استعراض للمخاطر والتحديات أمام حلف الناتو في العراق
شفق نيوز/ اعتبر تقرير لموقع "وور اون ذا روكس" الاميركي المتخصص بالشؤون العسكرية، انه عندما علق حلف شمال الاطلسي (الناتو) مهمته التدريبية والاستشارية في العراق بعد مقتل قائد قوة القدس الايرانية الجنرال قاسم سليماني في يناير/كانون الثاني 2020، شهد الحلف بذلك اول اختبار واقعي له حول مشروعه الجديد في البلاد.
وبعدما اشار التقرير الاميركي الى ان العراق كان وما يزال ساحة لعب مأساوية للتنافس المحلي والإقليمي والدولي، والى ان الدول الأعضاء في حلف الناتو وافقت الان على توسيع مهمة الناتو في العراق، تساءل قائلا "ما الذي تغير خلال العام الماضي؟ وكيف سيكون اداء الحلف؟".
وذكر التقرير الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، ان وباء كوفيد19 ربما يكون قيد بشكل مؤقت سلوك بعض اللاعبين الفاعلين اقليميا، خاصة ايران، لكن الوضع لا يزال مثيرا للتحدي كما هو دائما، ولا تزال المسافة كبيرة بين مستوى الطموح في بروكسل (مقر الحلف) وبين الواقع على الارض في بغداد.
وبرغم الدعم المتجدد للحلف، فان الادارة الاميركية الجديدة تبدو مستمرة في حماسها للاستمرار في فك ارتباطها عن العراق. ولهذا، فان مهمة الحلف، ستختبر مشكلات تقاسم الاعباء المعروفة لدى الناتو، وستتم دعوة الحلفاء الأوروبيين للقيام بدور أكبر في المهمة فيما يتراجع دور الولايات المتحدة، وهو عامل سيتسبب بالتأكيد بتحديات عملانية يجب تجاوزها.
واشار التقرير الى ان المهمة الموسعة ستطرح أمام الناتو الفرصة لتقييم دوره المحدود في الشرق الاوسط، بالاضافة الى قدرته على تحقيق نتائج فعالة في اصلاح قطاع الامن في مناخ الاستقطاب السياسي والامن القائم. واضاف ان المهمة لن تنجح سوى اذا تم تأمين مواردها بشكل صحيح من قبل دول الحلف وانخرطت بشكل ذي مغزى مع العراقيين.
وتابع ان الناتو بحاجة الى يقرر ما اذا كان يريد الاستثمار في اقامة نفوذ سياسي فعال في الشرق الاوسط، ام انه يريد ان تقتصر مهمته على دور تقديم قدرات البناء التقنية.
دور أوروبي أكبر
في فبراير 2021، وافق وزراء دفاع الناتو على توسيع مهمة الحلف في العراق، وهي مهمة ستشمل التعاون مع عدد واسع من الوزارات وليس فقط وزارة الدفاع، ومن المرجح انها ستعمل خارج منطقة بغداد.
وستكون هناك زيادة كبيرة في عديد الافراد ايضا: اربعة الاف مدنية وعسكري سيشكلون اعضاء المهمة، ارتفاعا من 500 فرد حاليا، وهذه الزيادة ستكون مشروطة ويتم التفاوض حول كل خطوة وأخرى مع السلطات العراقية.
ومهمة الناتو في العراق تأسست في العام 2018، وتركزت على تعزيز حرفية قوات الامن العراقية، وتقديم النصيحة لمؤسسات الامن الوطني العراقي- وزارة الدفاع ومستشار الامن الوطني- وتدريب المدربين، بما في ذلك مراكز لتفكيك العبوات، والادارة والشؤون اللوجستية والشؤون الصحية العسكرية. وتابع التقرير ان هذه النشاطات تستكمل عمل التحالف الدولي الذي يقوده الاميركيون لمحاربة داعش، والامم المتحدة ومهمة الاتحاد الاوروبي في العراق المحدودة الحضور وتقتصر على تقديم الاستشارة الاستراتيجية لوزارة الداخلية. وخلال العام الماضي، توقفت العديد من هذه الانشطة بسبب مجموعة من العوامل منها، كاغتيال قاسم سليماني ووباء كورونا اللذين ساهما سوية في تعطيل التقدم وأديا الى مغادرة أفراد الحلف العراق.
