"الدفع الإلكتروني".. كابوس يؤرق شريحة عاملة في العراق
شفق نيوز/ بعين الكره والقلق ينظر "البوزرجي" محمد علي (33 عاماً) إلى جهاز الدفع الإلكتروني الذي وضع بجانبه، والذي بسببه تراجع ما يحصل عليه من (البقشيش)، وربما قد يفقد وظيفته أيضاً في ظل ارتفاع اقتناء المواطنين بطاقة (الفيزا كارد) من أجل التزود بالوقود.
وتسعى الحكومة العراقية إلى تفعيل خدمة الدفع الإلكتروني واعتماد أنظمة الأتمتة الحديثة وإنهاء التعامل النقدي.
وبناءً على ذلك، حددت شركة توزيع المنتجات النفطية، التابعة لوزارة النفط العراقية، نهاية شهر آذار المقبل، موعداً نهائياً للتعامل النقدي، في محطات تعبئة الوقود الحكومية والأهلية.
وأعلنت شركة توزيع المنتجات النفطية، أول أمس الثلاثاء، عن قيامها بتجربة في محطة المثنى لإنهاء تدخل العنصر البشري في عملية التجهيز، إذ يتم إدخال الكمية في جهاز pos ومن ثم تحويل الكمية من بطاقة الدفع الإلكتروني.
وأوضح مدير عام الشركة حسين طالب في بيان، أن "الشركات عملت على ربط مجهزة الوقود بجهاز الدفع pos، وبالتالي سيتمكن المواطن من إدخال كميات الوقود ودفع الأموال دون الحاجة لتدخل بشري".
كابوس البطالة يؤرق "بوزرجي"
وبالعودة إلى العامل "علي" الذي يعمل في محطة وقود أهلية ببغداد منذ 9 سنوات، يقول لوكالة شفق نيوز، "أقضي معظم وقتي منذ أول النهار إلى نهايته واقفاً قرب هذا الصندوق الذي يدعى بـ(الكابينة) لاستقبال من يريد التزود بالوقود، وإعطائي بعض (البقشيش) لقاء كل تزويدة، لكن بسبب أجهزة الدفع الإلكتروني بدأ (البقشيش) يقل".
ويتابع علي الذي يعتبر أنظمة الدفع الإلكتروني تهديداً لرزقه، أن "الوضع لا يبشّر بخير، خاصة بالنسبة للعاملين في محطات الوقود الأهلية، إذ أن أصحابها يتحدثون عن احتمالية تقليص أعداد العاملين، ما سوف يتسبب بزيادة البطالة في ظل عدم وجود تعيينات وقلّة فرص العمل بالقطاعات الأخرى".
مميزات الدفع الإلكتروني
الدفع الإلكتروني، نظام لتسديد أو لتسوية المدفوعات دون الحاجة لاستخدام النقد، ولهذا النظام مميزات كثيرة، أهمها القضاء على عمليات الفساد والاحتيال والرشوة المباشرة في المؤسسات الحكومية، وسهولة التداول، ورفع معدلات الإيداع النقدي في البنوك والمصارف وغيرها من الفوائد.
لكن تحوّل العراق إلى هذا النظام المعمول به عالمياً لا يخلو من عمليات الاحتيال، سواء كان من قبل التجار عند تبضع المواطنين، أم عن طريق استحصال مبالغ إضافية بحجة رسوم الاستقطاع المعمول بها حالياً، خاصة أن ثقافة المجتمع بالدفع الإلكتروني ضعيفة.
لذلك لا بد من تثقيف المجتمع على التداول فيها، وتسهيل فتح الاعتمادات المصرفية للمواطنين لغرض إصدار البطاقات الإلكترونية بانسيابية ومن دون معوّقات، وفق ما تحدث به عدد من الخبراء في الاقتصاد العراقي لوكالة شفق نيوز.
وفي هذا السياق، يقول الخبير النفطي، كوفند شيرواني، إن "نظام الدفع والتسديد للفواتير بالبطاقة الإلكترونية يمثل أسلوباً عصرياً للتعاملات المالية، ويتميز بسرعة الإنجاز والدقة في إجراء التعاملات، كما يقلل من الاعتماد على السيولة النقدية في التعاملات والتي تكون عادة معرضة للتلف وبالتالي تحتاج إلى التعويض".
ويضيف شيرواني لوكالة شفق نيوز، "أما التعامل بالبطاقات فإنه يقلل الاعتماد على العملة سواء بنوعها الورقي أو النقدي، بالتالي يقلل من التلف ويوفر على الدولة مبالغ أخرى، كما يمثل نظام الدفع وسيلة آمنة لإنجاز المعاملات المالية عوضاً عن حمل مبالغ كبيرة من المال في المحفظة، وقد تكون معرضة للضياع أو السرقة".
لكن الإشكالات التي تعترض تطبيق هذا النظام في العراق قد يكون، وفق شيرواني، "هو عدم تعوّد المواطن البسيط خاصة ذوي التعليم المحدود أو أصحاب الأعمال الحرة والكسبة، وكذلك الرسوم التي يتم استيفاؤها من كل عملية بيع أو شراء بهذه البطاقات".
ويدعو إلى أن "تكون العمولة متدنية لتكون حافزاً للمواطن لاعتماد البطاقات ولا تكون عاملاً معرقلاً له، وذلك لأن اعتماد البطاقة خطوة تمهيدية نحو الأعمال المصرفية الإلكترونية دون الحاجة إلى زيارة المصرف والتعامل بشكل ورقي مع العملات سواء كان سحباً أو إيداعاً".
ويتابع، "لذلك، أن التعوّد على هذه البطاقات سيكون خطوة ممهدة لاعتياد المواطن الذي لم يعتدِ على مراجعة المصارف لفتح الاعتمادات والحسابات وإنجاز المعاملات التجارية وغيرها، وحتى الرواتب كما موجود في البطاقة الذكية والكي كارد تحوّل بشكل إلكتروني للحسابات وممكن الموظف أو المتقاعد استلام راتبه من أي نقطة أو وكالة للكي كارد في أي مكان بالعراق".
ويشير إلى أن "الموظفين اعتادوا على هذا النظام، ولكن غير الموظفين من أصحاب الأعمال الحرة والكسبة قد يكون هذا الأمر جديداً عليهم، لكنهم سيدركون مع مرور الزمن الفوائد الذي يحققها الدفع الإلكتروني".
من جهته، يقول عضو لجنة النفط والغاز في البرلمان العراقي، النائب كاظم جرو، إن "في أغلب محطات الوقود الحكومية والأهلية، يأخذ العامل مبلغاً إضافياً له، لذلك الدفع الإلكتروني سوف ينهي هذا الأمر".
ويتابع النائب لوكالة شفق نيوز، "كما أن وضع الأموال في الماستر كارد سوف يحوّل الأموال من محفظة المواطن إلى رصيد الدولة، لذلك الدفع الإلكتروني له فوائد كثيرة وسيحد من الفساد".
وعن مصير العاملين في المحطات، يؤكد أن "هؤلاء سيتمرون في العمل ولن يتأثروا، ربما تقلل أعدادهم في قسم المبيعات لتوفر أجهزة الدفع التي تقوم بمهامهم، وسيوزع الفائضون على دوائر شركة توزيع المنتجات النفطية، لذلك لن تسبب أجهزة الدفع بالبطالة، لكن ربما يتأثر بها العاملون في المحطات الأهلية نتيجة توفر أجهزة تؤدي دورهم، ما قد يحصل تقليص لأعدادهم".
