الكوردية.. إرث اللهجات المتعددة يصطدم بتحدي اللغة الموحدة

الكوردية.. إرث اللهجات المتعددة يصطدم بتحدي اللغة الموحدة مقر الأكاديمية الكوردية في أربيل
2025-03-16 18:01

شفق نيوز/ تمتلك اللغة الكوردية تاريخًا عريقًا وجذورًا تمتد عبر قرون من التراث والثقافة، وتُعدّ ركيزة أساسية لهوية الشعب الكوردي، لكنها تواجه تحدياً يتمثل في عدم وجود لهجة موحدة تُستخدم في جميع المجالات، على غرار الفصحى في اللغة العربية أو اللغة الرسمية في الإنكليزية.

وشهدت العقود الأخيرة انتشارًا ملحوظًا للغة الكوردية في مختلف ميادين الحياة، فقد أصبحت المؤسسات الصحفية والإعلامية الناطقة بالكوردية ومن ثم مواقع التواصل الاجتماعي أحد أهم وسائل تماس مع الجمهور، هذا الانتشار الواسع أسهم في تعزيز الوعي بالهوية الكوردية، لكنه في الوقت نفسه أبرز الفوارق والتباينات بين اللهجات المختلفة.

وتتميز اللغة الكوردية بتنوع لهجي واسع، إذ توجد عدة لهجات منتشرة بين مناطق الكورد، مثلاً اللهجة السورانية تُعتبر من اللهجات الأكثر استخدامًا في إقليم كوردستان العراق وصولاً إلى إيران، وتعتبر اللهجة المعتمد في بعض المناطق الرسمية وتتميز بأنها لهجة أبرز الشعراء والأدباء وتُستخدم في الإعلام والتعليم، بينما اللهجة الكرمانجية شائعة في مناطق دهوك وصولاً إلى تركيا وسوريا وبعض مناطق إيران، وتمتلك خصائص لغوية تميزها عن السورانية.

منذ سنوات، سعت كوردستان لتحقيق التنمية في هذا المجال من خلال افتتاح حكومة الإقليم للأكاديمية الكوردية، وهي جهة رسمية مخولة بتطوير اللغة واستحداث المصطلحات الجديدة.

وتقول الأكاديمية لوكالة شفق نيوز، إنها استطاعت أن تمارس نشاطات علمية متنوعة وتنفذ برامج استراتيجية تهدف إلى خدمة اللغة الكوردية من مختلف الجوانب، وفي خطوة نوعية، تم تشكيل لجنة متخصصة تضم أعضاءً تعنى باللهجات المختلفة، بما في ذلك الجنوبية الفيلية والكلهورية بالإضافة إلى الزازا والهورامية من أصل 29 عضواً أغلبهم يمثلون اللهجة السورانية.

لكن الدكتور محسن أحمد عمر، رئيس لجنة القاموس واللهجات في الأكاديمية، أشر خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، وجود تقصير من قبل بعض المؤسسات المجتمعية في تنفيذ تعليمات الأكاديمية، معتبراً أنه يجب على وسائل الإعلام والجهات الأخرى الرجوع إلى الأكاديمية قبل اعتماد مصطلحات جديدة في الأخبار والمنشورات.

وفي سياق الاهتمام بلهجة موحدة، أوضح أن "هناك لغة كوردية واحدة يتحدث بها جميع أفراد الشعب الكوردي، واختلاف اللهجات ليس كبيرًا جدًا، لذا نسعى في المرحلة الأولية لتوحيد قواعد الإملاء وإعداد قاموس يُستخدم من قبل جميع الكورد سواء عبر الإنترنت أو في الكتب."

وأشار الدكتور محسن إلى أن اللهجة السورانية أصبحت إلى حد كبير نموذجية، حيث اندمجت مع باقي اللهجات، ولكنه شدد على ضرورة عدم التمييز بين اللهجات في سياسات الأكاديمية لما له من أثر على الوحدة اللغوية. وفي هذا السياق، عبر عن أمله في أن تصبح اللهجة الكوردية الوسطية (السورانية) لهجة نموذجية في المستقبل تضم جميع اللهجات الأخرى.

ويتوزع الكورد بشكل رئيسي عبر أربع دول رئيسية: تركيا، وإيران، والعراق، وسوريا.

وفقًا لتقديرات مختلفة يُقدّر عدد الكورد عالميًا بنحو 30 إلى أكثر من 40 مليون نسمة، وقد تتفاوت هذه الأرقام تبعًا للمنهجية والسياسات الوطنية في كل دولة.

ونتيجة للتقلبات السياسية والصراعات في المنطقة، انتشرت جاليات كوردية كبيرة في أوروبا وأمريكا، مما أتاح لهم الحفاظ على هويتهم الثقافية واللغوية في المهجر.

ويشكل الأدب الكوردي مثلاً سجلًّا غنيًا من الإبداع والتجديد، حيث ترك الكتاب والأدباء والشعراء بصمة واضحة في تاريخ وهوية الشعب الكوردي.

وامتدت مسيرة الأدب الكوردي من العصور الكلاسيكية إلى عصر الحداثة، وبرز فيه عدد من الشخصيات التي أسهمت في إثراء الثقافة والهوية الكوردية على المستويين المحلي والعالمي، بداية من أحمد خاني صاحب الملحمة الشعرية "مەم وزین"، وصولاً إلى نالي ومولوي وگوران وملا بريشان وغلام رضا خان اركوازي، وشيركو بيكس والعديد الآخرين الأدباء والمطربين.

ويقول الدكتور مؤيد طيب، عضو في الأكاديمية، إن "هدف الأكاديمية هو خدمة اللغة الكوردية بجميع لهجاتها وليس فرض لهجة واحدة على حساب الأخرى".

ويضيف بأن وجود لهجة موحدة تسهل الكتابة والقراءة يعد أمراً إيجابياً، مع ضرورة مراعاة تنوع المعايير التي تُستخدم في وسائل الإعلام والكتابة والتعليم على مستوى إقليم كوردستان وباقي المناطق.

في العديد من الدول التي يتواجد فيها الكورد، تُواجه اللغة الأم سياسات تهميشية تضع قيودًا على استخدامها في المؤسسات الرسمية والإعلام، ما تسبب بإنصهار العديد منهم باللغات العربية والتركية والفارسية، هذا الأمر يقود بالمجمل إلى انقطاع الهوية اللغوية لدى الجيل الجديد، حيث يُفرض عليهم تعلم اللغة الرسمية دون تعزيز اللغة الأم.

ويؤكد كامران رحيمي، المختص في اللغة ومسؤول مؤسسة زانست في إيلام الفيلية، أهمية وجود مؤسسات معنية باللغة؛ فهو يرى أن هذا الوجود دليل على حضارة المجتمع وسعيه للتطور الثقافي.

"منذ تأسيس مجمع المعلومات الكوردي عام 1970 في بغداد، لم يتمكن المختصون من التقدم باتجاه لغة رسمية موحدة، ودائمًا ذهب العاملون على تطوير اللغة إلى الاهتمام بلهجات محددة بشكل منفصل وغير موحد”، يقول رحيمي.

وعن المتحدثين بغير اللهجتين الرئيسيتين الكرمانجية والسورانية، يشير إلى أن “مشكلتهم هي التوجه أكثر نحو الشعر والأدب في استخدام لهجاتهم على حساب اللغة والقواعد، والمشكلة الثانية هي أن المختصين الموجودين في المؤسسات المعنية بتطوير اللغة اهتموا أقل بهذه اللهجات، إما بسبب عدم معرفتهم بهذه اللهجات أو اعتبار لهجاتهم أكثر أصالة وصحة من هذه اللهجات”.

وتشهد اللغة الكوردية تحديًا أخر يتمثل في تباين أنظمة الكتابة المستخدمة فيها، إذ تتوزع بين الأبجدية اللاتينية والأبجدية العربية المُعدلة (المعتمدة على الخط الآرامي). هذا التنوع في أساليب الكتابة لا يقتصر على جانب تقني فحسب، بل يمتد إلى تأثيره على الهوية الثقافية والوحدة اللغوية بين الناطقين بالكوردية، حيث يجد الكثير منهم صعوبة في التواصل والقراءة والكتابة عبر الحدود الجغرافية والسياسية المختلفة.

من ناحية أخرى، يساهم هذا التباين في ظهور فجوة تعليمية وثقافية بين المناطق التي تعتمد نظام كتابة دون الآخر، مما يؤدي إلى صعوبات في نشر الأدب والتراث الكوردي بشكل موحد.

00:00
00:00
Shafaq Live
Radio radio icon