العراق "حفرة الجحيم": هكذا انتقلت امريكا الى مرحلة "محاربة الوحوش" وبينها صدام
شفق نيوز/ وصف مركز "مؤسسة مستقبل الحرية" الأمريكي، العراق بأنه أصبح بمثابة "حفرة الجحيم التي صنعتها مؤسسة الامن القومي الاميركية"، مستعيدا من منظور تاريخي كيفية تحوّل شكل السلطة الامريكية منذ تأسيسها عندما كانت ترفض مقاتلة "الوحوش في الخارج"، وصولا الى مرحلة البحث عن اعداء من النازيين الى الشيوعيين الى صدام حسين وصولا الى الارهاب الاسلامي.
وبداية ذكّر المركز الأمريكي في تقرير له تحت عنوان "الدروس الحقيقية من حرب العراق" وترجمته وكالة شفق نيوز؛ بأن الولايات المتحدة تأسست كجمهورية ذات حكومة محدودة، حيث "كان أسلافنا يعتقدون ان التهديد الاكبر لحريتهم ورفاههم لا يكمن في تهديد خارجي ما، بل في حكومتهم نفسها".
وأوضح التقرير الأمريكي أن "أسلافنا كانوا يعارضون بشدة ما يطلقون عليه (الجيش الدائم)، والذي كانوا يقصدون به مؤسسة عسكرية كبيرة وقائمة بشكل دائم، ولهذا لم يكن لدى الولايات المتحدة سوى قوة عسكرية صغيرة كجزء من جمهوريتها ذات الحكومة المحدودة"، مضيفا ان "اسلافنا أدركوا أن المؤسسات العسكرية الكبيرة والقوية كانت تاريخيا هي الوسيلة التي تفرض بها الانظمة الاستبدادية ارادتها على مواطنيها".
وتابع التقرير قائلا إن "السياسة الخارجية المؤسسة لاميركا تتمثل بسياسة عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وهو ما تم التعبير عنه في الخطاب الذي ألقاه الرئيس الاسبق جون كوينسي آدامز أمام الكونغرس في الرابع من تموز/يوليو العام 1821، والذي كان بعنوان "البحث عن الوحوش لتدميرها" حيث قال في ذلك الخطاب أن الكثير من الأمور السيئة تحصل في كافة أنحاء العالم، مثل الطغيان، والقمع، والحرب، والصراع، والمجاعة، والثورات وغيرها، وبرغم ذلك، فإنه وفقا لسياسة عدم التدخل، فإن الولايات المتحدة لن تتدخل لقتل أي من هؤلاء الوحوش".
كما ذكر التقرير بأن الولايات المتحدة كانت بلدا مفتوحا أمام المهاجرين من أنحاء العالم، وأن نظامها الاقتصادي التأسيسي كان يدعو إلى عدم فرض ضرائب على الدخل، والضمان الاجتماعي، والرعاية الطبية، والإعانات الزراعية ومنح التعليم، ودور الاحتياطي الفيدرالي، والرعاية الاجتماعية، المساعدات الخارجية، بالإضافة الى وجود البنتاغون، ووكالة المخابرات المركزية، وكالة الامن القومي ومكتب التحقيقات الفيدرالي، وهو نظام استمر لأكثر من 150 سنة، مضيفا أنه رغم أن الوضع لم يكن مثاليا دائما الا ان هذا النظام نجح في خلق الامة الأكثر حرية وازدهارا والأكثر إحسانا في التاريخ".
الا ان التقرير لفت إلى أنه منذ أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، بدأت أعداد متزايدة من الاميركيين في الدعوة الى وجهة جديدة ، تعتمد على وجود حكومة أكثر قوة، على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وتابع التقرير؛ أن التغيير الأكبر تحقق بعد الحرب العالمية الثانية عندما تم تحويل الحكومة الفيدرالية من جمهورية ذات حكومة محدودة، الى دولة الأمن القومي، التي شببها التقرير بالأنظمة بالشمولية حيث يمارس المسؤولون الحكوميون سلطات مطلقة، مثل صلاحيات الاغتيالات والتعذيب والاعتقالات المفتوحة زمنيا.
وبحسب التقرير، فان هذا التغيير الضخم جرى حتى من دون تمرير تعديل دستوري، وذلك من خلال استخدام مبرر وجود مؤامرة شيوعية مفترضة انبثقت من موسكو هدفها غزو العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، وانه من اجل ان تتمكن الولايات المتحدة من الانتصار في هذه الحرب الباردة، فإنه يتحتم عليها أن تتخلى "مؤقتا" عن نظامها الحكومي التأسيسي المتمثل في جمهورية ذات حكومة محدودة لصالح نظام شبيه بالشمولية وهو يجمع البنتاغون، والمجمع الصناعي العسكري الضخم، ووكالة المخابرات المركزية ووكالة الأمن القومي.
وذكر التقرير؛ أن المفارقة كانت تتمثل في أن الاتحاد السوفييتي كان شريكاً وحليفاً للولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية، ولكن بعد الحرب، قال المسؤولون الأمريكيون للشعب الأمريكي ان لديهم الآن عدواً رسمياً جديداً، وهو العدو الذي يمكن القول أنه يمثل تهديدا أكبر من ألمانيا النازية، وهو الاتحاد السوفيتي و"الشيوعية الملحدة".
وتابع التقرير أنه من أجل ضمان موافقة الشعب الأمريكي على فرض التغيير في شكل الحكومة، فقد تم نصح الرئيس هاري ترومان باثارة خوف الامريكيين من التهديد الذي تمثله الشيوعية والاتحاد السوفييتي، بالإضافة الى الصين الحمراء والانظمة الشيوعية الاخرى، مضيفا أنه طوال 45 عاما تقريبا، ان الخوف من الشيوعيين الذي تم غرسه في الشعب الأمريكي، لم يضمن فقط استمرار وجود مؤسسة الأمن القومي فحسب، بل ايضا الأموال المتزايدة من السخاء الممول من الضرائب لصالح البنتاغون ووكالة "سي آي ايه"، ووكالة الامن القومي، ووكالة الامن القومي والعدد المتزايد من المقاولين العاملين لصالح البنتاغون.
واضاف التقرير انه في العام 1989، انتهت الحرب الباردة فجاة وبشكل غير متوقع، بعد القرار الذي اتخذته روسيا بتفكيك الاتحاد السوفيتي، مشيرا إلى أن مؤسسة الأمن القومي الاميركية خسرت عدوها الرسمي، العدو الذي افترضت انه سيستمر الى الابد.
وبينما كان المفترض أن يشكل هذا الوضع نهاية طبيعية لدولة الأمن القومي، وان يستعيد الامريكيون حقهم بنظامهم نظامهم التأسيسي المتمثل في جمهورية ذات حكومة محدودة، إلا أن التقرير أعرب عن الأسف لان ذلك لم يتحقق، لأنه بعدما يجري تحويل نظام الى دولة أمن قومي، يصبح من الصعب إقناع مؤسسة الاستخبارات والعسكر القوية، أن تختفي، موضحا أنه لم يكن هناك أي احتمال بأن البنتاغون، ووكالة "سي آي ايه"، ووكالة الامن القومي كانوا على وشك القيام بذلك بشكل طوعي، وانما صاروا بحاجة الى "عدو رسمي جديد" ليحل مكان الاتحاد السوفيتي والشيوعية.
ولهذا، قال التقرير ان تم ادخال الدكتاتور العراقي صدام حسين الذي أصبح العدو الرسمي الجديد لأمريكا، حيث وصفه المسؤولون الأمريكيون بأنه "هتلر الجديد"، وانه مثله مثل ألمانيا النازية ومن ثم السوفيت الحمر، كان قادما للنيل من الأمريكيين، وتواصلت معزوفة "صدام، صدام، صدام" امام الامريكيين طوال التسعينيات.
لكن التقرير اشار الى ان المفارقة هنا ايضا تتمثل في أن صدام حسين، مثله مثل الاتحاد السوفيتي، كان في السابق شريكاً وحليفاً للولايات المتحدة، حيث كان المسؤولون الأمريكيون خلال الثمانينيات يدعمونه في حربه ضد إيران ويزودونه بأسلحة الدمار الشامل التي سيجري استخدامها لاحقا كذريعة لغزو العراق.
وبعدما لفت التقرير الى ان المسؤولين الامريكيين كانوا يريدون الانتقام من الايرانيين ولم يغفروا لهم لانهم اسقطوا "الشاه الوحشي غير المنتخب" العام 1979 بعد الانقلاب الذي نسقته الـ"سي آي ايه" للإطاحة برئيس الوزراء المنتخب محمد مصدق في العام 1953، قال ان الامريكيين كانوا حريصين على مساعدة صدام لكي يقتل الايرانيين، وبرغم ذلك فإنه بمجرد أن أصبحت دولة الامن القومي الامريكية، بحاجة الى وجود عدو جديد انقلبت على صدام، تماما كما انقلبت على الاتحاد السوفييتي من قبل.
وتابع التقرير أنه عندما غضب صدام إزاء عمليات تنقيب تقوم بها الكويت متهما اياها بسرقة النفط العراقي، فان المسؤولين الامريكيين اظهروا لامبالاة، وعندما غزا صدام الكويت، تغير كل شي، واصبح العالم فجأة في مواجهة "هتلر الجديد"، الذي من المفترض، إذا لم يتم إيقافه، فإنه سيقوم بغزو العالم.
وبرغم محدودية قوة الجيش العراقي المصنف بالدرجة الثالثة، قال التقرير ان ما كان يهم مؤسسة الامن القومي الاميركية انه اصبح لديها عدو رسمي جديد، على الاقل مؤقتا، وخاصة منذ سمح الرئيس جورج بوش الأب لـ"هتلر الجديد" بالبقاء في السلطة بدلا من الاطاحة به بالقوة.
