الحقيقة خلف الكواليس.. ما لا يُروى عن إصلاح المصارف العراقية

الحقيقة خلف الكواليس.. ما لا يُروى عن إصلاح المصارف العراقية
2025-08-08T12:12:16+00:00

شفق نيوز- بغداد

تواجه المصارف العراقية تحديات غير مسبوقة في ظل مجموعة من معايير الإصلاح التي أطلقها البنك المركزي العراقي، التي يراها مراقبون وخبراء اقتصاديون أقرب إلى "شروط تعجيزية منها إلى خطة إصلاح واقعية".

وبينما يؤكد المختصون على أهمية الإصلاح، يطالبون بإعادة النظر في الآليات المعتمدة، بما يتناسب مع خصوصية الواقع العراقي وقدرة المصارف على النهوض بدورها الاقتصادي.

وكان البنك المركزي العراقي وضع حزمة معايير لإصلاح القطاع المصرفي أبرزها زيادة رأس المال إلى 400 مليار دينار قبل 31 كانون الأول/ ديسمبر 2025، رغم عزوف المستثمرين عن الاكتتاب بأسهمها بسبب العقوبات المفروضة عليها، مما يجعل تحقيق هذا الشرط شبه مستحيل، بحسب الخبير الاقتصادي أحمد عبد ربه.

مراعاة خصوصية الواقع

ويؤكد عبد ربه لوكالة شفق نيوز، أن معايير الإصلاح التي وضعها البنك المركزي العراقي، رغم احتوائها على بعض الجوانب الإيجابية، إلا أنها تتضمن نقاطاً جوهرية تحتاج إلى مراجعة شاملة بما يتناسب مع الواقع المصرفي العراقي.

ويشير إلى أن المطالبة بزيادة رأس مال المصارف إلى 400 مليار دينار قبل نهاية عام 2025، تعد غير منطقية، خصوصاً أن "غالبية هذه المصارف معاقبة، ومحرومة من التعامل بالدولار، وأسهمها منخفضة في السوق المالي، ولا تمتلك أعمالاً مصرفية كبيرة"، حسب تعبيره.

وفيما يتعلق بالجانب المالي الآخر، انتقد عبد ربه فرض رسوم تصل إلى مليوني دولار على المصارف مقابل خدمات تقدمها شركات إصلاح معتمدة، معتبراً أن "هذا المبلغ مبالغ فيه، خاصة أن المصارف لم تتفق مسبقاً مع البنك المركزي على منح هذه الشركات مبالغ بهذه القيمة".

كما يشدد الخبير الاقتصادي على أن شرط تحديد الملكية بنسبة لا تتجاوز 10% يعد أيضاً غير قابل للتطبيق، موضحاً "من غير المنطقي فرض هذا الشرط في ظل عدم وجود قطاع استثماري مستعد للدخول في مصارف تعاني من خسائر".

ويدعو عبد ربه البنك المركزي إلى إشراك المصارف الخاصة في صياغة رؤية إصلاحية جديدة تأخذ بعين الاعتبار "الظروف الخاصة التي نشأت فيها هذه المصارف، وطبيعة ملكيتها، والتحديات الاقتصادية التي تواجهها"، مؤكداً على أهمية تمديد فترة الإصلاح لتكون على مدى زمني أطول.

ويحذر من إجبار المصارف على الخروج من النظام المصرفي في حال عدم تحقيق الشروط، مؤكداً أن "مثل هذا التوجه قد يتسبب بمشاكل حقيقية للمصارف والمتعاملين معها".

ويشدد على أن "الإصلاحات ضرورية، ولكن ينبغي أن تكون واقعية، قابلة للتطبيق، ومرتبطة بالسياق العراقي، لا أن تتحول إلى وسيلة لتصفية المصارف أو تهميشها".

إصلاحات "صارمة وتعجيزية"

من جهته، ينتقد الخبير الاقتصادي مصطفى الفرج المعايير التي وضعها البنك المركزي العراقي لإصلاح القطاع المصرفي، واصفاً إياها بـ"الصارمة والتعجيزية" في ظل الأوضاع الاقتصادية المعقدة التي تمر بها المصارف العراقية.

ويقول الفرج لوكالة شفق نيوز، إن "غياب الدعم المباشر من البنك المركزي للمصارف المحلية يثير الكثير من التساؤلات، خاصة وأن هذه المصارف تُعد الركيزة الأساسية للاقتصاد الوطني".

