365 يوماً على الصراع الروسي الأوكراني.. نهاية وشيكة أم استنزاف عالمي؟
شفق نيوز/ تدخل الحرب الروسية - الأوكرانية عامها الثاني، في صراع عسكري لم يستطع أحد الأطراف حسمه حتى الآن، برغم الخسائر البشرية المقدرة بعشرات آلاف الضحايا، والانعكاسات المدمرة على مستوى الاقتصاد العالمي والطاقة والاستقرار الدولي، حيث مرت الحرب في عامها الأول بمراحل متصاعدة من التجاذبات السياسية والضغوط وتبدل الأوضاع على الجبهات الطويلة وخنادقها.
وتتزايد المخاوف من تداعيات استمرار الحرب بهذه الوتيرة، وتحولها ما يشبه بحرب عالمية ثالثة، ذلك لأن الصراع الذي تحول إلى مواجهة بين روسيا من جهة، وبين القوى الغربية المتمثلة بحلف "الناتو" في الجهة المقابلة، ينذر باشتعال أكبر مع تصاعد خطوط الامداد العسكري المفتوح للجيش الأوكراني، وتفاقم التصدعات السياسية والهواجس الأمنية بعيداً عن جبهات القتال، فضلاً عن تزايد الاتهامات حول أدوار صينية وإيرانية داعمة لموسكو، بينما تفتح جيوش الحلف مستودعاتها لدعم تسليح الجيش الأوكراني، والدول المجاورة لبؤرة الانفجار.
شرارات أولى
قبل الوصول إلى يوم إعلان الحرب في 24 شباط/فبراير 2022، مرت العلاقة بين موسكو وكييف بمراحل متصاعدة من التوتر، ففي العام 2013 تحركت تظاهرات في أوكرانيا داعمة لتوقيع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، في حين أعلن الرئيس الاوكراني وقتها فيكتور يانوكوفيتش، والمقرب من موسكو، بعد التشاور مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تعليق بلاده توقيع الاتفاقية.
وفي العام 2014 وقع يانوكوفيتش مع قادة المعارضة وبوساطة ممثلين عن الاتحاد الأوروبي وروسيا، اتفاقية لتسوية النزاع السياسي في أوكرانيا، وفي شهر شباط/فبراير أبلغ الرئيس الاوكراني نظيره بوتين بانه سيغادر كييف لحضور مؤتمر في مدينة خاركوف، على الرغم من أن بوتين نصحه بتجنب القيام بذلك، وتحققت المخاوف الروسية حيث جرى الاستيلاء على مبنى الحكومة بقوة السلاح من جانب خصومه المعارضين بينما جرد البرلمان الرئيس من صلاحياته.
صراع لأجل الاستقلال
وبعد ذلك، أعلنت مناطق شبه جزيرة القرم في 6 آذار/مارس العام 2014 استقلالها عن أوكرانيا بعدما نظمت استفتاءً عاماً، لتلحقها مناطق أوكرانية أخرى كجمهوريتي لوغانسك ودونيستك، ما أشعل اشتباكات مسلحة بين الجيش الأوكراني والمجموعات المسلحة المدافعة عن المناطق المستقلة حديثاً عن كييف، قبل أن يتم التوصل إلى اتفاقيتي "مينسك" في 2014 و2015 لوقف إطلاق النار.
وتفاقم التوتر بين موسكو وكييف في ظل الاتهامات الروسية للسلطات الأوكرانية بتصعيد قمعها لدعاة الاستقلال وخاصة في المناطق الشرقية، وتتحدث عن مقتل آلاف الموالين لروسيا، او الناطقين بالروسية، ومنذ تولي الرئيس فولوديمير زيلينسكي الحكم في كييف في العام 2019، تتهمه موسكو بمحاربة المعارضين له من خلال تقوية جماعات "النازيين الجدد".
وأصيبت العلاقات بمزيد من التوتر بعد انفصال الكنيسة الارثوذكسية الاوكرانية عن مرجعيتها الروسية، وتوالت كل هذه الأحداث فيما كانت موسكو تراقب تنامي دور حلف الناتو، أقله منذ العام 2014، بتسليح القوات الأوكرانية.
