المشاريع السكنية في إقليم كوردستان باهظة داخلياً مناسبة خارجياً
شفق نيوز/ تتصاعد وتيرة تنفيذ مشاريع الإسكان في إقليم كوردستان بمختلف مستوياتها الاقتصادية بدءاً من المنخفضة الكلفة وصولاً إلى الباهظة الثمن، لتتصدر أهم الاستثمارات خلال العقدين الماضيين، متفوقة على الاستثمار في القطاع الصناعي.
إلا أن قلة الطلب على شراء الوحدات السكنية يؤدي إلى فائض في العرض، بسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية، إلى جانب ارتفاع أسعار أغلب العقارات بشكل كبير، ما أدى إلى عدم الإسهام في حلّ أزمة السكن.
وتقول الناشطة سوزان سورميري، من السليمانية، في حديثها لوكالة شفق نيوز، إن "أسعار الوحدات السكنية داخل مدن الإقليم مرتفعة جداً إذا ما قارنها بالعقارات خارج كوردستان أو في دول الجوار فهي أقل بكثير".
وتضيف "سوق العقارات في السليمانية يختلف عن المدن الأخرى إذ أنه يعتمد على الوضع الاقتصادي العام الذي تأثر بشكل كبير بتأخر صرف رواتب الموظفين، فعلى سبيل المثال في السنوات السابقة التي شهدت توقفاً في صرف الرواتب انخفضت أسعار العقارات بشكل كبير إلى ما دون أسعارها الحقيقية".
وتشير إلى أنه "بشكل عام، إذا قمنا بتقدير كلفة المشاريع السكنية فإن سعر المتر المربع يتراوح بين 300 دولار إلى 600 دولار بأعلى تقدير، في حين يتم بيعها من قبل المستثمر بأسعار تتراوح بين 500 دولار إلى أكثر من 1000 دولار، أما بالنسبة للمنازل التي تسمى الفلل، فيصل سعرها إلى أكثر من 2000 دولار للمتر المربع، مما يعني أرباحاً مضاعفة".
وتبين سورميري أن "سوق العقارات في السليمانية اختلف تماماً عن المدن الأخرى، وخاصة العاصمة أربيل، لأن نحو 90% من مشتري الوحدات السكنية في مركز محافظة السليمانية هم من السكان المحليين ويشترون لأنفسهم أو لأقربائهم، وعلى الرغم من تزايد الشركات العقارية في السليمانية في السنوات الأخيرة، وهناك أيضاً سكان القرى الذين يشترون وحدات سكنية داخل المدينة وهذا مؤشر سلبي حيث أنه يؤدي إلى الهجرة نحو المدن وإخلاء المناطق الريفية بسبب قلة فرص العمل".
فيما كشفت مديرية الاستثمار في السليمانية في وقت سابق عن منح أكثر من 85 إجازة استثمارية لإنشاء مجمعات سكنية تسهم في حل أزمة السكن في المحافظة.
ويبين مدير عام هيئة الاستثمار في السليمانية عزيز سعيد، لوكالة شفق نيوز، إن الهيئة عملت خلال السنوات الماضية على تنفيذ نحو 90 ألف وحدة سكنية عن طريق الاستثمار، وما تم إنجازه نحو 60 ألف وحدة سكنية لغاية الآن.
ويشير إلى أنه "تم منح 86 رخصة استثمارية لإنشاء مجمعات سكنية في حدود السليمانية، وما تم إنجازه لغاية الآن هو 50 مجمعاً سكنياً، والآن هنالك 36 مجمعاً سكنياً استثمارياً قيد الإنجاز".
وعن حجم الاستثمارات المالية في هذه المشاريع، أكد سعيد أن "نحو 22 مليار دينار هو حجم الاستثمارات فيها، وجميع الرخص منحت لمستثمرين محليين بنسبة 100%".
من جانبه، يوضح الخبير الاقتصادي بلال سعيد، في تصريح لوكالة شفق نيوز، أن "سعر المتر المربع الواحد للوحدات السكنية في أربيل وتقريباً في عموم كوردستان يتراوح ما بين 550 دولاراً إلى 1200 دولار، وهذا يعني أن أي مواطن بسيط يريد شراء وحدة سكنية يجب أن يدخر كامل راتبه لفترة لا تقلّ عن عشر سنوات وهذا شيء غير طبيعي، أو ادخار نصف راتبه لفترة لا تقلّ عن عشرين عاماً ليتمكن من شراء وحدة سكنية في أحد المشاريع الاستثمارية، وهذا يعني أن أي مواطن يعتمد على الراتب الشهري لا يستطيع شراء وحدة سكنية بصورة يسيرة".