ومع قيام التحالف الدولي بتخفيض تواجده ونشاطاته في العراق، فإن مهمة الناتو المحدثة ستوسع نطاقها، وعلى سبيل المثال، من المتوقع ان المهمة ستوسع مبدئيا دورها ضمن وزارة الدفاع لتشمل تقديم المشورة لتطوير السياسة والتخطيط والقيادة والحكم الرشيد. وفي المستقبل، وبناء على الطلب العراقي، فان الناتو قد ينفذ ايضا مهمات استشارة للشرطة الاتحادية التابعة لوزارة الداخلية والتي ظلت حتى وقت قريب تخضع للتدريب وتتلقى الارشاد من الشرطة الايطالية.
وستنتقل قيادة مهمة الناتو في العراق من الدنمارك الى ايطاليا في العام 2022، ما يعكس استعداد الدول الاوروبية الدائم للعب ادوارهم في تقاسم اعباء الحلف. اما أسبانيا التي تعتبر مساهما اوروبيا رئيسيا للتحالف المناهض لداعش، وتلعب بالفعل دورا كبيرا في مهمات التدريب التابعة للناتو في العراق، ستكون في موقع ملائم للتولى دورا قياديا مستقبلا.
وفي ابتعاد عن الرئيس دونالد ترامب، فان ادارة جو بايدن كانت سريعة في تعزيز دور حلفاء الناتو وقيمة اطارات العمل المتعددة الاطراف، بما في ذلك في العراق. ومع تراجع الحضور الاميركي في العراق، فان استعداد الدول الاوروبية للتقدم من اجل ملء الفراغات العملانية المتوقعة، سيكون حيويا بالنسبة الى استدامة مهمة الناتو العراقية.
تحديات عملانية
وذكر التقرير ان تقليل دور التحالف المناهض لداعش ستكون له بعض التداعيات المهمة بالنسبة الى الناتو في العراق، لكن مهمة الحلف الموسعة، لا يجب اعتبارها ببساطة كأنها نقل للأدوار من التحالف الى الناتو. فالتفويض الممنوح لكل جهة مختلف، وبخلاف التحالف الدولي، فإن عملية الناتو تظل مهمة غير قتالية. ولا ينخرط افراد الحلف في التدريب او في مرافقة الوحدات العسكرية على المستوى التكتيكي. لكن الناتو سيبني على المكتسبات التي حققها التحالف الدولي، وسيضع على الارجح المزيد من التركيز على الجهود الاستشارية على المستوى الاستراتيجي ما ان تنتهي العمليات العسكرية الرئيسية التابعة للتحالف الدولي. وفي حين ان التحالف في المرحلة الاخيرة من حملته العسكرية، فاننا لا نملك موعدا معلنا لتاريخ انتهاء عملياته.
واعتبر التقرير ان الانتقال من اطار عمل رشيق ومرن للتحالف الى آليات عمل شديدة التوحيد وبيروقراطية وقائمة على اجماع الاراء في حلف الناتو، سيفرض تحديات عملانية، مشيرا الى ان المسار الرسمي والطويل غالبا الذي تقدم من خلاله دول الحلف عدد الافراد والمعدات المطلوب للمهمات والعمليات، سيتطلب وقتا من أجل الوصول لمرحلة القدرة العملانية المطلوبة. واي توسيع كبير في المهمة، سيتطلب التعامل مع عملية يطول أمدها قبل ان يتم تجهيزها.
واوضح ان مهمة الناتو في العراق هي الاولى من نوعها بمشاركة مكون مدني قوي يقدم اساسا استشارات على المستوى الاستراتيجي لوزارة الدفاع. وستشهد المهمة الموسعة للحلف زيادة في هذه العناصر المدنية. وسيكون النجاح بالتالي على الحلفاء في الناتو لتقديم مدنيين ذوي مستوى عال من القدرات للتعامل مع البيروقراطية المعقدة لوزارة الدفاع وربما وزارة الداخلية.
وتستهدف مهمة الناتو ان تصبح مكتفية ذاتيا، لكنه حاليا تعتمد على امكانيات التحالف المناهض لداعش، خاصة من الاميركيين في تقديمهم للمعلومات الاستخباراتية والبنى التحتية واللوجستيات. وقد تختار بعض الدول ان تعيد نشر جنودها تحت مظلة الناتو، لكن مهمة الناتو ستتطلب الجهات التمكينية الخاصة بها، مثلما ألمح الامين العام للناتو ينس ستولتنبرغ خلال مؤتمر صحافي مؤخرا. واذا كان الحلفاء الاوروبيون جادين حول تقاسم الاعباء، فهذا مكان بامكانهم تحقيق ذلك.
وذكر التقرير انه لم يتضح بعد عما إذا كانت مهمة الناتو ستتجاوز منطقة بغداد وكيف ستفعل ذلك، مضيفا ان الناتو قد ينتقل في المستقبل الى تقديم مستوى معين من الاستشارة الاستراتيجية لقوات البيشمركة الكوردية. الا انه اشار الى ان اي توسع في هذا الصدد، يجب أن تطلبه الحكومة العراقية وتوافق عليه دول الناتو، ليشمل تركيا.
وتابع انه بالنظر الى المثلث الصعب للعلاقات بين الفصائل الكوردية وبغداد وأنقرة، سيكون من الصعب التفاوض على هذا.
توقعات للناتو في العراق والشرق الأوسط
وذكر التقرير ان مهمة الناتو الموسعة في العراق ستكون مدفوعة بالطلب، والسؤال الملائم هو: ماذا تريده الحكومة العراقية أو تحتاجه؟ الحكومة العراقية طلبت بالتأكيد الدعم من اجل تطوير حرفية مؤسساتها الامنية، لكن يتحتم على الناتو الا يغفل السياق السياسي والامني والاجتماعي-الاقتصادي الذي ستعمل المهمة من خلاله من اجل ربط الطموحات الاستراتيجية بالتوقعات العقلانية.
وتابع التقرير ان العراق ما زال يمر بمرحلة انتقالية دقيقة من الحملة العسكرية الى التعافي وإعادة الإعمار والاستقرار الاكثر شمولا. واشار الى ان هناك عدد لا يحصى من القضايا لتؤخذ بالاعتبار: برنامج طموح للاصلاح الاقتصادي، وانتخابات برلمانية قريبا، المصير غير المحسوم لقوات الحشد الشعبي، واحياء نشاط الجهاديين، والاحتمال غير الواضح للعلاقات الايرانية -الاميركية.
واعتبر التقرير انه من خلال الانفتاح على مهمة موسعة للناتو في العراق بوجوه اوروبية اكثر من الوجوه الاميركية، فان رئيس الحكومة العراقي مصطفى الكاظمي حاول التوصل الى الهدف المزدوج المتمثل بتأكيد سيادة العراق بالترافق مع تخفيض الوجود الاميركي. كما انه حاول جديا الانخراط مع الدول المجاورة بما في ذلك ايران وتركيا والسعودية، لضمان دعم سياسي واقتصادي والعبور ما بين مخاطر المنطقة والتنافس الحساس.
وفي هذا الاطار، ستعلب مهمة الناتو دورا في اصلاحات القطاع الامني، وهو مجال مهم، لكن لا يمكن تحقيق ربح سريع فيه وهو مثير للاستقطاب الحاد في العراق. واصلاحات كهذه، ليست الدواء الشافي للمشكلات البنيوية الاكبر.
وبامكان الناتو ان يوفر للعراق بناء القدرات التقنية على شكل نشاطات تدريبية واستشارية. الا ان هذا سيكون بلا فائدة اذا لم يتم تبسيطه في اطار استراتيجية متماسكة طورتها الحكومة العراقية ودعمها الناتو، وهي عملية شديدة الحساسية.
ويتحتم على الناتو ان يكون اكثر دهاء سياسيا فيما يتعلق بما يحدث في العراق وعلاقات القوة فيه، عوضا عن مجرد حصر نفسه ببناء القدرات التقنية. وسيظل العراق نقطة تقاطع طرق للعديد من القضايا الاقليمية والدولية – العلاقات بين الولايات المتحدة وايران، وبين ايران وممالك الخليج، بالاضافة الى الطموحات الاقليمية لتركيا.
وليس بامكان مهمة الناتو ان تتجاهل هذا الاطار السياسي من خلال البقاء في "منطقة راحتها" المتمثلة بمهمة بناء القدرات، ولكنها تحتاج الى ان تكون أكثر استباقية اذا كانت تريد ان تكتسب أهمية. ان "التجسير" بين هذه الهوات السياسية والتقنية، سيساهم في تمتع الناتو بنفوذ مهم وايجابي أكبر في تحقيق اهدافه المعلنة في خلق الاستقرار في الدول المجاورة والشريكة من اجل ضمان أمن الحلف نفسه.
وختم التقرير بالقول ان ذلك سيوفر للحلف نفوذا واهمية أكبر في الشرق الاوسط، من خلال التجانس في الشراكات العسكرية المتعددة الاطراف التي تنشأ في المنطقة.