"النفط مقابل الإعمار".. التطور الجيوسياسي يعلق اتفاق العراق الطموح
شفق
نيوز/ سلط تقرير أمريكي، الضوء على ما وصفه بـ"التطور الجيوسياسي الكبير"
في المنطقة، حيث تعثر اتفاق "النفط مقابل الإعمار" المبرم بين العراق والصين
والذي تبلغ قيمته 10 مليارات دولار، وهو ما يشكل نقطة تحول في ديناميكيات القوة في
الشرق الأوسط.
وذكر
تقرير لموقع "ديبلومات" الأمريكي المتخصص بقضايا منطقة آسيا-المحيط
الهادئ، وترجمته وكالة شفق نيوز، أن هذا المشروع الطموح الذي اطلق في البداية في
سياق "مبادرة الحزام والطريق" في بكين في العام 2019، كان جعل من العراق
كشريك رئيسي في استراتيجية البنية التحتية العالمية للصين، حيث انه بموجب الاتفاق،
سيقوم العراق بغداد بتزويد الصين بـ 100 الف برميل من النفط يوميا مقابل تطوير بنى
تحتية لشبكات نقل ومدارس ومستشفيات ومنشآت الطاقة.
واعتبر
التقرير أن تعليق الاتفاقية جاء في ظل مخاوف متزايدة داخل القيادة العراقية بشان التداعيات
الطويلة المدى الناتجة عن هذا الاعتماد القوي على الاستثمار الاجنبي، خصوصا في
سياق التدقيق المتزايد على الاستراتيجيات الاقتصادية العالمية التي تنتهجها الصين.
ولفت
إلى أن هذا التأخير في الاتفاقية هو بمثابة "لحظة محورية بالنسبة للعراق وهو
يعيد تقييم دوره في المشهد الجيوسياسي المتبدل في الشرق الاوسط، كما انه يسلط
الضوء على التوازن المعقد بين الضرورات الاقتصادية وبين الاستقلال الاستراتيجي في
عالم متعدد الاقطاب بشكل متزايد".
ورأى
التقرير الأمريكي، أن هذا التعليق للاتفاق، يمثل "تحولا كبيرا في نهج العراق
تجاه الشراكات الدولية، مما يعكس المخاوف الاقليمية الاوسع نطاقا بشان التداعيات
الطويلة الاجل للدبلوماسية التي تركز على البنية التحتية. فهو يسلط الضوء على
التوازن الدقيق الذي يتعين على دول الشرق الاوسط ان تحافظ عليه بين الاستفادة من
الاستثمار الاجنبي من اجل التنمية المحلية والحفاظ على استقلالها الاستراتيجي.
ونبه التقرير،
إلى أن "هذه الخطوة المتعلقة بشراكة العراق مع الصين تشير الى التعقيد
المتزايد في كيفية تعامل الاطراف الاقليمية فيما يتعلق بالاتفاقيات الدولية الرئيسية،
وخصوصا المرتبطة منها بالبنى التحتية الحيوية وموارد الطاقة، مضيفاً أن الخطوة تسلط
الضوء ايضا على الطبيعة المتطورة لدبلوماسية الشرق الاوسط، حيث تجري إعادة تقييم التحالفات
التقليدية والاخذ بالاعتبار ديناميكيات القوة العالمية المتغيرة.
والى
جانب ذلك، رأى التقرير في هذه الخطوة ما يظهر التعقيد المتزايد للعلاقات الدولية
في منطقة حيث يتقاطع نفوذ الغرب تاريخيا مع الصين، القوة الاقتصادية الشرقية
الناشئة، وكيف ان دول الشرق الاوسط تعمل على تطوير اساليب اكثر دقة من اجل ادارة علاقاتها
مع القوى العالمية، والتحول من الخيارات الثنائية المحدودة الى استراتيجيات
دبلوماسية اكثر تطورا.
وذكرر
التقرير بان هذه الشراكة تعود الى العام 2019، عندما قامت بغداد وبكين باضفاء
الطابع الرسمي على اتفاقية في اطار مبادرة "الحزام والطريق" الصينية
التي كان من شانها تامين 10 مليارات دولار من التمويل الصيني لجهود اعادة الاعمار،
وفق شروط واضحة على المدى الطويل حيث يزود العراق الصين ب 100 الف برميل من النفط
يوميا لمدة 20 عاما مقابل تطوير بنى تحتية، بما في ذلك شبكات نقل، ومؤسسات تعليمية
ومراكز رعاية صحية، وبنى تحتية للطاقة.