وعن تأثير المشاريع الاستثمارية السكنية على واقع الخدمات في مراكز المدن، يلفت سعيد إلى أن "هذه المشاريع كان لها تأثير مباشر على الخدمات المقدمة في مراكز المدن، فمثلاً في حال تم تنفيذ مجمع سكني فهو يحتاج على الأقل إلى بئرين ارتوازيين مما يعني التأثير على الخزين المائي للمنطقة، وقد قمنا بدراسة ميدانية حول المياه المتوفر في أحياء أربيل ووجدنا أن كميات المياه قلت بنسبة كبيرة عما كانت عليه في السابق".
ويؤكد "بحسب البيانات التي جمعناها من مصادر متنوعة فإن عدد المشاريع السكنية (الشقق، والبيوت، والفلل) التي قد تم إنشاؤها خلال العقدين الماضيين، ويتم التعامل بها الآن في السوق العقاري هو 131 مشروعاً سكنياً تتضمن 128 ألفاً و542 شقة وبيوت وفلل بمساحات مختلفة".
ويتابع "ما تظهره البيانات هو انتهاء أكثر من 50 ألف وحدة سكنية في أربيل خلال هذه السنة والسنتين المقبلتين، وأيضاً عدد الوحدات التي من المفترض تسليمها لأصحابها خلال هذه السنة هو 27 ألف وحدة، وهذه السرعة في إنشاء الوحدات السكنية لا تقتصر فقط على أربيل بل أيضاً في السليمانية".
ووفقاً للبيانات اطلعت عليها وكالة شفق نيوز، سيتم بناء 5035 منزلاً و22 ألفاً و4 شقق خلال العام الحالي، مما يعني أن 27 ألفاً و39 وحدة سكنية جديدة ستدخل السوق العقاري في أربيل، على الرغم من أن بعضها تم انتهاء العمل بها في العام الماضي، كما سيتم خلال العامين المقبلين الانتهاء من 25 ألفاً 843 وحدة جديدة، منها 21 ألفاً 673 شقة، وهو ما سيغير قطاع الإسكان بأكمله من الأفقي إلى العمودي.
وأعلن المتحدث باسم هيئة الاستثمار في إقليم كوردستان بركَشت آكريي، في وقت سابق عن منح رخصة استثمارية لـ154 مشروعاً برأسمال يتجاوز أربعة مليارات دولار خلال العام 2023.
وقال إنه "تم منح الرخص لـ50 مشروعاً في أربيل، و43 مشروعاً في السليمانية، و29 مشروعاً في دهوك، و12 مشروعاً في كرميان، وثمانية في زاخو، وخمسة في رابرين، وأربعة في سوران، وثلاثة في حلبجة".
ولفت إلى أن "معظم الرخص الصادرة في العام 2023، كانت في القطاع السكني، يليه التجاري، وفي المرتبة الثالثة يأتي القطاع الصناعي، ومن ثم القطاعات الصحية والتعليمية والزراعية والفنية والرياضية".
وبحسب بيانات هيئة الاستثمار من 1 آب /أغسطس 2006 ولغاية 2 آيار/ مايو 2024، ساهم القطاع العقاري بنسبة 29.24% من مجموع رأسمال الاستثمارات في إقليم كوردستان، ومجموع المشاريع الاستثمارية التي حصلت على التصاريح في عموم الإقليم هي 216 مشروعاً، لكن عدد المشاريع في هذا القطاع أكثر بكثير من رقم هيئة الاستثمار، إلا أن غالبية المشاريع مؤخراً اخذت التصاريح من الوزارات أو المؤسسات الحكومية الأخرى في كوردستان وذلك بسبب أن الأراضي كانت ملكاً للمستثمرين أنفسهم.
وعن منح الإقامات الخاصة بالوافدين للإقليم، أكد المتحدث الرسمي باسم مؤسسة آسايش إقليم كوردستان العقيد سلام عبد الخالق، لوكالة شفق نيوز، أن "الموضوع متعلق بإجراءات أمنية خاصة متضمنة منح من جاء من خارج الإقليم حتى وإن كان كوردي القومية يمنح استمارة أمنية خاصة به وفي ضوئها يحصل على (كود) خاص به، ويتم تجديد الإقامة كل فترة زمنية لأنها ليست إقامة دائمية بل هي وقتية والحصول عليها سهل جداً ولا يوجد أي تعقيد يذكر".
فيما أكد مصدر قانوني في مديرية استثمار السليمانية، فضل عدم الكشف عن هويته، لوكالة شفق نيوز، أن "هيئة الاستثمار تمنح تسهيلات كثير للمستثمرين وفقاً لقانون رقم 4 لعام 2006 وهي تختلف وفقاً لطبيعة المشروع، فهناك إعفاءات ضريبية وجمركية لمدة عشر سنوات من البدء بالمشروع وهذه تكون بعد منحه الرخصة الاستثمارية بالإضافة إلى امتيازات تخصيص الأراضي والتي تمنح بالمجان للمستثمر مقابل تنفيذ خدمة عامة للمدينة كتعبيد شارع أو ما يمثله من مشاريع الخدمة العام بدون مقابل إضافة إلى واجبات ألزم القانون المستثمر بها مقابل تلك الامتيازات".
