إيلام الفيلية.. تراجع فن الـ"هوره" وتحذير من ضياع أحد أهم موروثات زاغروس
شفق
نيوز- ترجمة خاصة
يعد
خفوت صوت الهوره في الحياة اليومية لسكان محافظة إيلام الفيلية في إيران، ناقوس
خطر يهدد تراث زاغروس الثقافي، فهذه الآهة الغنائية العريقة التي رافقت الناس في
الفرح والحزن، وفي الترحال والعودة، تكاد اليوم تغيب عن المشهد.
وجاء
في تقرير لوكالة مهر الإيرانية وترجمته وكالة شفق نيوز، أنه في قلب جبال ودروب
إيلام، حيث تتجاور الطبيعة والإنسان بتناغم قديم، كانت الموسيقى دائما جزءا أصيلا
من الحياة؛ من صوت الناي في صباحات الضباب، إلى غناء النساء أثناء العمل، إلى
الألحان التي تسمع في الأفراح والمآتم، كلها تشكل نسيجا ثقافيا متجذرا في الحياة
اليومية لأهالي هذه الديار.
وتعود
جذور هذه الموسيقى إلى زمن بعيد، حين لم يجد الناس وسيلة للتعبير عن مكنونات
صدورهم إلا عبر صوت يمتد من القلب، حافظوا فيه على الفرح والحزن بين نبرات صوتهم.
ومن بين هذه الأصوات القديمة، تبرز الهوره كأحد أنقى تجليات هذا الإرث، آهة تنبع
من روح الطبيعة ومن التجربة المشتركة لشعوب زاغروس، يحمل سماعها عبق التراب
وذكريات الأسلاف.
الهوره
في جوهرها قصيدة تغنى، تتجلى فيها قدرة المؤدي على امتداد الصوت وتلونه، بما يكشف
أعماق المشاعر الكامنة في وجدان هذه الجبال. فهي ليست مجرد نشيد شعبي، بل انعكاس
للحظات إنسانية صافية تتشكل في سكينة الليالي الجبلية، وتربط المستمع مباشرة بجذور
الثقافة الأصيلة في المنطقة.
وتتجاوز
أهمية الهوره حدود الفن الموسيقي، إذ تؤدي دور «ذاكرة سمعية» تربط الأجيال بجذورهم
التاريخية، وتحفظ تراث إيلام الثقافي من الاندثار. ولطالما كان لهذا الصوت تأثير
عميق في النفوس، فهو يواسي القلوب حين تعجز الكلمات، ويقوي روح الوحدة في
المناسبات الجماعية.
ومع
ذلك، ومع موجة التحولات الثقافية السريعة، تراجع اهتمام الشباب بهذه الآهة
العميقة، إذ بات من الصعب على ذائقتهم الحديثة الانسجام مع امتدادات الصوت وروح
الرواية الأصيلة المتجسدة في الهوره. وهذا ما أدى إلى تراجع انتشارها بينهم رغم
أصالتها وقيمتها الفنية والتراثية.
وعلى
الرغم من الجهود التي تبذلها المؤسسات الثقافية والإعلامية - من تنظيم مهرجانات
محلية وبث متقطع للأعمال التراثية وإنتاج برامج حول الموسيقى الكوردية - فإن هذه
المبادرات لم تنجح بعد في تثبيت مكانة الهوره في وعي الجيل الجديد، ولا في نقلها
من هامش الاهتمام إلى قلب الثقافة المجتمعية.
ومن
الواضح أن الحفاظ على هذا الإرث السمعي يستلزم تدخلا ثقافيا واعيا؛ إذ إن عدم
التعريف به وترويجه بالشكل الصحيح قد يؤدي إلى اندثاره في زحمة الإعلام الجديد.
ومن الضروري أن يتعاون الفاعلون الثقافيون والفنانون والمؤسسات المعنية لإحياء هذه
الآهة مع الحفاظ على روحها وهويتها، عبر أساليب معاصرة تضمن استمرارها في ذاكرة
الأجيال القادمة.
تراجع
حضور الهوره في الحياة اليومية
ونقل
التقرير عن مدير عام التراث الثقافي في إيلام فرزاد شريفي، إن الهوره كانت جزءا من
ذاكرة الطفولة لدى معظم كبار السن في المحافظة، ولا يزال سماعها يعيد إليهم ذكريات
الماضي عند بثها عبر الإذاعة أو في المناسبات المحلية.
وأضاف
شريفي أن الهوره ليست مجرد غناء، بل جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية؛ صوت يرافق
الناس في كل لحظة: في الفرح والحزن، في الأعراس والمآتم، في الترحال والعودة، في
الشوق والأمل، يحمل كل لفظة فيه شحنة من المشاعر والخبرات الإنسانية.