وعبرت موسكو مراراً عن هواجسها من وصول الحلف الى حدود روسيا ومحاولة تطويقها، وهو ما تعزز مع سعي كييف إلى الانضمام إلى الحلف والشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وإعلان الرئيس الأوكراني عن نية بلاده امتلاك السعي من أجل امتلاك سلاح نووي.
إعلان الحرب
وفي يناير/كانون الثاني العام 2022 عقد لقاء بين روسيا وحلف الناتو ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي ومع الولايات المتحدة لكنها اجتماعات لم تتوصل الى وسيلة لوأد الخلافات، فيما كانت تتزايد التقارير والمعلومات الامريكية حول حشود عسكرية روسية على الحدود.
بعد ذلك، أعلن بوتين إطلاق ما اسماه "العملية الخاصة" في منطقة دونباس في 24 فبراير/شباط 2022، وتمكنت القوات الروسية في بداية الاجتياح، من السيطرة على مساحات واسعة من مقاطعة خيرسون الاستراتيجية الواقعة جنوبي أوكرانيا.
وفي آذار/مارس، عقد الطرفان محادثات برعاية تركية في اسطنبول، لكن الكرملين أعلن في ختامها أنها لم تفض إلى النتائج المرجوة، في وقت كانت الدبابات الروسية قد وصلت الى المشارف الشمالية الشرقية للعاصمة كييف، حيث تعرضت ضواحي ايربين وبوتشا لقصف مكثف، وبدأ يتزايد الحديث عن احتمال اختيار "عاصمة بديلة" في حال سقوط كييف، مثل مدينة لفيف الواقعة في الغرب الأوكراني بالقرب من حدود بولندا.
لكن الروس أعلنوا لاحقاً الانسحاب من بوتشا واربين، ثم تمكنوا في مايو/أيار من السيطرة على ماريوبول، التي عكست تقدما استراتيجيا للقوات الروسية، لما تتمتع به المدينة من أهمية اقتصادية وعسكرية، والميناء الأكثر أهمية على بحر آزوف.
الأمن الغذائي العالمي
ولم يسلم الأمن الغذائي العالمي من تداعيات الحرب، خصوصا أن روسيا وأوكرانيا، من الدول الأكبر في تصدير القمح، وبدأت العديد من دول العالم، خصوصا بين الدول النامية، تتأثر سلباً، إلى أن تم توقيع اتفاق في إسطنبول في شهر تموز/يوليو، يتيح تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود.
وبينما كانت العقوبات الغربية تتوالى على روسيا، أعلن في الشهر نفسه، ان "غازبروم الروسية" قررت القيام بتخفيضات اضافية في إمدادات خط "نورد ستريم 1 " للغاز الى الاتحاد الاوروبي.
مخاوف نووية
أما في شهر أغسطس/آب، فقد بدأ يخيم الخطر النووي بشكل متزايد، حيث تبادلت روسيا وأوكرانيا الاتهامات بخصوص قصف استهدف محطة زابوريجيا النووية، وسط تحذيرات أممية من احتمال وقوع كارثة نووية، تكون اسوأ من كارثة تشيرنوبل (في العام 1986).
ولم تتوقف مفاجآت الحرب، ففي سبتمبر/أيلول، أعلن عن تسرب للغاز في 4 مواقع مختلفة من خط أنابيب "نورد ستريم" في بحر البلطيق، بينما اتهمت موسكو واشنطن بتفجير خط الغاز الذي ينقل الغاز مباشرة من روسيا إلى ألمانيا.
وفي الشهر نفسه، كان الجيش الأوكراني يشن هجمات مضادة في الجنوب قبل أن يخترق الخطوط الروسية في الشمال الشرقي، ويضطر الجيش الروسي الى التراجع من منطقة خاركيف ليفقد السيطرة على مساحات كبيرة كان احتلها بسهولة في بداية الحرب.
وقود الحرب
وبحسب إذاعة "صوت أمريكا" فقد أقر الكونجرس الأمريكي حتى الآن أكثر من 112 مليار دولار من حزم المساعدات لأوكرانيا، وهو ما وصف بأنه الالتزام المالي الأكبر منذ الحرب الامريكية في العراق قبل 20 سنة.