وعن تحديد أسعار الوحدات السكنية، أوضح المصدر أن "القسم الاقتصادي في الهيئة هو من يحدد الأسعار وفقاً لجدول دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع الذي يقدمه المستثمر بعد التحقق من نوعية الخدمات المقدمة داخل المشروع والمواد المستخدمة في البناء وبعدها يتم تحديد سعر المتر الواحد من الوحدة".
وعن إيصال الخدمات للمشاريع السكنية، بين المصدر أن "القانون يلزم الحكومة بتوفير الخدمات للمجمع لكن عملية نقل وإيصال الخدمات للوحدات السكنية تكون من واجب المستثمر نفسه وهو يتبنى كل التكاليف وكذلك يتعهد بعدم المطالبة بتكاليف تلك الخدمات".
فيما يشدد عضو لجنة الاستثمار السابق في مجلس محافظة السليمانية، كاسترو معروف، في حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "المشاريع التي تمنح للمستثمرين تصب في مصلحة المستثمر بالدرجة الأولى وليس المواطن المحتاج والفقير والمتوسط الدخل".
ويشير إلى أن "أغلب الخدمات التي يروج لها في الإعلام بصورة ضخمة لا وجود لها على أرض الواقع وذلك بسبب قلة متابعة المؤسسات الحكومية لتلك المشاريع، كما أن تلك المشاريع تمنح للمستثمرين القريبين من السلطة".
ويؤكد "المواطن الفقير لا يستطيع شراء وحدة سكنية يتراوح سعرها ما بين 60 ألف دولار إلى أكثر من 160 ألف دولار، في حين يتم منح الأرض للمستثمر دون مقابل ويستطيع المستثمر من خلال التسهيلات التي تقدمها له الحكومة منح الوحدات السكنية بأسعار أقل بكثير من تلك المتعامل بها الآن، كما أن سكنة هذه المشاريع يستمرون بدفع مبالغ كبيرة للمستثمر كخدمات".
ويوضح معروف "من الواضح أن بعض تلك المشاريع السكنية يتمتع ساكنيها بتوفر خدمة الكهرباء على مدار 24 ساعة ، وكذلك الماء في حين نجد المواطنين يتظاهرون من أجل توفير ساعات أكثر من الطاقة الكهربائية أو كميات أكبر من الماء تكفيهم في فصل الصيف".
ويطالب معروف بـ"تعديل قانون الاستثمار الحالي من قبل برلمان كوردستان ووضع خطط طويلة الأمد لأن ما يتم منحه للمستثمرين من الأراضي والتسهيلات الجمركية يؤثر على أبناء البلد وهذه المشاريع لم تعالج أزمة السكن بل أنها ساهمت في ارتفاع أسعار العقارات في السليمانية والإقليم عموماً".
وعلى الجانب الآخر، يجد مهتمون بالبيئة أن بعض المشاريع الاستثمارية أثرت بشكل كبير على البيئة، ويقول الناشط البيئي آكو شيخ محمد، لوكالة شفق نيوز، إن "بعض المشاريع تمثل إتجاراً بالبيئة وخصوصاً المشاريع التي ستقام في سفح جبل (كويزا) في السليمانية".
ويضيف "هناك مجموعة من الناشطين والمهتمين بالبيئة والحقوقيين يسعون لمنع بعض المستثمرين والمتنفذين من التلاعب بالطبيعة وسنلجأ لكل الطرق لمنعهم من هذا".
بدوره يؤكد أحد المستثمرين الذي فضل عدم الكشف عن هويته، لوكالة شفق نيوز، أن "القوانين الخاصة في إقليم كوردستان تساعد جداً في الاستثمار، وكذلك الأمن هو واحد من الأمور الأساسية التي يبحث عنها المستثمرون للعمل، وهذا متوفر في الإقليم أيضاً، والبيئة فيه مناسبة للاستثمار فضلاً عن أن الأزمات التي نمر بها مؤقتة".
وحول تأثير تذبذب سعر صرف الدولار على سوق الاستثمار العقاري، يشير إلى أن "صعود ونزول أسعار صرف الدولار أمام الدينار العراقي كان له تأثير مباشر على المشاريع حيث أن المواطن يحتار في شراء وحدة سكنية بالدينار أو الدولار بسبب هذا التذبذب، وهذا التأثير ما زال مستمراً لغاية الآن".