"أغلبها غير متطورة".. ما سرّ استئثار الشركات الصينية على العقود النفطية في العراق؟

"أغلبها غير متطورة".. ما سرّ استئثار الشركات الصينية على العقود النفطية في العراق؟
2024-05-15T20:31:25+00:00

شفق نيوز/ يسعى العراق إلى جذب استثمارات بمليارات الدولارات لتطوير قطاع النفط والغاز، في الوقت الذي يتطلع فيه إلى زيادة الإنتاج المحلي من البتروكيمياويات ووقف واردات الغاز من إيران المجاورة التي تعد أساسية حالياً لإنتاج الطاقة.

وينتقد الخبراء الذين تحدثوا لوكالة شفق نيوز، استئثار الشركات الصينية على عقود جولات التراخيص التي في أغلبها ليست شركات متطورة في مجال تكنولوجيا النفط، وكان من الأفضل حصول تنوع في الشركات، والإتيان بشركات غربية بدل الصينية.

وتنص المادة 111 من الدستور العراقي على أن النفط والغاز ملك للشعب العراقي، لذلك لا يجوز المجيء بشركات أجنبية لتمتلك حصة من هذه الحقول، وإنما وفق عقود خدمة واضحة، لكن ما يحصل حالياً هو تجاوز على هذه المادة الدستورية، بحسب ما يقول خبراء في الشأن النفطي.

وفي 11 آيار/ مايو الجاري، فازت شركات صينية بعقود للتنقيب في خمسة حقول عراقية للنفط والغاز، ضمن مشاريع ملحق جولة التراخيص الخامسة (التكميلية)، وجولة التراخيص السادسة، وتهدف جولة التراخيص في المقام الأول إلى زيادة إنتاج الغاز للاستخدام المحلي.

وتأهلت أكثر من 20 شركة لجولة التراخيص، بما يشمل مجموعات أوروبية وصينية وعربية وعراقية.

ولكن كان ملحوظاً عدم وجود شركات نفط أمريكية كبرى، حتى بعد أن التقى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بممثلين عن شركات نفط أمريكية خلال زيارة رسمية للولايات المتحدة الشهر الماضي.

هيمنة صينية

وباتت "الهيمنة الصينية" واضحة على حقول النفط العراقية، حيث أصبحت هي المشغل الرئيس في 13 حقلاً نفطياً وغازياً في البلاد، وفق الخبير الاقتصادي، نبيل المرسومي.

ويوضح المرسومي في منشور على "فيسبوك" في 11 آيار/ مايو الجاري اطلعت عليه وكالة شفق نيوز، أنه "فازت شركات صينية بخمسة حقول ضمن جولتي التراخيص الخامسة والسادسة. اذ فازت مجموعة تشونغمان بتطوير حقل شرقي بغداد - الامتدادات الشمالية إلى جانب حقل الفرات الأوسط الذي يمتد بين محافظتي النجف وكربلاء".

ويضيف "وفازت مجموعة (يونايتد إنرجي) الصينية باستثمار حقل الفاو في البصرة، بينما فازت شركة (تشنهوا) الصينية بتطوير حقل القرنين على الحدود بين العراق والسعودية. كما فازت شركة (جيو-جيد) الصينية بتطوير حقل زرباطية في محافظة واسط".

ويبيّن "وبذلك أصبحت الصين هي المهيمن والمشغل الرئيس في 13 حقل نفطي وغازي في العراق".

اعتادت الوضع العراقي

بدوره، يوضح عضو لجنة النفط والغاز النيابية، كاظم جرو، سبب "الهيمنة الصينية" بأن "الشركات الصينية تقبل بأرخص الأثمان عن الأسعار السائدة، كما أنها تعمل تحت أي ظرف نتيجة تطبعها على الوضع الأمني والتقلبات الجوية في العراق، لذلك دخلت الصين إلى هذه المشاريع".

ويلفت جرو خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن "الشركات الأجنبية لا تزال متخوفة من الوضع الأمني، والمستثمر لا يحبذ الاستثمار في العراق في ظل المشاكل النفطية الدائمة إلى جانب المشاكل الاجتماعية والعشائرية في مناطق عملها، فضلاً عن تظاهرات العاطلين عن العمل أمام تلك الحقول، لذلك ترفض الشركات الأجنبية العمل في هكذا أجواء".

وفيما يتعلق بالشركات العراقية، يقول إنه "لا توجد في العراق شركات محلية ذات إمكانية مادية تؤهلها للعمل في الاستخراج، حيث إن الأمر لا يقتصر على العقول الفنية فقط، بل يتطلب أموالاً لأن الشركات الأجنبية هي من تقوم بالصرف على كل معدات الاستخراج لحين التصدير، وأحياناً تقوم بالتصدير وتتأخر الدفعات المالية لها، وقد تسدد تلك الدفعات بالتقسيط، ولا توجد شركات عراقية قادرة ولها تمويل أو رأس مال يؤهلها للعمل في هكذا مشاريع ومن ثم استلام الأموال".

يذكر أن رئيس مجلس النواب بالإنابة، محسن المندلاوي، دعا في 27 آذار/ مارس الماضي، الشركات الصينية لتنفيذ مشاريع استثمارية طويل الأجل وتعاون مستدام في العراق، مؤكداً دعمه لتشريع القوانين التي تسهم بتدفق الشركات الرصينة إلى البلاد.

وقال المندلاوي في بيان ورد لوكالة شفق نيوز، خلال لقائه بعدد من رؤساء الشركات الصينية، إن "العراق يشهد تنافساً بين كبرى الشركات العالمية الرصينة للاستثمار في مختلف المجالات والقطاعات".

وأضاف أنه جرى خلال اللقاء، بحث المشاريع التي تقوم الشركات الصينية بتنفيذها في مجالات الطاقة والبنى التحتية والطرق والجسور وغيرها، ونسب الإنجاز المتحققة فيها، فضلاً عن التحديات التي تواجهها.

وتعهد المندلاوي بتذليل هذه المعوقات ومعالجتها مع الجهات ذات العلاقة.

"تجاوز على الدستور"

لكن في المقابل، يؤكد الخبير في شؤون النفط والطاقة، صلاح الموسوي، أن "الدستور العراقي لا يسمح لشركات النفط الأجنبية أن تكون شركات شريكة للعراق في الحقول النفطية والغازية".

ويوضح الموسوي خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "المادة 111 من الدستور تؤكد على أن النفط والغاز ملك للشعب العراقي، لذلك لا يجوز المجيء بشركات روسية أو أمريكية أو بريطانية أو غيرها بصيغة شركات تمتلك حصة من هذه الحقول، وإنما يجوز المجيء بها وفق عقود خدمة سواء بالحفر أو الإنتاج أو بأي أمور أخرى".

ويضيف "لكن ما يحصل هو تجاوز على هذه المادة الدستورية، حيث بدأ الإتيان بشركات أجنبية وأصبحت لها ملكية في هذه الحقول، كما يحصل في بعض حقول كوردستان حيث تذهب 80% من واردات النفط للشركات التركية".

ويشير إلى أن "الفساد الكبير في العراق هو الذي دفع إلى الإتيان بشركات صينية التي هي في أغلبها ليست شركات متطورة في مجال تكنولوجيا النفط، وكان من الأفضل الإتيان بشركات غربية وأمريكية وغيرها، وتكون هناك مناقصة ويبقى الحقل للحكومة العراقية".

ويتابع "لكن بسبب التعامل الخاطئ مع حقوق ملكية النفط، أصبحت الحقول ملكاً للشركات الصينية والأجنبية الأخرى، بتجاوز على الدستور العراقي".

أسباب الاستئثار الصيني

من جهته، يؤكد الخبير في شؤون النفط والغاز، كوفند شيرواني، أنه "كان من المفضل والمتوقع أن يكون هناك تنوع في الشركات التي حصلت على عقود في جولات التراخيص، ولا تستئثر بها الشركات الصينية مع شركة عراقية واحدة فقط".

ويوضح شيرواني في حديث لوكالة شفق نيوز، أن "سبب استئثار حوالي 7 شركات صينية على 10 عقد يعود إلى أنها تكيفت مع النظام الإداري وكيفية إدارة هذا القطاع وأسلوب جولات التراخيص، وربما تواجد بعضها سابقاً في البلاد أتاح لها فرصة بناء علاقات جيدة مع حلقات إدارية معينة في وزارة النفط العراقية".

ويشير إلى أن "الصين هي أكبر مستورد للطاقة، بالتالي هي تبحث بشكل جاد على استثمارات في الطاقة تضمن لها توريدات بعيدة عن العقوبات الأمريكية التي قد تعرقل نشاطاتها في أماكن أخرى بالعالم".

ويعزز قول شيرواني ما أعلنت عنه شركة تسويق النفط العراقية "سومو"، في 29 كانون الثاني/ يناير الماضي، أن الشركات النفطية الصينية كانت الأكثر عدداً لشراء النفط العراقي خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر 2023.

وذكرت "سومو" في إحصائية نشرتها على موقعها الرسمي واطلعت عليها وكالة شفق نيوز، أن "الشركات الصينية كانت الأكثر عدداً من بين الشركات العالمية الأخرى في شراء النفط العراقي وبواقع 12 شركة من أصل 44 شركة قامت بشراء النفط خلال شهر كانون الأول الماضي".

أما من ناحية عدم الاعتماد على الشركات العراقية، يبيّن الخبير في شؤون النفط والغاز، أن "في السابق كانت هناك دوائر ومؤسسات في وزارة النفط تتولى هكذا أعمال، لكن انقطاع التدريب وعدم مواكبة تقدم التكنولوجيا وتزويد هذه المؤسسات بأجهزة حديثة جعلها تتخلف عن الأمور الجديدة المطلوبة في تطوير وزيادة الإنتاج النفطي، وبالتالي أصبحت وزارة النفط تعتمد في كل هذه الأعمال على شركات أجنبية لغرض الاستكشاف والتطوير واستثمار الغاز وغيرها".

وينوّه شيرواني، "لكن الأمر المفرح، هو أن هناك شركة أهلية عراقية واحدة استطاعت الحصول على ثلاثة عقود، فقد استطاعت هذه الشركة تطوير نفسها وأصبحت لها خبرة في أكثر من مفصل في الصناعة النفطية كالمصافي والإنتاج والأنابيب، لذلك استطاعت بحكم خبرتها أن تحصل على ثلاثة عقود".

ويضيف، أن "هذا الأمر مفرح لأنه يدل على أن بعض الشركات المحلية أصبحت في مستوى متقدم بحيث تنافس الشركات الأجنبية"، داعياً إلى "اعطاء الأفضلية للمنافس للعراقي عند تواجده في هكذا مجالات".

 

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon