"الموت الثاني" يفاقم معاناة الانباريين
شفق نيوز/ تعاني محافظة الأنبار من نكبة صامتة، ومتفاقمة، حيث يتساقط عشرات الضحايا شهريا في حوادث سير، بسبب عدة عوامل من بينها السرعة وإهمال الطرقات المزمن والذي تدهور بشكل أكبر بسبب النشاطات الارهابية خلال السنوات الماضية، وهي ظاهرة موت تحصد الاف الضحايا سنويا في عموم العراق ولا تبذل جهود تذكر لمعالجتها.
وعلمت وكالة شفق نيوز ان 17 شخصا قتلوا واصيب 50 اخرون بحوادث سير مختلفة في محافظة الانبار خلال شهر أكتوبر الماضي، مقارنة ب15 ضحية في شهر سبتمبر، في مؤشر زيادة مثير للقلق للشهر الثاني على التوالي.
وتتركز الحوادث على الطرق الخارجية الممتدة من شمالي الفلوجة حيث الطريق الدولي السريع مرورا بالصقلاوية والرمادي والكيلو 16 وهيت وانتهاء بشبكة الطرق المتفرعة منه الى الرطبة المحاذية للأردن وبلدة القائم المحاذية للحدود السورية.
ويعزو مراقبون ومختصون في الانبار بأحاديث متفرقة مع وكالة شفق نيوز، هذه الحوادث إلى جملة من العوامل أبرزها تقادم البنى التحتية لتلك الطرق، وكثرة المطبات والحفر التي خلفتها العمليات الإرهابية والعسكرية، وكذلك انعدام العلامات المرورية والتحذيرية منها على وجه الخصوص، فضلا عن الطرق التي تعرف بالفردية وهي التي تملك مسارين، ذهابا وإيابا، بدون فاصل أو جزرة عازلة بين المسارين، وهي التي تسجل أكثر الحوادث وتحديدا طريق البغدادي ـ حديثة القائم الذي شهد قبل أيام وفاة أربعة من أفراد الامن نتيجة حادث سير مع شاحنة كبيرة، كانوا في طريقهم للالتحاق بوحداتهم العسكرية القريبة من الأراضي السورية.
وبحسب مصادر طبية في مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار، فإن شهر أكتوبر سجل 17 حالة وفاة ونحو 50 إصابة بفعل حوادث مرورية في مدن المحافظة سجل أغلبها على الطرق الخارجية.
وقال طبيب في مستشفى الرمادي العام لوكالة شفق نيوز، ان الاستجابة من قبل فرق الإسعاف وشرطة النجدة كانت جيدة الى حد ما، لكن بفعل الإصابات البالغة نتيجة الحوادث يتوفى عدد منهم، لافتا الى أن دائرة صحة الانبار وضعت خطة للوصول الى مكان الحادث بأسرع وقت ممكن رغم المسافات الشاسعة بين مدينة وأخرى كما أن قوات الأمن تؤدي دورا مهما وانسانيا في مساعدة المنكوبين بتلك الحوادث.
توفي ثلاثة أشخاص وأصيب اثنان آخران بحادث سير الخميس الماضي على طريق عام جنوبي مدينة حديثة، في موقع تكرر وقوع حوادث السير عنده، ما دفع بمواطنين الى المبادرة بشكل شخصي الى وضع علامات مرورية تحث السائقين على تخفيف السرعة الى دون الخمسين كلم لوجود منعطف حاد وبمسار واحد ذهابا وإيابا وهو طريق أوجد بعد تفجير داعش لجسر حيوي في المنطقة العام 2015.
ويؤكد مسؤولون محليون في محافظة الانبار أن جملة من الأسباب تجتمع وراء الحوادث المأساوية على الطرق، بالإضافة إلى الحاجة لتخصيصات مالية من أجل إنشاء شبكة طرق وإصلاح الطرق التالفة الحالية وهو ما لا يمكن توفيره حاليا مع الازمة المالية التي تعصف بالبلاد.
ووفقا للمهندس أحمد الذيابي من دائرة الطرق والجسور في الأنبار، فإن المحافظة حققت تقدما جيدا على مستوى مشاريع تأهيل البنى التحتية لكن الدمار والخراب الذي خلفه داعش كبير للغاية. وقال في تصريح لوكالة شفق نيوز ان المحافظة تحتاج الى مشاريع شق طرق جديدة وتطوير أخرى وتوسيعها خاصة أن طرق الانبار تربط بغداد بثلاث دول عربية"، هي السعودية والأردن وسوريا.
وفي المقابل، يتحدث العميد في شرطة مرور الانبار محمد الدليمي لوكالة شفق نيوز، عن أسباب أخرى للحوادث وأبرزها سرعة السائقين وعدم الإنتباه لأعمال الصيانة الجارية على عدد من الطرق الخارجية بالإضافة إلى عدم وجود لوحات تحذيرية تنبه السائق بوجود أعمال صيانة.
وقال الدليمي إن الحوادث المرورية تتكرر خصوصا على الطريق الرابط بين ناحية الصقلاوية وصولا إلى الرمادي، مركز المحافظة، كان آخرها حادث راح ضحيته 5 مواطنين بالقرب من الجسر الياباني وفي نفس المكان الذي كان قد شهد حادث سير توفي فيه ثلاثة مواطنين.
ويشير سائقو السيارات العاملين بين كراجات النقل الموجودة في مدن الانبار الى أن عدد ضحايا حوادث الطرق يكاد ينافس عدد ضحايا الاعتداءات الإرهابية في المحافظة.
ويقول عبد الله طه ( 46 عاما) الذي يعمل على سيارة لنقل الركاب منذ سنوات على خط الفلوجة – حديثة، لوكالة شفق نيوز، ان السائقين باتوا يحفظون مكان المطبات والحفر بالطريق الانحناءات والقطوعات ومتى يجب أن يخففوا السرعة ومتى يجب أن يركنوا جانبا لحين مرور الأرتال العسكرية وسيارات النقل الثقيلة كصهاريج النفط الخام المتجهة الى الأردن والتي لا تلتزم عادة بنظام الطريق وتعتبر الشارع ملكا لها"، وفقا لتعبيره.
وفي المقابل، فان المسافرين من الاهالي، صاروا يبحثون عن السائق الهادئ ليقلهم الى وجهتهم بأمان. ويقول مواطن من أهالي ناحية البغدادي يدعى أبو حسن لوكالة شفق نيوز، "بتنا نسمع بين يوم وآخر عن حادث مروع وأغلب الحوادث يلقى باللوم فيها على السائقين لذا يجب أن نختار من نستودعه انفسنا طول مسافة الطريق".
واعتبر أبو حسن ان الانبار بحاجة ماسة إلى صيانة للطرق وزيادة أعداد الدوريات المرورية وتفعيل دور الإعلام المروري لتوعية السائقين.
ولا يبدو ان هذه النكبة الصامتة في الانبار، تقتصر عليها وحدها. فعلى سبيل المثال، اظهرت احصاءات رسمية ان عدد حوادث السيارات للنصف الأول من العام 2019 بلغ 2518 حادثاً، ونتج عنها وفاة 2613 وجرح 21953 مواطنا.
كما ان الكارثة الصامتة هذه لا تحظى بالمتابعة اللازمة من أجهزة الدولة برغم تراكم الخسائر البشرية. في العام 2011، أعلنت منظمة الصحة العالمية ان العراق اطلق عقد العمل من اجل السلامة على الطرق 2011-2012، وتعهد بالحد من مستويات الإماتة الناجمة عن حوادث المرور على الطرق 2020. وها نحن في العام المستهدف ولم يتحقق تقدم يذكر.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن حوادث السير في العراق تعتبر من الأسباب الرئيسية للوفيات في العراق حيث أزهقت نحو 75 الف حياة في الفترة من عام 1979 إلى العام 2005.
اما وزارة الصحة والبيئة العراقية، فقد ذكرت في مطلع يناير 2018، إنّ عدد ضحايا الحوادث المرورية في البلاد بلغ نحو 100 ألف قتيل وجريح خلال السنوات العشر الماضية، مشيرة الى ان حوادث السير المختلفة هي الخطر الثاني الذي يهدد العراقيين بعد العمليات الإرهابية.