الجفاف "يهزم" القمح العراقي ويسقط حلم الاكتفاء الذاتي
شفق نيوز/ حصاد القمح في ديالى 5 أيار 2025
شفق نيوز- ترجمة خاصة
ودع العراق حلم تحقيق الاستقلالية والاكتفاء الذاتي من إنتاج القمح، بعدما نجح في ذلك وسجل فائضاً طوال سنوات، نتيجة تفاقم ظاهرة الجفاف وشح المياه وملوحة الأرض في بلاد كانت جزءاً من الهلال الخصيب الذي نهضت فيه حضارات قبل نحو 10 آلاف عام، بحسب تقرير لوكالة "رويترز".
وذكر التقرير الذي ترجمته وكالة شفق نيوز أن العراق الذي يعتبر تاريخياً من أكبر مستوردي القمح في الشرق الأوسط، سعى إلى تعزيز أمنه الغذائي من خلال الاكتفاء الذاتي من إنتاج القمح، بل إنه نجح في تحقيق فائض من هذا المحصول لثلاثة أعوام على التوالي.
وتابع التقرير أن هذه المكاسب صارت الآن مهددة، حيث تسبب العام الأكثر جفافاً في التاريخ الحديث وانخفاض مستويات المياه إلى درجات قياسية في نهري دجلة والفرات، بتراجع الزراعة، وهو ما قلص المحصول بنسبة تصل إلى 50% خلال الموسم الحالي.
ونقلت "رويترز" عن مزارع القمح معن الفتلاوي، بينما كان يقف إلى جانب قناة ري المجاورة لحقوله الجافة في مدينة النجف، منتظراً الحصول على حصته من المياه، قوله إن "حفر الآبار ليس مجدياً في أرضنا الزراعية لأن المياه مالحة ولا تصلح للزراعة، ولهذا فإننا نعتمد على مياه الأنهار بشكل رئيسي".
وبحسب ممثل منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) في العراق، صلاح الحاج حسن، فإن العراق "يواجه واحدة من أشد موجات الجفاف منذ عقود".
وأوضح التقرير أن الأزمة تكشف عن هشاشة وضع العراق الذي يأتي في المركز الخامس عالمياً من حيث التعرض لمخاطر التغير المناخي، بينما تقول وكالة الطاقة الدولية إن معدل درجات الحرارة يرتفع بنحو نصف درجة مئوية كل 10 سنوات منذ العام 2000، وقد ترتفع الزيادة إلى 5.6 درجة مئوية بحلول نهاية القرن مقارنة مع حقبة ما قبل الثورة الصناعية.
وأكمل التقرير أن العراق يعتمد أيضاً على جيرانه في الحصول على 70% من إمداداته المائية، في حين تستخدم تركيا وإيران السدود عند منابع الأنهار للحصول على حصة أكبر من الموارد المائية المشتركة، بينما تؤكد منظمة "الفاو" أن تراجع كمية المياه التي تصل إلى العراق، يعتبر العامل الأكبر خلف الأزمة الحالية، وهو ما أجبر بغداد على تطبيق نظام تقنين المياه.
ونقل التقرير عن الحاج حسن قوله إن الاحتياطيات المائية، تراجعت من 60 مليار متر مكعب في العام 2020 إلى أقل من 4 مليارات حالياً، موضحاً أن "الزراعة المعتمدة على الأمطار والزراعة المروية، تأثرت بشكل مباشر على مستوى البلد".
وبحسب الحاج حسن أيضاً، فإن نحو 170 ألف شخص نزحوا بالفعل في المناطق الريفية بسبب شح المياه، موضحاً: "هذه ليست مسألة تتعلق بالأمن الغذائي فقط، بل إنها أسوأ عندما ننظر إليها من منظور سبل العيش".
وقال التقرير إن الحكومة العراقية قامت خلال السنوات الماضية بتمويل شراء البذور عالية الإنتاجية ومستلزمات أخرى وحفزت آليات الري الحديث والزراعة الصحراوية لتوسيع المساحات الزراعية، ودعمت شراء الحبوب لصالح المزارعين وإن كانت بكلفة عالية، وأنه برغم ذلك فإن هذه الخطة عززت مخزونات القمح الاستراتيجية إلى أكثر من 6 ملايين طن في بعض المواسم، متخطية قدرة صوامع التخزين في العراق.
وبعدما لفت التقرير إلى أن الحكومة اشترت في أيلول/ سبتمبر الماضي حوالي 5.1 مليون طن من محصول العام 2025، أعلنت أن هذا المخزون يكفي لتلبية الاحتياجات المحلية لمدة عام كامل.
ونقل التقرير عن مصادر أخرى بينها خبير المياه في "مركز التغير المناخي" هاري ستيبانيان، تقديراتهم بأنهم يتوقعون ارتفاع الواردات مجدداً، مما يعرض البلد لخطر أكبر لارتفاع أسعار الغذاء، وما سيسببه ذلك من آثار سلبية على التجارة والميزانيات الحكومية.
ونقل التقرير عن ستيبانيان قوله إن "أزمة الأمن المائي والغذائي في العراق، لم تعد مجرد مشكلة بيئية، بل لها تداعيات اقتصادية وأمنية فورية".
وبحسب تقديرات "الفاو" الأولية، فإن حاجات العراق من واردات القمح للموسم التسويقي 2025-2026، سترتفع إلى حوالي 2.4 مليون طن.
وأشار التقرير إلى أن وزارة الزراعة تخصص 3.5 مليون دونم في المناطق الصحراوية لزراعة القمح باستخدام المياه الجوفية، شريطة استخدام أساليب الري الحديثة.
ونقل التقرير عن مستشار وزير الزراعة مهدي ضمد القيسي قوله إن "الخطة الزراعية كانت على مرحلتين، وهي مشروطة باستخدام تقنيات الري الحديثة".
وأضاف التقرير أن زراعة الأرز التي تستهلك كميات أكبر بكثير من المياه مقارنة بالقمح، فقد جرى حظرها في العراق.
كما نقل التقرير عن مدير هيئة الآبار والمياه الجوفية في جنوب العراق عمار عبد الخالق قوله إن إنتاج طن واحد من القمح، يتطلب حوالي 1100 متر مكعب من المياه، ولهذا يعتبر الاعتماد المتزايد على الآبار لتعويض مياه الأنهار مسألة محفوفة بالمخاطر، إذ إنه في حال استمر سحب المياه دون دراسة علمية فإن الخزين المائي من المياه الجوفية، سيتراجع.
أما المزارع الفتلاوي فقد قلص مساحة زراعة القمح إلى خمس مستواها المعتاد هذا الموسم، وقام بتسريح 8 من أصل 10 عمال كانوا يعملون لديه. ونقل التقرير عنه قوله "نحن نعتمد على مياه الأنهار بصورة رئيسية".