وبالنسبة
لبكين، فإن هذه الصفقة تمثل تقدما استراتيجيا اخر في مبادرة "الحزام والطريق"،
التي ادخلت اكثر من 123 مليار دولار في الشرق الاوسط التي تعتب متحالفة تاريخيا مع
الغرب، ما يعكس ثقة الصين المتزايدة في اظهار قوتها الاقتصادية خارج مناطق نفوذها
التقليدية. واضاف التقرير انه ذلك يمثل تحديا مباشرا للنظام الاقليمي القائم، خصوصا
في القطاعات التي تهيمن عليها تقليديا المصالح الغربية، وفق التقرير الأمريكي.
واوضح
التقرير، أن الولايات المتحدة تشعر بالقلق ازاء نفوذ الصين المتزايد العراق وفي
ممرات الطاقة الحيوية، مذكرا بان واشنطن استثمرت اكثر من 90 مليار دولار في إعادة
إعمار العراق منذ العام 2003، وهي تتمتع بنفوذ كبير على القرارات الاستراتيجية
لبغداد. وتابع التقرير ان هذا النفوذ الامريكي يبرز من خلال اعتماد العراق على
الدعم المالي الخارجي والقروض الدولية، معظمها من المؤسسات المتحالفة مع الولايات
المتحدة.
قيود داخلية
ولفت
التقرير الأمريكي، إلى أن الاقتصاد السياسي المحلي في العراق يضيف طبقة اخرى من
التعقيد الى هذه المعادلة الجيوسياسية، موضحا ان القيادة العراقية تواجه ضغوطا قوية
من اجل تأمين تطوير البنى التحتية.
وأضاف أن
شبح التبعية للخارج، يظهر بقوة في الخطاب السياسي العراقي، خصوصا في ظل تجارب
البلاد تاريخيا مع القوى الخارجية. وتابع قائلا ان "هذه الديناميكية الداخلية
تخلق قيودا كبيرة على قدرة العراق على متابعة الاعتبارات الاقتصادية البحتة في
شراكاته الخارجية".
وأشار
التقرير الى وجود اساسيات اقتصادية كامنة وراء هذا التوقف الاستراتيجي في صفقة النفط
مقابل البنية التحتية، موضحا ان الالتزام وفق الصفقة لمدة 20 عاما بامدادات النفط المستمرة
للصين، من شانه ان يحد من قدرة العراق على التكيف مع ظروف السوق المتغيرة، خصوصا
بالنظر الى التقلبات الكبيرة في اسعار النفط التي شهدتها السنوات الاخيرة، والتي
تراوحت بين 20 دولارا و100 دولار للبرميل.
ورأى
التقرير ان تردد العراق يظهر ان هناك وعيا اقليميا متزايدا ازاء الحاجة الى الحفاظ
على الاستقلال الاستراتيجي مع الاستفادة من الاستثمارات الصينية، مبيناً أن هذا التوازن
الدقيق يظهر بشكل متزايد في كافة انحاء المنطقة، من القاهرة الى الرياض، حيث تسعى
الدول الى الاستفادة من المشاركة الاقتصادية الصينية دون المساس بمرونتها
الاستراتيجية.
وأكد
التقرير أن ازمة الطاقة العالمية التي سرعتها عملية غزو روسيا لاوكرانيا، اضافت بعدا
اخر لهذه الحسابات الجيوسياسية المعقدة، مرجحا ان يتشجع العراق من اجل اعادة تقييم
خياراته الاستراتيجية في سوق الطاقة العالمية، في ظل الطبيعة المتشابكة لسياسات
الطاقة العالمية والقرارات الاستراتيجية الاقليمية .
وخلص
التقرير الأمريكي، إلى القول إن هذا التوقف في الاتفاق الصيني العراقي، هو اكثر من
مجرد توقف مؤقت في العلاقات الثنائية، موضحا انه يشير الى اعادة ضبط للاستراتيجية الاوسع
في الجغرافيا السياسية في الشرق الاوسطن مضيفا ان القرار العراقي يظهر الحسابات
المعقدة المطلوبة في عالم متعدد الاقطاب، ما يتطلب تحقيق التوازن الدقيق بين
التنمية الاقتصادية، والسيادة الوطنية، والمصلحة الاستراتيجية.
وختم
التقرير، بالإشارة إلى أنه في ظل استمرار بكين في توسعها الاقتصادي من خلال "الحزام
والطريق"، فان تعاطي دول الشرق الاوسط مع ذلك سيشكل بدرجة كبيرة مستقبل
ديناميكيات القوة الاقليمية، ولهذا فان هذا التوقف الاستراتيجي في الاتفاقية
الصينية –العراقية، يعتبر بمثابة دراسة حالة مهمة في الجغرافيا السياسية، وكيفية
انتقال الدول في تقاطعات التنمية الاقتصادية والاستقلال الاستراتيجي، والتافس بين
القوى العظمى، خصوصا في مناطق العالم الاخرى حيث تتقاطع المصالح الصينية والغربية وشتهد
تنافسا على النفوذ.