ويلفت إلى أن "بدلاً من فرض شروط مشددة مثل رفع رأس المال ووجود شريك أجنبي، كان من الأولى أن يتجه البنك المركزي نحو إعادة جدولة الالتزامات، وتقديم دعم مالي وفني، وخفض الفوائد، أو حتى طرح حوافز حكومية لتشجيع الاكتتاب".

ويضيف أن القطاع المصرفي العراقي ما زال يتعافى من آثار العقوبات والاضطرابات الاقتصادية، وهو ما يجعل تنفيذ هذه المعايير أمراً صعباً، إن لم يكن مستحيلاً، دون وجود دعم واضح من الجهات الرسمية.

ويؤكد الفرج أن معايير البنك المركزي "تعكس نية صادقة للإصلاح، لكنها تصطدم بواقع اقتصادي ومصرفي معقد، حيث لا تملك المصارف الإمكانيات المطلوبة للالتزام الكامل بهذه الشروط دون مساندة حقيقية".

ويشير أيضاً إلى أن البيئة الاستثمارية الحالية غير مهيأة لاستقطاب شركاء أجانب، الأمر الذي يجعل العديد من المصارف في موقف صعب، ويهدد بدفعها نحو التصفية أو الاندماج القسري بدلاً من التمكين والتطوير.

ويختم الفرج بالقول "إذا كان الهدف هو بناء قطاع مصرفي قوي، فإن الطريق لذلك يبدأ من تقديم الدعم الفعلي، ومراعاة الواقع العراقي، ووضع إصلاحات قابلة للتطبيق على مراحل، لا من خلال فرض معايير قد تؤدي إلى إضعاف القطاع بدلاً من إنقاذه".

شفافية والتزاماً جاداً

بدوره، يرى عضو اللجنة الاقتصادية النيابية كاظم الشمري أن جزءاً كبيراً من المصارف العراقية لا تؤدي دورها الحقيقي كمؤسسات مالية.

ويشير الشمري في حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن "من أصل 70 إلى 80 مصرفاً عاملاً في البلاد، هناك نحو 30 مصرفاً معاقباً، فيما يقتصر عمل الغالبية العظمى من المصارف الأخرى على تنفيذ الحوالات فقط دون تقديم خدمات مصرفية متكاملة مثل الودائع، القروض، أو المساهمة في تمويل المشاريع الاستثمارية".

ويوضح أن "في حال تم توجيه المتابعة المباشرة من البنك المركزي العراقي نحو المصارف غير المعاقبة والتأكيد على ضرورة استيفاء متطلبات الشركات الدولية، فإن هذه المصارف قادرة على الاستجابة والالتزام بالمعايير المطلوبة".

لكنه يحذّر في المقابل من أن ضعف المتابعة الرسمية من قبل الجهات المعنية قد يؤدي إلى استمرار المصارف في تجاهل متطلبات الإصلاح، مضيفاً: "غياب الرقابة الفعلية لا يُنتج نتائج حقيقية".

وينتقد الشمري ما وصفه بـ"التدخلات السياسية في العمل المصرفي"، معتبراً أن "أحد أبرز معوقات الإصلاح في العراق هو التدخل الحكومي في القطاع المصرفي، وهو ما يتعارض مع أسس النظام المصرفي العالمي القائم على الاستقلالية وحرية العمل المالي".

ويتابع قائلاً "من الغريب أننا لم نشهد معاقبة أي مصرف غير عراقي أو لبناني لتعامله مع دول مثل إيران أو جهات مصنفة بالإرهاب، بينما تُفرض العقوبات فقط على المصارف العراقية واللبنانية، وهذا الأمر لا يرتبط بسياسات البنك المركزي فقط، بل بسياسات الدولة ككل، وبضغط من جهات عليا تحاول دفع بعض المصارف للانفتاح على دول تخضع لعقوبات دولية".

ويشدّد الشمري على أن هذه الممارسات أضرت بالنظام المصرفي والمالي العراقي، وخلقت مشاكل حقيقية أثرت سلباً على بيئة الأعمال والاستثمار في البلاد.

وفيما يتعلق بالمعايير الدولية المفروضة، يبيّن الشمري أنها "معايير طبيعية في بيئة مصرفية مستقرة"، مؤكداً أن "الالتزام بها يمكن أن يؤدي إلى تمكين مالي حقيقي، ويساعد المصارف العراقية على مسايرة نظيراتها في المنطقة، لاسيما في دول الخليج".

وختم بالقول "إذا التزمت المصارف العراقية بالشفافية والنزاهة، فستتمكن من جذب مصارف عالمية واستثمارات أجنبية كبرى، وهو ما سيساهم بشكل كبير في إصلاح وتطوير البنية المالية للعراق".

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon