الشغف والإصرار يدفعان "بصيراً" عراقياً لتشكيل أول فريق كرة قدم للمكفوفين (صور)

الشغف والإصرار يدفعان "بصيراً" عراقياً لتشكيل أول فريق كرة قدم للمكفوفين (صور)
2024-06-17T09:40:36+00:00

شفق نيوز/ استخدام خاطئ لعلاج الحساسية الموسمية للعين أدى إلى فقدان عثمان الكناني بصره، وقضى سنة أولى قاسية أثرت على كل شيء في حياته، قبل أن يتقبل الواقع ويتأقلم مع الحياة الجديدة، إلا أن شغفه بالساحرة المستديرة دفعه إلى تأسيس أول فريق كرة قدم للمكفوفين في العراق.

وفي حديث لوكالة "فرانس برس"، يقول الكناني (51 عاماً) إنه فقد بصره قبل 15 عاماً، لكن إصراره على عدم الاستسلام دفعه إلى توظيف شغفه في تأسيس أوّل فريق للمكفوفين في العراق وإدارة شؤونه.

سنة قاسية

ويضيف الكناني "عندما فقدت بصري، عشت سنة قاسية نسيت فيها حتى كيفية المشي وأصبحت أعتمد في كل شيء على السمع".

وفي العام 2008، فقد المدير السابق لمكتبة لبيع الكتب واللوازم المدرسية، البصر نتيجة استعمال خاطئ للأدوية لعلاج حساسية موسمية في العين، ما أدّى إلى إصابته بمرض الغلوكوما (تلف في أنسجة العصب البصري).

ويتابع "ما زاد من المصاعب كان ابتعادي عن كرة القدم".

ودام بُعده عن رياضته المفضّلة ثمانية أعوام.

لكن بدعم مؤسسة "السراج" الإنسانية التي شارك في تأسيسها لرعاية المكفوفين في مدينته كربلاء عام 2016، شكّل الكناني فريقاً لكرة الهدف حيث يستخدم اللاعبون المكفوفون أيديهم لإرسال الكرة إلى الهدف.

وظلّ يلعب مع هذا الفريق حتى شكّل في العام 2018 فريقاً لكرة القدم للمكفوفين وتفرّغ لإدارة شؤونه.

ويوضح "أصبحت كرة القدم كل حياتي".

واعتمد خصوصاً على ابنته البكر لتأمين المراسلات الخارجية حتى تواصل مع مؤسسة "آي بي إف فاونديشن" IBF Foundation المعنيّة بكرة القدم للمكفوفين حول العالم.

وكانت "الفرحة لا توصف" حين منحته المنظّمة في العام 2022 دعماً ومعدات من أقنعة تعتيم للعيون وكُرات خاصة.

ويؤكد "هكذا انطلق الحلم الرائع".

ويشير الكناني إلى أن تأسيس الفريق أتاح له "إعادة اندماج مع الأصدقاء والحياة"، قائلًا "بعد أن انعزلت، خرجت فجأة من بين الركام".

الفريق الأول

وانطلق الفريق بشكل رسمي مطلع العام الحالي بعدما تأسّس الاتحاد العراقي لكرة القدم للمكفوفين في نهاية 2023، وتشكّل من 20 لاعباً من محافظات كربلاء وديالى وبغداد.

ويستعد اليوم لأوّل مشاركة خارجية له وذلك في بطولة ودية في المغرب مقرّرة في نهاية حزيران/ يونيو الجاري.

ويتّخذ الفريق من ملعب مخصّص للعبة خماسي كرة القدم في بغداد، مكاناً لتدريباته ثلاث مرات أسبوعياً. ومن بين اللاعبين عشرة يأتون من خارج العاصمة للمشاركة في التمارين.

ومدّة الشوط الواحد 20 دقيقة، وعدد اللاعبين في المباراة خمسة، أربعة منهم مكفوفون بالكامل فيما الحارس مبصر.

وخلال تمارين الإحماء، يركض اللاعبون في مجموعات من أربعة ممسكين بأذرع بعضهم مع أقنعة على أعينهم.

وتتضمّن قواعد لعبة كرة القدم للمكفوفين كرات خاصة ينبثق منها صوت جرس يتحسّس اللاعب عبره مكان الكرة للحاق بها.