وأشار
إلى أن المشكلة اليوم تكمن في تراجع حضور هذا الصوت الأصيل؛ فالهوره التي كانت
تتردد في البيوت والأزقة أصبحت شبه غائبة، مما يثير القلق من أن تنفصل الأجيال
القادمة عن معناها الحقيقي، وهو ما يمثل خسارة ثقافية لا مجرد فقدان نوع من
الغناء.
الحاجة
إلى تقديم الهوره للجيل الجديد
وأوضح
شريفي أن الجامعات والمراكز الثقافية مطالبة بالاهتمام بهذا الإرث السمعي، فالهوره
ليست ملكا للماضي، بل يمكن أن تكون مصدر إلهام للشباب إذا قدمت لهم بأساليب مبتكرة
تحافظ في الوقت نفسه على هويتها الأصيلة. وأشار إلى أن الهوره مسجلة ضمن قائمة
التراث الوطني في إيران.
ذكريات
الهوره في الماضي
أما
علي نوري، أحد رواد فن الهوره في إيلام، فقال إن الهوره كانت جزءا لا ينفصل عن
حياة الناس سابقا، وكان حضورها قويا في الأفراح والأحزان.
وأضاف
أن الناس كانوا يتجمعون، فيبدأ أحد كبار السن بالغناء، ويستمع الجميع بخشوع؛ وكان
هذا الصوت العميق يعبر عن المشاعر دون حاجة إلى لغة رسمية، ويكون لحظات من الألفة
والسكينة.
وتابع
نوري: "لم تكن هناك وسائل إعلام أو أدوات تواصل، لكن هذه الأهازيج كانت تغني
حياة الناس وتحول سهراتهم إلى ذكريات لا تنسى. أما اليوم ومع قلة سماع هذه
الأصوات، فإن الخوف من نسيان هذا التراث يزداد، لأن الهوره ليست مجرد فن، بل جزء
من الهوية التاريخية والثقافية لأهالي المنطقة".
الهوره
تستحق مكانة وطنية في الثقافة الموسيقية
وقال
معاون الشؤون الفنية في دائرة الثقافة بإيلام حسن أسدي نيا إن الهوره تعد دون
مبالغة "أم" الأهازيج القديمة في هذه المنطقة، إذ تعود جذورها إلى أعماق
التاريخ، وكانت دائما لغة تعبير وشعور لدى سكان زاغروس.
وأضاف
أسدي نيا أن محافظة إيلام - وخاصة قضاء چوار - لعبت دورا محوريا في حفظ هذا الإرث،
حيث تمتلك المنطقة أنواعا فريدة من الهوره جعلتها أحد المراكز المعروفة لهذا الفن
على المستوى الوطني.
وأوضح
أن المنطقة كانت ولا تزال محط اهتمام الباحثين وعشاق الموسيقى الشعبية.
وأشار
إلى أن إقامة أول مهرجان وطني للألحان الشعبية والمحلية كان ثمرة عامين من
التخطيط، وقد أقيم هذا العام في چوار مع تركيز خاص على الهوره، وشهد مشاركة
موسيقيين بارزين من غرب البلاد ومن العاصمة، مما أضفى عليه قيمة خاصة.
وتابع
أن الإقبال الشعبي الواسع أظهر أن الهوره لا تزال تملك قدرة كبيرة على إحياء
الروابط الثقافية وتعزيز التواصل بين الأجيال، ويمكنها رغم قدمها أن تؤدي دورا
مهما في المشهد الثقافي الحالي.
وأكد
أسدي نيا أن هذا المهرجان لم يكن مجرد فعالية فنية، بل خطوة لرد الجميل لتراث كاد
ينسى، لافتا إلى أن حضور الشباب في المهرجان أثبت أن الهوره ما زالت حية في وجدان
الجيل الجديد.
وختم
بالقول إن الحفاظ على الهوره يتطلب تعاونا بين الرواد والشباب والمؤسسات الثقافية
والجمهور، لضمان بقاء هذا الفن الأصيل ضمن الموروث الثقافي للمجتمع.
وخلص
التقرير الى ان الهوره، بوصفها رمزا لهوية وثقافة إيلام الفيلية، تستحق أن تصان
وتعزز، وأن تقدم للأجيال الجديدة بوصفها إرثا حيا يمكن أن يكون جزءا من التعليم
والإنتاج الفني والحياة الاجتماعية، كي يستمر هذا الصوت العريق في
وصل الماضي بالحاضر.