بدوره، يشير نائب رئيس اتحاد معامل التعبئة وخدمات الغاز، عباس مهيوب، إلى أن "أغلب المواطنين ليس لديهم فيزا كارت، وبحسب مجال عملي فقد تحدث مشكلة في عملية بيع الغاز، إذ إن وكيل الغاز الذي يتجول في داخل المدن لبيع الغاز للمواطنين، يجد أن معظم الأهالي ليس لديهم بطاقات الدفع الإلكتروني".
ويضيف مهيوب لوكالة شفق نيوز، "ورغم أن الفيزا كارد متوفرة، لكن فيها عمولة عند التعبئة والسحب، فهذه خسارة للمتعامل بها، ومع أن الموضوع له فوائد كثيرة، لكن هذه العمولة قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار لسد هذه العمولات".
وكان رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، قد وجه في (7 كانون الثاني الماضي) بتجنيب المواطنين أعباء مالية إضافية نتيجة العمولات، وذلك خلال اجتماع خُصص لمتابعة التحول المالي والاقتصادي إلى الدفع الإلكتروني، ونقاط البيع والتداول المالي بالبطاقات الإلكترونية (POS).
وأكد السوداني بحسب بيان صادر عن مكتبه الاعلامي، أنّ الهدف هو تسهيل التعامل وتيسير الدفع في عموم المجالات، مع ضمان أعلى مستويات الأمان.
مطالبات بتوفير أجهزة "pos" في الأماكن العامة
وتفتقر معظم الأسواق ومحطات تعبئة الوقود، لأجهزة pos بالرغم من توجهات مجلس الوزراء بتطبيق نظام الدفع الإلكتروني في مؤسسات الدولة والقطاع الخاص والمراكز التجارية والمحلات والأسواق والمرافق الترفيهية الأخرى.
ولا يزال المواطنون يفتقرون إلى توفير أجهزة pos ومطالبات من البنك المركزي والمصارف وشركات الدفع الإلكتروني بتزويد نقاط البيع pos وجعلها في متناول المواطن لاستخدامها مع البطاقات الإلكترونية في التسوق والدفع بدلاً من النقد.
وكان البنك المركزي العراقي، أعلن في مطلع حزيران الماضي، دخول قرار مجلس الوزراء المرقم (23044) للعام 2023 حيز التنفيذ، والمتمثل بزيادة عدد أجهزة الدفع الإلكتروني (POS) في المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص لتعزيز ثقافة الدفع والتحصيل الإلكتروني، والتقليل من استخدام النقود الورقية في الجباية والتعاملات التجارية.
يذكر أن مجلس إدارة البنك المركزي العراقي، قرر في 13 كانون الأول الماضي، إنشاء "الشركة الوطنية لنظم الدفع الإلكتروني" في عموم البلاد، مبيناً أن الشركة تمثل تطوراً نوعياً في هيكل البنية التحتية المالية للبلد.
وبحسب بيان المركزي العراقي، أن هذه الخطوة تأتي تزامناً مع النمو المتسارع في الخدمات والمنتجات المالية الإلكترونية وارتفاع أعداد المستخدمين بالتوافق مع إطار البرنامج الحكومي لدعم وتبني أنظمة الدفع الإلكتروني المتطورة.
بدورها، كشفت رابطة المصارف الخاصة العراقية في (12 كانون الأول الماضي)، عن نمو بالحسابات والبطاقات المصرفية وأجهزة الدفع الإلكتروني بعد الدعم الكبير الذي قدمه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني والبنك المركزي العراقي للقطاع المصرفي، من خلال تفعيل الدفع الإلكتروني في المؤسسات الحكومية والخاصة والإصلاح في آليات تمويل التجارة الخارجية.
وقال المدير التنفيذي للرابطة، علي طارق، في بيان صحفي، إن الحسابات المصرفية نمت بنسبة 14٪ إذا وصلت حتى 30 أيلول 2023 الى 10.02 ملايين حساب مصرفي، بعد كانت في نهاية العام 2022 أكثر من 8.79 ملايين حساب، مما يعني إنشاء أكثر من 1.2 مليون حساب خلال 9 أشهر.