من عين الأسد إلى البيت الأبيض.. 3 محطات عراقية تصقل شخصية نائب ترامب
شفق
نيوز- ترجمة خاصة
كشف
تقرير مطوّل لصحيفة "بوليتيكو" الأميركية، يوم الاثنين، أن تجربة جي دي
فانس في العراق حين كان جندياً شاباً في قوات المارينز، تركت أثراً عميقاً في
رؤيته السياسية ومسيرته لاحقاً وصولاً إلى منصب نائب الرئيس الأميركي.
وبحسب
تقرير للصحيفة الأميركية، ترجمته وكالة شفق نيوز، فإن فانس عاش خيبة أمل كبيرة
خلال خدمته في قاعدة عين الأسد الجوية عام 2005، بعدما لمس التناقض بين شعارات
الحرب الأميركية والواقع على الأرض، وهو ما انعكس لاحقاً على مواقفه المناهضة
للتدخلات الخارجية في السياسة الأميركية.
التقرير
الذي نشر تحت عنوان "مهمة فانس في العراق علمته أكاذيب حكومته"، أوضح أن
"شاباً من مشاة البحرية يدعى جيمس ديفيد هامل (21 سنة) الذي حمل لاحقاً اسم
فانس، وصل في آب/ أغسطس العام 2005، إلى قاعدة عين الأسد الجوية، بمهمة كمراسل
حربي تابع لفرقته العسكرية، حيث كانت مهمته خلال الشهور الستة التالية، مرافقة
الجنود في القاعدة، وتوثيق مهامهم في مقالات قصيرة للمنشورات العسكرية والصحف
المحلية في الولايات المتحدة، لكنه أحيانا كان ينفذ مهمات خارج حدود القاعدة
العسكرية، حاملاً الدفتر والكاميرا والبندقية".
وذكر
التقرير، أنه "قبل بضع سنوات من ذلك، كانت مهمة كهذه ستثير حماسة فانس، عندما
كان مراهقاً من جنوب غرب أوهايو، محباً للكتب، وانضم إلى مشاة المارينز وهو يحلم،
مثلما كتب لاحقاً، بالتوجه إلى الشرق الأوسط لقتل الإرهابيين، ولكن بعد مرور عامين
على تجنيده، بدأ إيمانه بالمهمة الأميركية يضعف".
ووفق
التقرير، فإن "فانس ورفيقه سمعا خلال توقفهما في قاعدة عسكرية في الكويت في
طريقهم إلى العراق، حديثاً في قاعة الطعام بالقاعدة بين مجموعة من الضباط حيث قال أحدهم
إنه بعد عامين ونصف العام من القتال في العراق، فإن المهمة على الأرض توقفت، لأنه
ما أن تقوم القوات الأميركية بالتخلص من المتمردين من إحدى المناطق، فإن هؤلاء
المتمردين أنفسهم، سوف يستعيدون السيطرة على المنطقة نفسها".
وبحسب
التقرير، فإن "فانس استكمل مهمته العسكرية في آذار/ مارس 2006 وعاد إلى
الولايات المتحدة، حيث أنهى تجنيده في قاعدة جوية في ولاية كارولينا الشمالية، إلا
أن الشعور بخيبة الأمل الذي سيطر عليه خلال فترة وجوده في العراق، ظل يشعر به".
وتابع
أن "فانس بعد 14 عاماً لتخرجه من جامعة ولاية أوهايو، وحصوله على شهادة في
القانون من كلية الحقوق في جامعة ييل، نشر مذكراته الأكثر مبيعاً وحصل على وظيفة
مربحة في شركة خاصة، ووصف فانس الذي بات يحمل الاسم الأخير لجدته، التغيير الذي
خلقته الشهور التي أمضاها في العراق على نظرته السياسية حيث قال غادرت إلى العراق
في العام 2005، كشاب مثالي ملتزم بنشر الديمقراطية والليبرالية في دول في العالم".
وأضاف
في مقال نشره في مجلة "ذا لامب" الكاثوليكية في العام 2020، قبل شهور
فقط من إطلاق ترشحه للحصول على مقعد في مجلس الشيوخ في ولاية أوهايو، لقد عدت من
العراق في العام 2006، وأنا متشكك في الحرب والإيديولوجية التي قامت عليها".
ولفت
التقرير، إلى أن "فانس يعتبر أول شخص من المحاربين القدامى، في حروب ما بعد
11 أيلول/ سبتمبر 2001، يفوز بمنصب نائب الرئيس، وأول شخص من المحاربين القدامى
يتولى هذا المنصب منذ نائب الرئيس الأسبق آل جور".
