الكاظمي يقلب موازين القطيعة الخليجية- العربية: أن تأتي متأخراً خير من العزلة
شفق نيوز/ قادت حركة الانفتاح العربية لرئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي إلى مسارين متوازيين ولا يقلان أهمية عن بعضهما البعض، الأول محاولة بث الروح في مشروع الشام الجديد مع مصر والأردن، والثاني اعادة المياه الى مجاريها في العلاقة الخاملة التي كانت سائدة مع المحيط الخليجي.
ويستعيد العراق بذلك ارتباطه السياسي والاقتصادي بمحيطه العربي ليتوازن بذلك مع العلاقات التي تربطه بايران والتي تدخل احيانا كثيرة ميادين التجاذب الداخلي العراقي، والخارجي ايضا من خلال الضغوط الأميركية المعلنة والسرية، لتحجيمها قدر المستطاع.
ولهذا فان العراق، من خلال حركة الانفتاح النشطة، يسعى الى التموضع في منطقة أمان أوسع، يستعيد من خلال موقعه الحيوي والمهم في منطقة الشرق الاوسط، ويفتح الأبواب امام مصالحه السياسية والاقتصادية بشكل أرحب، وهو ما تجلى بوضوح من خلال زيارتي المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، واللتين أثمرتا اتفاقيات تعاون عديدة، بينها ما أعلن يوم الاحد عن استثمارات اماراتية في العراق قيمتها 3 مليار دولار، وقبلها في 31 آذار/مارس عن صندوق مشترك سعودي -عراقي برأس مال بقيمة ثلاثة مليارات دولار.
وضع عراقي خاص
لا يبدو أن حركة الانفتاح النشطة للكاظمي، تتضمن عناصر شروط او اشارات قطيعة مع الارتباطات العراقية الاخرى، وبالتحديد ايران، ذلك ان بغداد كما العواصم الاخرى المعنية بهذا الانفتاح، اي القاهرة وعمان والرياض وابوظبي، تدرك على الارجح- أو انها صارت تدرك حديثا- حساسيات المشهد العراقي الداخلي والاقليمي.
ويبدو أن هناك اعترافا ضمنيا بخطيئة الانقطاع العربي، والخليجي تحديدا، عن العراق في السنوات الماضية، وعدم الوقوف الى جانبه في مرحلة التحديات الدموية التي فرضت عليه خلال سنوات "خلافة داعش" الارهابية. وبالتالي فان حركة الانفتاح المتبادل، تندرج في سياق مبدأ "ان تأتي متأخرا خير من الا تأتي أبدا".
كما أن هناك اتجاهاً متزايداً في دوائر صنع القرار في واشنطن تحديداً وعواصم عربية، بأن الانكفاء عن العراق في السنوات الماضية، لم يترك له خيارات كثيرة سوى بزيادة الارتباط بايران، وربما يكون ما نشهده الان محاولات جديدة لاعادة قراءة العلاقات مع بغداد، من منظور مختلف، فيه تغليب للمصالح الاقتصادية والسياسية على النظرة الضيقة التي حكمت هذه العلاقة ماضيا.
ثقة خليجية
وفي هذا السياق، يقول رئيس مركز التفكير السياسي احسان الشمري لوكالة شفق نيوز، إن "الاستدارة العربية والخليجية نحو العراق والانفتاح عليه تأتي بعد الثقة الخليجية بخطوات حكومة مصطفى الكاظمي، التي نجحت في إيصال فلسفتها في التعامل والتعاون مع منظومة الدول الخليجية والعربية".
وبين الشمري أن "هذه الفلسفة تعتمد على الجوار والمحيط العربي والمساعد المكمل والرافع للأزمات، وهذا حفز الدول الخليجية بان تتعاطى بإيجابية كبيرة مع الزيارات التي يقوم بها الكاظمي".
وأوضح الشمري ان "توقيع العراق لاتفاقيات مع مصر والأردن وبلورة تحالف سياسي اقتصادي بين الأطراف الدولية الثلاثة، عزز القناعات لدى الدول الخليجية والعربية، بأن العراق ماض نحو العودة بثابت وبناء علاقات خارجية على أساس توازن العلاقات".
وفي اشارة الى العنصر الأميركي في مشهد التحولات هذا، يشير الشمري إلى أن "المنطقة الآن أمام مرحلة تحول كبير بعد قدوم ادارة جو بادين في الولايات المتحدة الاميركية، ولهذا هناك استراتيجية من أجل صياغة مواقف موحدة بين الدول العربية والخليجية".
وبطبيعة الحال، قال الشمري إن "الانفتاح العربي والخليجي على العراق يصب في صالح العراق على مختلف الاصعدة، فهذه دول ارتكاز ولها علاقات مع منظومات غربية وهي دول ذات وزن اقتصادي كبير جداً، والعراق بحاجة لمثل هكذا علاقات، كون هذا الأمر سيمكن العراق من الحصول على مساعدات على مختلف الأصعدة في مجال الاستثمار والطاقة وغيرها".
وفي اشارة الى التحديات الداخلية التي تواجه حكومة الكاظمي، لفت الشمري الى "اطراف داخلية تحاول كبح الانفتاح العربي الخليجي مع العراق، وتبقى مهمة الحكومة الحالية او الحكومات القادمة، منع التدخل في ملف هو من اختصاص الدولة وغير خاضع للمزاج الحزبي والسياسي او حتى للمزاج الاقليمي".
تصحيح خليجي
ومن جهته، قال العضو السابق في مجلس الشورى السعودي المحلل السياسي خليل عبدالله الخليل، لوكالة شفق نيوز، ان زيارة مصطفى الكاظمي الى السعودية والدول الخليجية "هي في غاية الاهمية فهي تعزز الشراكة الاستراتيجية وتفتح الافاق للعراق على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري".
وفي اشارة تؤكد على التقاط سعودي للحظة العراقية الآنية المناسبة، قال الخليل لشفق نيوز ان "الكاظمي يتميز بأنه صاحب تجربة وهو رجل دولة وهو رجل مقبول لدى السعودية وباقي الدول، والكاظمي يحاول بجدية اعادة بناء العراق من أجل ان تكون الحكومة العراقية مسيطرة على أراضيها وهي من توجه سياساتها ولا تكون موجهة من الخارج سواء من الولايات المتحدة او ايران أو من دول الخليج".
وفي إطار التصحيح الخليجي ان صح التعبير لسياسة الانكفاء عن العراق خلال السنوات الماضي، قال الخليل إن "العلاقات بين العراق ودول الخليج مبنية على أسس حسنة ومبنية على انفتاح حقيقي، خصوصاً كان هناك خطأ استراتيجي بابتعاد دول الخليج عن العراق منذ سنة 1990 وكان يفترض عدم الابتعاد عن العراق خاصة بعد الاحتلال الاميركي 2003".
وأضاف انه "من المهم دعم العراق، اليوم، ومساعدته لغرض انقاذه من الوضع الأمني والوضع الاقتصادي اللذان لا يسران، والسعودية ستكون الدولة الاساس في فتح آفاق بين العراق ودول الخليج وثم الى دول العالم".
وتابع العضو السابق في مجلس الشورى السعودي ان "العراق لا يمكن له ان يكون آمنا ومستقراً ومزدهرا من دون ان تكون هناك علاقات مع الجهات الامنية السعودية وشراكة في المعلومات وبعض القضايا التي يحتاجها العراق عسكريا واقتصاديا وتكنولوجيا".
وأكد المحلل السياسي السعودي ان "انفتاح العراق على الدول الخليجية لا يعني انه سيكون بعيداً عن باقي دول الجوار، فالعراق له سيادته وله سياسته وقراره والحرية في العلاقات مع كل الدول".
وكان الكاظمي والملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز أجريا محادثات عبر الاتصال المرئي بتاريخ 25 آذار 2021، قبل زيارة الكاظمي الى السعودية في 31 اذار، علما بان السعودية كان يفترض ان تكون المحطة الاولى في زيارات الكاظمي الخارجية بعد توليه رئاسة الحكومة في العام الماضي، لكنها اجلت وقتها في تموز/يوليو بسبب مرض الملك سلمان.
وفي زيارته في 31 اذار، التقى الكاظمي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وجرى التوقيع على اتفاقيات عديدة تتضمن تأسيس صندوق عراقي سعودي مشترك، يقدر رأس ماله بثلاثة مليارات دولار، والتعاون في مجالات الطاقة، وانجاز مشروع الربط الكهربائي لأهميته للبلدين، وتعزيز فرص الاستثمار للشركات السعودية ودعوتها الى توسيع نشاطاتها في العراق وفي مختلف المجالات، وفي جهود اعادة الاعمار وغيرها من التفاهمات ومذكرات التعاون.
اما في الامارات حيث التقى ولي عهد أبو ظبي، في دولة الإمارات، محمد بن زايد آل نهيان، ورئيس الوزراء الإماراتي، حاكم إمارة دبي، محمد بن راشد آل مكتوم، فقد اثمرت الزيارة تخصيص مبلغ ثلاثة مليارات دولار للاستثمار في العراق، وتطوير التعاون في المجالات الاقتصادية، وزيادة التبادل التجاري، وتشجيع حركة الاستثمار بين البلدين، ودعوة رجال الأعمال من البلدين لتبادل الزيارات، وتأسيس مجلس الأعمال العراقي – الإماراتي، بالاضافة الى التفاهم على التعاون الأمني والعسكري، وتبادل المعلومات لمكافحة الإرهاب.