العقوبات على العراق
وذكر التقرير؛ أنه لم يكن من المستغرب أن الولايات المتحدة انتصرت في الحرب بسهولة. وبعدما أشار الى تدمير البنية التحتية العراقية عن قصد، واستهداف العراقيين بالعقوبات كوسيلة لدفع صدام الى التنحي عن الحكم واستبداله بديكتاتور آخر موالي للولايات المتحدة، قال التقرير بأن معاناة العراقيين خلال التسعينات، جعلت هناك غضب يغلي في الشرق الاوسط، وكان المعلقون يحذرون الولايات المتحدة من انها اذا استمرت في عمليات القتل بالعقوبات هذه، فسوف تكون هناك حتما هجمات ارهابية انتقامية على الاراضي الامريكية.
وفي هذا السياق لفت التقرير الى حوادث عدة من بينها إطلاق النار على مسؤولي "سي آي ايه" في ماكلين (فيرجينيا) والهجوم على مركز التجارة العالمي العام 1993 (نيويورك)، والهجوم على المدمرة الامريكية "يو اس اس كول" (اليمن)، بالاضافة الى هجمات اخرى استهدفت الولايات المتحدة مثل تفجير السفارات في شرق افريقيا، حيث كان الإرهابيون يستشهدون بالة القتل التي تستخدمها الحكومة الأمريكية في الشرق الاوسط كدافع لهم.
الحرب على الإرهاب
وقال التقرير ان الحكومة الامريكية تجاهلت كل هذه التحذيرات، وعندما وقعت الهجمات الحتمية في 11 ايلول/سبتمبر العام 2001، أصبح لمؤسسة الأمن الوطني الأمريكية الآن عدو رسمي آخر هو الارهاب (وبدرجة ما الإسلام).
وتابع التقرير أن البنتاغون و"سي آي ايه" ووكالة الامن القومي انطلقوا إلى ميدان السباق مجددا، حيث حل الارهاب كعدو رسمي جديد لأمريكا، ليحل محل "الشيوعية الملحدة" ومحل صدام حسين.
واعتبر التقرير ان "الارهاب قد يكون عدوا رسميا افضل من الشيوعية الملحدة ومن صدام، لأنه من المرجح أن يستمر لفترة أطول، خاصة وأن الخوف الناتج عن هجمات 11 سبتمبر/أيلول، استخدم لتبرير الغزوات غزو واحتلال أفغانستان والعراق". واضاف انه في ظل عمليات القتل المتواصلة التي جرت خلال هاتين العمليتين العسكريتين، أصبح خطر الإرهاب متواصلا أيضا، ولهذا جرى وصف الحرب على الإرهاب بأنها الحرب الدائمة، لكن غزو واحتلال أفغانستان والعراق اصبح اعظم آلة لإنتاج الارهاب في التاريخ".
حرب باردة متجددة
وفي الوقت نفسه، قال التقرير إن المسؤولين الامريكيين، لم يفقدوا الامل بتاتا في احياء حربهم الباردة القديمة ضد روسيا، وهم طوال الفترة التي كانوا يستخدمون فيها صدام حسين باعتبار انه "هتلر الجديد"، كعدو رسمي جديد لهم، كان البنتاغون يستخدم حلف الناتو لكي يتوسع شرقا من خلال استيعاب الدول السابقة في "حلف وارسو"، وهو ما سيمكن البنتاغون من نشر قواته وصواريخه بشكل أقرب إلى حدود روسيا.
وتابع التقرير أنه لم يكن غريبا أن تعترض روسيا، تماما كما اعترضت حكومة الولايات المتحدة عندما قام الاتحاد السوفييتي بنشر صواريخه في كوبا في العام 1962. واضاف ان البنتاغون تجاهل الاعتراضات الروسية بطبيعة الحالي، وهو ما قاد في نهاية المطاف إلى الغزو الروسي لأوكرانيا وحرب الولايات المتحدة بالوكالة ضد روسيا.
وختم التقرير بالقول إن دولة الامن القومي الامريكية، اصبحت تتمتع الان بافضل الاوضاع والمتمثلة بتجديد حربها الباردة ضد روسيا وايضا استمرار حربها ضد الإرهاب، بينما تستمر اموال دافعي الضرائب في التدفق الى خزائن البنتاغون، ووكالة الاستخبارات المركزية، ووكالة الأمن القومي، وجيش المقاولين الشرهين المتعاونين، مضيفا أن "كل ذلك هو من أجل ابقائنا آمنين من الأعداء الذين انتجوهم".
وخلص التقرير الى القول ان العراق، الذي لا يزال محتلا، يظل بمثابة حفرة الجحيم التي صنعتها مؤسسة الامن القومي الاميركية، تحت عنوان "عملية حرية العراق".
ترجمة: وكالة شفق نيوز