وبين
أن "السنوات الأربع التي أمضاها فانس في المارينز، إحدى أكثر الفترات
التكوينية في حياته الشابة حيث أن التجربة كانت بالنسبة إليه شخصية جداً، وهو روى
في العام 2016، أن الفترة التي أمضاها في الجيش كانت بمثابة نقطة تحول نفسية في
حياته، حيث عالجته مما وصفه لاحقاً بحالة ساحقة من العجز المكتسب الذي أصابه خلال
طفولته المضطربة في ولاية أوهايو".
وواصل
تقرير "بوليتيكو"، بالإشارة إلى أن "الخدمة العسكرية التي أمضاها
فانس كان تأثيرها عميقاً على سياساته وتفكيره فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، وفي
خطاب ألقاه في قاعة مجلس الشيوخ في نيسان/ أبريل 2024، عارض فانس المساعدات
العسكرية الأميركية الإضافية لأوكرانيا، وتطرق إلى خدمته في العراق باعتبارها قوة
دافعة لسياسته الخارجية المناهضة للتدخل".
وقال
"لقد خدمت بلدي بشرف، وشاهدت عندما ذهبت إلى العراق أنني قد تم الكذب عليّ من
خلال الدعاية التي تروج بأن أميركا تخوض حرباً من أجل الحرية والديمقراطية".
وبانتقاداته
للحرب، يحمل فانس أيضاً نفس الازدراء تجاه النخبة الحاكمة في أميركا، والذي أصبح
سمة مميزة لخطابه الشعبوي، حيث قال إن الوعود التي أطلقتها مؤسسة السياسة الخارجية
في هذا البلد، كانت مجرد مزحة، كما أن فانس الآن بعدما أصبح نائباً للرئيس، فأنه
يستخدم الانتقادات للتأثير على تنفيذ السياسة الخارجية لإدارة ترامب، وهو باعتباره
الزعيم الفعلي للجناح المناهض للتدخلات داخل الحزب الجمهوري، وحاول أن يثني ترامب
عن التدخل بشكل مباشر في الصراعات في الخارج.
وبينما
تسعى إدارة ترامب إلى إنهاء الصراعات في أوكرانيا، دعا فانس منذ فترة طويلة إلى
تسوية عن طريق التفاوض، وكذلك في غزة، وفق التقرير، الذي أكد أيضاً أن لدى فانس
فرصة أخرى للضغط على قضية مناهضة التدخل على الساحة الدولية.
كما
أن التأثيرات الإيديولوجية الأخرى لخدمته العسكرية في العراق، تمتد إلى ما هو أبعد
من السياسة الخارجية حيث أن فلسفته السياسية الأوسع صارت تتمثل في التشكيك في
النخب السياسية، والعداء تجاه وسائل الإعلام، والنظرة للديمقراطية الليبرالية وحتى
أفكاره المقيدة حول الهجرة والمواطنة، بحسب التقرير.
ورأى
التقرير، أن "فانس في العام 2004، كان في كثير من الأحيان يلعب دور الجمهوري
المحافظ التقليدي حيث كان يدافع عن قرار إدارة جورج بوش بخوض الحرب على العراق
وهدفها المتمثل في تسليم الديمقراطية للعراقيين، لا سيما أن فانس كان مهتماً أيضاً
بالأفكار التي تحرك السياسة المحافظة كما تأثر بشكل خاص بكتابات (الملحدين الجدد)
مثل ريتشارد دوكينز، وسام هاريس، وكريستوفر هيتشنز، الذين جادلوا بأن الدين بشكل
عام والإسلام الراديكالي بشكل خاص كان بمثابة قوة تقسيم في العالم".
وعندما
وصل فانس إلى قاعدة عين الأسد الجوية في آب/ أغسطس 2005، كانت ما تزال في وسط
منطقة حرب، وبمجرد وصوله تلقى إنذاراً للاختباء في الملجأ بسبب القذائف، القاعدة
التي شيدتها حكومة صدام حسين خلال حربها مع إيران في ثمانينيات القرن الماضي، كانت
تتسم بجو بائس، وكانت أرضها مليئة بقذائف المقاتلات الروسية المحطمة، وقضى جنود
المارينز أوقات فراغهم في استكشاف المخابئ الخرسانية الكهفية التي تركتها قوات
صدام بعد الغزو الأميركي".
وفي
بعض الأحيان "كان الجنود في القاعدة يواجهون قطعاناً من الكلاب البرية التي
ابتلعت مواداً كيمياوية سامة من المياه الجوفية، مما تطلب منهم استدعاء الشرطة
العسكرية لإطلاق النار على هذه الحيوانات، وهي تجربة تركت انطباعاً سيئاً لدى فانس
بسبب حبه للكلاب"، يقول التقرير.
كما
أن فانس وزملائه من المراسلين "فعلوا ما في وسعهم لاستعراض مهاراتهم الأدبية
بمهارة من خلال الرسائل القصيرة التي كانوا يكتبونها حول المهمات العسكرية،
وتنافسوا على إدخال القليل من الزخارف الأسلوبية في مقالاتهم، وحاولوا الاستلهام
من المراسلين الحربيين السابقين الذين كانوا يتمتعون بمهارات أدبية مثل إرنست
همنغواي، الذي شارك في الإنزال إلى جانب قوات الحلفاء في النورماندي، وهنتر طومسون
الذي كان يراسل صحيفة تابعة لسلاح الجو الأميركي في خمسينيات القرن الماضي".
وحتى
المقالب الفكاهية من زملائه وليالي لعب البوكر، لم تشتت انتباه فانس عن الحقيقة
التي سمعها في قاعة الطعام في الكويت، بأن الحرب لم تكن تسير وفقاً للخطة، وكان
عدد القتلى الأميركيين في ارتفاع، لكن مهمة إطفاء تمرد العراقيين وإحلال ديمقراطية
مستقرة في البلد، لم تحقق أي نتيجة، وفق التقرير.
واعتبر
تقرير "بوليتيكو"، أن "نقطة التحول بالنسبة لفانس جاءت خلال الشهور
الأخيرة من العام 2005، عندما تم إعادة تكليفه مؤقتاً لتوفير الأمن في مراكز
الاقتراع للاستفتاء على الدستور العراقي والانتخابات البرلمانية اللاحقة، وهي الأولى
منذ الغزو الأميركي، وكان فانس يقرأ وقتها كتاباً بعنوان (قضية الديمقراطية) يعتبر
أن الدول الغربية كان لديها التزام أخلاقي وحافز جيوسياسي لتلبية توقعات الشعوب
الخاضعة للأنظمة الشمولية، لإقامة أنظمة سياسية ليبرالية، كلما ظهر، بدءاً من
الشرق الأوسط".
ووفقاً
للتقرير، فإنه "على أرض الواقع في العراق، حيث اجتاح الاستفتاء الدستوري
والانتخابات اقتتالاً طائفياً وعنفاً سياسياً، فإن فانس اكتشف واقعاً مختلفاً
تماماً عن الواقع الذي وصفه شارانسكي، حيث قال فانس وقتها: أنا أقرأ هذا الكتاب
بينما أعمل حرفياً مع موظفي الاقتراع العراقيين وأقول لنفسي يا إلهي، هؤلاء الناس
لا يهتمون بهذا الأمر.. إنهم يساعدوننا، ومعظمهم أشخاص طيبون، لكنهم يساعدوننا حقاً
لأنهم يكسبون مبلغاً لا بأس به من المال".
وأشار
إلى أن "إدارة بوش أشادت وقتها بالانتخابات باعتبارها لحظة فاصلة في قصة
الحرية، إلا أنه بالنسبة لفانس، فإن هذه الانتخابات كانت بمثابة الحضيض، حيث أن
مقابلات وخطابات فانس في السنوات التالية، أظهرت أنه عاد إلى ثلاثة دروس رئيسية
استخلصها من مواجهته للديمقراطية المختلة في العراق".
الدرس
الأول كان أن "خبراء السياسة الخارجية في الولايات المتحدة مخدوعين
بإيديولوجياتهم الخاصة والتي وصفها بأنها كانت غبية، وقد كان المعلقون الأميركيون
في واشنطن يفسرون عدم حماس العراقيين للديمقراطية الغربية بأنهم كانوا منزعجين من
انتهاك الولايات المتحدة لسيادتهم الوطنية، إلا أنه على أرض الواقع، كان فانس يرى أن
معظم العراقيين كانوا يرون أن مجيء القوات الأميركية جعل البلد أقل أماناً وأقل
استقراراً، لذلك أرادوا رحيل الولايات المتحدة".
أما
الدرس الثاني، كان أن "الديمقراطية ليست سلعة يمكن تصديرها بسهولة، فانس كان
يرى أن الولايات المتحدة تحاول زرع الحكم الذاتي في تربة غير مضيافة بالأساس، ولكن
لا يمكنك فرض الديمقراطية على الناس".
في
حين كان الدرس الثالث، هو أن فانس رأى أن "العراقيين لم يكونوا مدفوعين
بالفوائد المجردة لتحديد المصير السياسي بقدر ما كانوا مدفوعين بالحاجة المباشرة إلى
الأمان والاستقرار".
ونقل
التقرير عن فانس قوله إن "العراقيين لا يهتمون حقاً بالديمقراطية كثيراً، ولا
يهتمون بالقدرة على اختيار قادتهم، وهم يريدون فقط بلداً آمناً، هذا كل ما يريدون".
وخلص
التقرير، إلى أن "الشعور بخيبة الأمل كان واضحاً في المقالات الافتتاحية التي
بدأ فانس كتابتها في صحيفة نيويورك تايمز في الفترة التي سبقت نشر مذكراته في ربيع
العام 2016".