ويقوم كلّ من المدرّب والحارس بتوجيه اللاعبين بصوت عال.

بعد ذلك، يأتي دور ما يُعرف بالمرشد أو الموجّه الذي يقف خلف مرمى الخصم ماسكاً بجسم معدني يضرب به أطراف المرمى، لجلب انتباه اللاعب وتوجيهه حسب اتجاه الكرة.

ويصيح اللاعبون بكلمة "فوي" ("أنا أذهب" بالإسبانية) بغية تحديد أماكن تواجدهم في الملعب لئلّا يصطدموا ببعضهم.

المؤثرات الخارجية

وحين يمرّ بائع المرطبات في الشارع المحاذي للملعب مع مكبرات للصوت، تتوقف اللعبة لبضع دقائق لاستحالة التواصل سمعياً لمواصلة المباراة.

وبحسب قواعد ومعايير اللعبة، يبلغ طول الملعب أربعين متراً وعرضه 20 متراً، فيما يبلغ ارتفاع المرمى 2.14 مترين وعرضه 3.66 أمتار (مقابل ارتفاع 2.44 مترين وعرض 7.32 أمتار في كرة القدم العادية).

التخصيصات المالية

وخصّصت اللجنة البارالمبية العراقية لألعاب ذوي الاحتياجات الخاصة راتباً شهرياً للاعب قدره ما يعادل 230 دولاراً، وللمدرب ما يعادل تقريباً 380 دولاراً.

لكن منذ تأسيس الفريق، لم تصل التخصيصات المالية بعد إذ لا تزال موازنة العام الحالي قيد الدراسة في مجلس النواب العراقي.

ويشيد رئيس الاتحاد العراقي لكرة القدم للمكفوفين طارق الملا (60 عاماً) بالتزام اللاعبين بالحضور إلى التدريبات "على الرغم من الضائقة المالية التي يواجهونها".

ويوضح "البعض ليس لديه موارد مالية لكن مع ذلك سيتحمّلون تكاليف تذاكر السفر والإقامة" في المغرب.

ويضيف "أرى أن اللاعبين لديهم إمكانيات خارقة لأنهم يعملون على مراوغة الكرة وتحقيق توافق عضلي عصبي ويعتمدون على الصوت".

ويأمل الملّا أن "تشهد اللعبة انتشاراً في بقية مدن البلاد في إطار التشجيع على ممارستها وتأسيس فرق جديدة أخرى".

ودخل الفريق معسكراً تدريبياً في إيران لمدة عشرة أيام إذ إن "المعسكر الداخلي في بغداد غير كاف والفريق يحتاج إلى تهيئة أفضل" للبطولة في المغرب.

روح الإصرار

وعلى الرغم من صعوبة مهمته، يُظهر المدرّب علي عباس (46 عاماً) المتخصّص بكرة القدم الخماسية قدراً كبيراً من التفاؤل.

ويقول "اللاعبون يملكون روح الإصرار والتحدي، وهذا ما يشجعني أيضاً".

ويشير عباس الذي يكرس سيارته الخاصة لنقل لاعبين معه من كربلاء إلى بغداد، إلى أن أبرز صعوبات تدريب فريق كهذا تتمثل في "جعل اللاعبين متمرّسين بالمهارات الأساسية للعبة لأنها صعبة".

وخلال استراحة قصيرة بعد حصّة تدريبية شاقّة وسط أجواء حارّة، يعرب قائد الفريق حيدر البصير (36 عاماً) عن حماسه للمشاركة الخارجية المقبلة.

ويقول "لطالما حظيت بمساندة أسرتي وزوجتي لتجاوز الصعوبات" أبرزها "حفظ الطريق للوصول من البيت إلى الملعب وعدم توفر وسيلة نقل للاعبين والمخاوف من التعرض لإصابات".

ويطالب البصير الذي يحمل شهادة في علم الاجتماع، المؤسّسات الرياضية العراقية الحكومية "بتأمين سيارات تنقل الرياضيين من ذوي الاحتياجات الخاصة إلى أماكن التدريب للتخفيف من متاعبهم".

ويضيف "لم تقف الصعوبات التي نمرّ بها حائلاً أمامنا ولا مكان هنا للتردد ولا للخوف".

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon