نهاية عصر النفط.. هذا ما سيحدث في حال فاز بايدن
شفق نيوز/ بالعودة إلى شهر مايو/أيار 2016 عندما كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب ما يزال مجرد منافس غير مهم في السباق الرئاسي، أعلن أن الهيمنة على مجال الطاقة ستكون هدفا استراتيجيا في سياسة الولايات المتحدة، وبمجرد وصوله إلى البيت الأبيض، أطلق ترامب حملة شرسة لإلغاء القواعد التنظيمية التي تعيق الإنتاج المحلي، وسعى إلى فتح المزيد من الأراضي الفدرالية والمناطق البحرية لأعمال التنقيب، إلى جانب إزالة الكثير من اللوائح البيئية.
في مقال نشرته صحيفة فورين بوليسي (Foreign Policy) الأميركية، قال الكاتب إدواردو كامبانيلا إنه في ديسمبر/كانون الأول 2017، أي بعد بضعة أشهر من إعلانه انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، أوضح ترامب من خلال وثيقة إستراتيجية الأمن القومي أن الولايات المتحدة لن تتمكن من فرض هيمنتها على قطاع الطاقة بشكل متزامن مع مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، وإنما ستركز بدلا من ذلك على مواجهة أجندة الطاقة المضادة للنمو التي تضر بالاقتصاد الأميركي ومصالح أمن الطاقة.
وإذا أعيد انتخابه، سيواصل ترامب جهوده الرامية لدعم صناعة النفط المحلية وإزالة القيود التنظيمية مع حرصه على الاحتفاظ ببعض النفوذ على تحالف أوبك بلس (+opec) بفضل صلته القوية بالقيادة السعودية، وذلك لمنع الأسعار من الانخفاض إلى ما دون نقطة معينة.
أما إذا فاز منافسه الديمقراطي جو بايدن، فإنه من المنتظر أن يضع قضايا المناخ والبيئة على رأس جدول أعماله السياسي من خلال تعزيز الاستثمارات الخضراء وإعادة تنظيم صناعة النفط الصخري والعودة إلى اتفاقية باريس، ومن المرجح أن يعتبر المستثمرون جهود إدارته من أجل إبرام صفقة خضراء جديدة، إيذانا بنهاية عصر الطاقة الذي يهيمن عليه النفط، مما سيؤدي إلى هبوط أسعار النفط، وهو الأمر الذي من شأنه أن يقلب موازين عالم الطاقة.
إعادة ترتيب صناعة الطاقة
تعكس إستراتيجيات المرشحين المتباينة تجاه تغير المناخ المواقف المختلفة جذريا للناخبين الجمهوريين والديمقراطيين تجاه هذه القضية، ووفقا لاستطلاع حديث أجراه مركز بيو، فإن نسبة الأميركيين الذين يعتقدون أن تغير المناخ العالمي يمثل تهديدا رئيسيا لرفاهيتهم، قد نمت من 44% في 2009 إلى 60% في 2019.
ويمثل الديمقراطيون الفئة الأكثر قلقا بشأن هذه المسألة، في حين لم يتغير موقف الجمهوريين تجاهها، ويعتبر 9 من كل 10 ديمقراطيين قضية تغير المناخ تهديدا رئيسيا للأمة الأميركية، في حين يعتقد 3 جمهوريين من أصل 10 أن هذا الملف مضر باقتصاد البلاد.
بالنظر إلى رأي قاعدته الانتخابية حيال هذه المسألة، أنكر ترامب ظاهرة الاحتباس الحراري، وحاول تهدئة مخاوف شركات النفط ومقاومة جهود المجتمع الدولي للسيطرة على انبعاثات الكربون، وقد وصف تغير المناخ بأنه "خدعة باهظة الثمن".
ووفقا لمعهد بروكينغز، تبنت إدارة ترامب منذ 2017 نحو 74 إجراء تنظيميا ساهمت في تدهور البيئة، وحسب النسخة الأخيرة من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي، كانت فترة التسعينيات من العقود الأكثر دفئا، في حين كانت السنوات من 2015 إلى 2019 الفترة الأكثر دفئا على الإطلاق، ويعتبر عام 2019 ثاني أكثر الأعوام دفئًا على الإطلاق.
إن عدم التزام الولايات المتحدة بتقليص انبعاثات الكربون يعود إلى ما قبل رئاسة ترامب، ولم تنخفض الانبعاثات بشكل كبير إلا خلال العقد الماضي، لكن الفجوة مع البلدان الأوروبية لا تزال كبيرة، ومن المرجح أن تتسع الفجوة إذا فاز ترامب بولاية ثانية، حيث ستظل هيمنة الطاقة من المبادئ التوجيهية لإدارته.
وبهدف دفع الإنتاج المحلي، يرى الكاتب أنه من المرجح أن يحاول ترامب إكمال جدول أعماله المتعلق بإلغاء القيود التنظيمية وتقييد حق الولايات الأميركية في تجاوز الحد الأدنى من المعايير البيئية الفدرالية، كما سيعطي الأولوية لإنتاج الوقود الأحفوري المحلي على حساب مصادر الطاقة المتجددة، وسيسمح بإنشاء مشاريع جديدة لتصدير الغاز الطبيعي المسال، وتعد سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ ضرورية ليتمكن ترامب من تحقيق أهدافه ويُعين سياسيين موالين له في الوكالات الفدرالية التي تضطلع بمهام إلغاء التدابير التنظيمية.
تعهدات بايدن
إذا فاز بايدن، سيشكل إبرام الصفقة الخضراء الجديدة بهدف وصول الولايات المتحدة إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، أحد أهم المعالم التي ستميز فترة رئاسته. وعلى الصعيد المالي، وعد بايدن باستثمار 1.7 تريليون دولار في مشاريع تهدف إلى إزالة الكربون من الاقتصاد الأميركي، وبشكل خاص، شجّع بايدن بعث استثمارات ضخمة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتحسين كفاءة قطاع الطاقة وزيادة اعتماد وسائل توليد الكهرباء النظيفة.
وتعهد بايدن بإحداث ثورة ثانية في قطاع السكك الحديدية من خلال الاستثمار في القطارات السريعة وجعلها بديلاً أفضل للشاحنات عندما يتعلق الأمر بنقل البضائع. كما وعد بحظر إصدار تصاريح حفر جديدة في الأراضي والمياه الفدرالية.
من المحتمل أن تصبح الحرب ضد تغير المناخ جزءا لا يتجزأ من سياسة بايدن الخارجية، وقد تعهّد بالانضمام إلى اتفاقية باريس وعدم السماح لدول مثل الصين "بالتلاعب بالنظام من خلال التحول إلى وجهة مفضلة بالنسبة للشركات المضرة بالبيئة".
كما طالب بايدن بفرض حظر عالمي على دعم الوقود الأحفوري ودعم تصدير وسائل الطاقة النظيفة ومبادرات الاستثمار في المناخ في جميع أنحاء العالم.
إن قدرة بايدن على الضغط من أجل إبرام صفقة خضراء جديدة تعتمد بشدة على مقاعد الديمقراطيين في الكونغرس، لأن تنفيذ خطته يقتضي الحصول على ميزانية جديدة، تحتاج بدورها إلى موافقة الكونغرس. وحتى بافتراض فوز الديمقراطيين بكل من الكونغرس والبيت الأبيض، فإن الانتقال نحو مصادر الطاقة المتجددة سيستغرق سنوات عدة حتى يتحقق.
وقد لا تؤدي جهود إعادة تنظيم صناعة النفط الصخري إلى فرض حظر على عمليات استخراج الوقود الأحفوري بالتصديع المائي، وحيال هذا الشأن، صرح بايدن بأنه "لن يحظر سوى هذا النوع من تقنيات الحفر على الأراضي الفدرالية، والتي تمثل جزءا صغيرا من إجمالي مشاريع استخراج النفط والغاز".
ولكن من المفارقات أن إرساء الولايات المتحدة اقتصادا صديقا للبيئة يمكن أن يمنح الطلب على النفط في البلاد دفعة كبيرة، لأن النفط سيظل الطاقة المعتمدة في تنفيذ العديد من المشاريع الاستثمارية، فعلى سبيل المثال، سيتطلب بناء بنية تحتية صديقة للبيئة استخدام معدات تعمل بالنفط.