وتزايد في الأسابيع الماضية مؤشرات حملة الدعم التسليحي لأوكرانيا من جانب العديد من الدول الغربية، والتي كانت شملت تزويدها في الشهور الماضية بدفاعات "باتريوت" ودبابات "ليوبارد" و"ابرامز" و"تشالنجر"، وهناك مناقشات دائرة حول احتمال مدها بطائرات "اف-16" وصواريخ بعيدة المدى.
سلاح العقوبات
ومنذ بداية الحرب، فرضت أكثر من 11 ألفا و307 عقوبات على موسكو، مما يجعل روسيا أكثر الدول تعرضا للعقوبات في العالم، إذ استهدفت نسبة 80% من هذه العقوبات أفراداً، وفرضت 18% منها على كيانات، كما شملت العقوبات السفن والطائرات.
وفرضت الولايات المتحدة وحدها أكبر عدد من العقوبات على روسيا حيث بلغت 1948 عقوبة، تليها سويسرا (1777)، ثم كندا (1590)، وبريطانيا (1414)، والاتحاد الأوروبي (1390).
وما تزال لوائح العقوبات الإضافية قيد التداول بين القوى الغربية والتي لم يسلم منها، موسيقيون وفنانون وأدباء ورياضيون وإعلاميون وأثرياء وبرلمانيون، إذ أنها لم تقتصر على القيادات والنخب السياسية والعسكرية.
خسائر الطرفين
ومن ناحية الخسائر، تشير أرقام رسمية صادرة عن وزارة الدفاع الروسية، إلى أن 6 آلاف جندي قتلوا بحسب آخر إحصائية صادرة في أيلول/سبتمبر 2022، بينما من الجهة الاوكرانية بحسب آخر الأرقام الصادرة في كانون الأول/ديسمبر 2022 وصل عدد القتلى الى 13 ألف جندي, بينما أرقام صادرة عن الأمم المتحدة تقول إن عدد القتلى والجرحى من المدنيين بلغ حوالي 18 ألف شخص.
وبحسب تقديرات النرويج، فقد خلفت الحرب ما يقرب من 180 ألف قتيل وجريح في صفوف الجيش الروسي و100 ألف في الجانب الأوكراني، إضافة إلى مقتل 30 ألف مدني.
بوتين وبايدن
ختاماً قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في خطاب أخير له، إن جيشه يحارب حاليا في أوكرانيا "من أجل أراضيه التاريخية"، معتبراً هزيمة روسيا "أمراً مستحيلاً".
كما صادق مجلس الدوما الروسي على تعليق العمل بمعاهدة "نيو ستارت" للحد من الأسلحة الاستراتيجية الموقعة مع الولايات المتحدة، غداة خطاب بوتين الذي اتهم الغرب أيضاً باستخدام النزاع في أوكرانيا لمحاولة القضاء على روسيا.
وفي الجهة المقابلة، زار الرئيس الأمريكي جو بايدن كييف بطريقة وصفت بالسرية، كما ألقى بايدن خطابا في العاصمة البولندية وارسو، خلال لقائه قادة دول "مجموعة بوخارست"، أكد خلاله أن دعم بلاده لكييف سيبقى راسخاً، وأن الالتزام الأمريكي تجاه حلف الناتو واضح، ويتمثل بالدفاع عن كل شبر من اراضي الدول الاعضاء فيه.
والان، يتابع المراقبون والخبراء اقتراب الشتاء من نهايته إذ يتوقعون مع حلول فصل الربيع، قد تشهد الجبهات الشرقية والجنوبية زيادة في حدة المعارك، إما لتأكيد "الانتصار الروسي"، أو لتأكيد "الصمود الأوكراني".
وفي العام الثاني للحرب، يترقب العالم نهاية لهذا الصراع الذي وصف بـ"الأكبر" على الساحة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية، بينما يرجح خبراء استراتيجيون، إمكانية الدخول في حرب استنزاف طويلة قد تمتد لسنوات.