكن علي ان اقوم بذلك. اعلم انه سيكون سيئا. قل لي كم سيكون هذا سيئا".
ونقل التقرير عن دوج قوله انه "لم يكن هناك أحد في لندن وواشنطن، لديه الفكرة الأولى عن العراق ، لكنهم كانوا يخططون لاحتلاله وإدارة المكان".
وبعدما أشار التقرير الى عمليات نهب العاصمة وتفكيك مؤسسات الديكتاتورية، قال
ان الفوضى أنتجت كتابات واسعة حول التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب، وتساؤلات كثيرة رسمية وخصوصا "تحقيق تشيلكوت" في بريطانيا، وتقرير عبارة عن مجلدين من قبل الجيش الأمريكي. ونقل التقرير عن دودج قوله "لقد بحثنا طوال العشرين عاما الماضية حول الخطأ الكبير. بعض الامور سرّعت الانهيار، مثل إرث العقوبات أو اجتثاث البعث. لكن الخطأ الكبير، الخطيئة الاصلية ، كان غزو بلد لا تعرف شيئا عنه. كان مصيرها الفشل. نقطة".
ولفت التقرير الى عدم وجود خطة متماسكة متفق عليها لمن او من سيحل مكان صدام حسين وتسخين التنافس الطائفي بين الشيعة والسنة الشيعية في كافة انحاء الشرق الاوسط، والتمرد من قبل السنة، وولادة تنظيم داعش، وفوضى الحرب الأهلية السورية، وظهور الخلافة المزعومة للتنظيم في انحاء سوريا والعراق.
وبالاضافة الى ذلك، فان الحرب عززت إيران ووكلائها في جميع انحاء الشرق الأوسط، كما أثارت توترا الغرب بشان الحرب في سوريا، ونجاة الرئيس بشار الأسد من التمرد المسلح، وإعطاء فلاديمير بوتين تذكرة العودة غير المتوقعة الى الشرق الاوسط.
ومن تأثيرات ما جرى ايضا، ان الزعماء العرب الآخرين في حال كانوا بحاجة الى سبب لقمع التهديد الذي شكله "الربيع العربي" في العام 2011، فإن فوضى الديمقراطية في العراق، قدمت لهم هذا العذر. وتابع التقرير أن الانسحاب الأمريكي الأحادي من أفغانستان، الذي سعى إليه دونالد ترامب ثم تابعه خليفته جو بايدن، كان نتيجة عن السخط من فشل بناء الدولة الذي يمثله العراق.
واعتبر التقرير أنه كان للغزو اهمية معاصرة في ظل حذر الغرب من تغيير النظام في طهران، ناهيك عن موسكو حيث تساءل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون خلال مؤتمر ميونيخ الأمني مؤخرا، "التغيير إلى ماذا وبأي وسيلة؟"، في ظل إدراكه بالحكومات الفاسدة والطائفية في العراق بعد العام 2003، وهو بمثابة تحذير كاف من إحداث تغيير في النظام في روسيا.
واشار التقرير انه عندما تقوم الولايات المتحدة بادانة الغزو الروسي لأوكرانيا وتشيد بالفضائل المتمثلة بالسيادة الوطنية وسلامة الأراضي وميثاق الامم المتحدة، فان الامر لن يستغرق سوى ثوان فقط بالنسبة الى الصين وروسيا ودول جنوب العالم، لكي يستحضروا مثال العراق، لاتهام الولايات المتحدة بازدواجية المعايير. وذكر التقرير بان مسؤول الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل اعترف مؤخرا، بأن "الدول لديها ذكريات".
كما اشار التقرير الى انه من وجهة نظر بوتين، فانه كان ينتقد كل ما فعلته الولايات المتحدة لاحقا، بما في ذلك مغازلة الإسلاميين خلال "الربيع العربي"، وتضليله بشأن تفويض الأمم المتحدة للاطاحة بالقذافي في ليبيا، والوقوف الى جانب الجماعات التي تضم جهاديين ضد نظام الأسد في سوريا، ودعم احتجاجات الميدان في أوكرانيا العام 2014 ومؤشر على الهيمنة الامريكية.
وأضاف التقرير؛ أن السعوديين، وهو حلفاء الولايات المتحدة منذ مدى طويل، شعروا بالخيانة بسبب الغزو، بسبب مخاطر استيراد الديمقراطية فجأة الى العراق. وتابع ان
وزير الخارجية السعودي الاسبق سعود الفيصل اشتكى من أن الولايات المتحدة "سلمت العراق فعليا الى ايران على طبق من فضة". واضاف ان الممالك الخليجية اشتكت من أن الغرب قد أنشأ محورا ايرانيا سوريا معاديا، وهو يضم تحالف حزب الله - العراق - سوريا - حماس، والذي استخدم لاحقا لزيادة تقييد السعوديين في اليمن.
ونقل التقرير عن الباحث في المعهد الألماني للشؤون الدولية والامنية حميد رضا عزيزي قوله إن غزو العام 2003 "غير بشكل جذري تصور ايران للتهديد" ، حيث رأى قادتها دليلا على رغبة واشنطن في الشروع في استراتيجية للتدخلات النشطة. وتابع قائلا "كان التأثير الأكثر إلحاحا هو أن دعم الجهات الفاعلة المسلحة من غير الدول، أصبح يشكل سمة مركزية في الاستراتيجية العسكرية لإيران".
كما اضاف التقرير ان ايران اكتسبت نفوذا من خلال مجموعات مثل جيش المهدي، وفصائل اخرى شكلها فيلق القدس الايراني. وتابع ان البنتاغون قال ان اكثر من 600 من بين 4 الاف جندي امريكي قتلوا في العراق، سقطوا على ايدي الجماعات المدعومة من ايران.
وذكر التقرير ان بوش نفسه كان متناقضا بشان دوافعه حول العراق، مما يعكس انقسامات الادارة داخليا، موضحا انه في البداية، كان رد الولايات المتحدة على 11 سبتمبر/ايلول، بالدرجة الاولى حماية امريكا من الارهابيين، ولكنه اشار ايضا الى ان صدام حسين كان يسلح هؤلاء الإرهابيين.
وتابع التقرير أنه بحلول آب/أغسطس العام 2002، وقّع بوش على وثيقة سرية صاغتها مستشارة الامن القومي الامريكية كوندوليزا رايس، تشير إلى أن الولايات المتحدة يمكن أن تعمل من أجل خلق عراق جديد يقوم مجتمعه على الديمقراطية ويكون نموذجا للحكم الرشيد في المنطقة.
واعتبر التقرير أن حرب العراق كانت بمثابة عائق أمام انتشار الديمقراطية في المنطقة، مضيفا أن الممالك الخليجية تنفست الصعداء لان التجربة الديمقراطية الاولى في المنطقة لم تنجح، فيما أظهرت استطلاعات الرأي أن الغالبية العظمى في الشرق الاوسط عارضت الغزو الأمريكي.
ورأى التقرير أنه عندما اندلعت انتفاضات "الربيع العربي" في عامي 2011 و2012، فإنه لم يكن لها علاقة بالالهام الأمريكي بل كانت لها علاقة ببطالة الشباب والفساد ورعاية قطر للإخوان المسلمين وصعود المشهد الإعلامي الجديد.
ونقل التقرير عن الباحث في معهد "ميدل ايست كراسيس فاكتوري" اياد البغدادي قوله إنه "لم تكن العديد من الحركات تسعى الى تكرار النظام العالمي النيوليبرالي السائد، بل كانت تسعى الى شيء مختلف".
ولفت الى ان اوباما كان يكره الملكيات الخليجية، إلا انه عندما أطاح الجيش المصري بمحمد مرسي المنتخب ديمقراطيا في العام 2013 ، راوغ اوباما قبل ان يختار عدم وصفه بانه "انقلاب".
وتابع التقرير أنه يتم النظر إلى حقيقة أن الصين، وليس الولايات المتحدة، هي التي تفاوضت مؤخرا على اتفاق المصالحة السعودية الإيرانية، وهو ما يعتبر مؤشرا إضافيا على تضاؤل النفوذ الأمريكي في المنطقة.
ونقل التقرير عن الباحثة في معهد "بروكينجز" مارسين الشمري تحذيرها من خيبة الأمل وحتى من الحنين الى دولة قوية. واشارت الى ان معظم العراقيين ولدوا بعد سقوط صدام حسين وان ذكراهم عن البعثية تأتي من عائلاتهم أو من مواقع التواصل الاجتماعي. واضافت ان الشباب العراقي أعتقد أن الديمقراطية ستنتج حقوقا اجتماعية واقتصادية، لكن ذلك فشل".
وختم التقرير بالقول إنه هذا لا يمثل الإرث المجيد الذي تصوره أولئك الذين بدأوا الغزو في العام 2003.
ترجمة: وكالة شفق نيوز