لماذا يشهد يهود بريطانيا أكبر تحول لهم منذ 60 عاماً؟

لماذا يشهد يهود بريطانيا أكبر تحول لهم منذ 60 عاماً؟
Getty Images
Mon, 22 Dec 2025 12:08:07 GMT
bbc news arabic header storypage
يهود بريطانيا
Getty Images

قال فيل روزنبرغ، رئيس الهيئة التمثيلية ليهود بريطانيا "كانتا سنتين بالغتي الصعوبة. وأعتقد أن هويتنا اليهودية باتت تُحمّل بثقل أكبر بكثير هذه الأيام، نظراً لما صاحب هذه الفترة من ألم".

ويتابع قائلاً إن الصراع في الشرق الأوسط كان له تأثير عميق على المجتمع اليهودي في بريطانيا.

وأضاف: "لقد كان لهجمات السابع من أكتوبر وقع شخصي للغاية، لا سيما لأن من بين القتلى في الهجوم الأولي يهوداً بريطانيين، إضافة إلى احتجاز أشخاص لهم صلات ببريطانيا كرهائن. وفي الحرب التي تلت ذلك، كان الدمار في غزة مؤلماً جداً، ثم جاءت موجة الخطاب العدائي التي أحاطت بالصراع كله، والزيادة الضخمة في خطاب معاداة السامية، وصولاً إلى هجمات دموية".

إن حادثة إطلاق النار المروعة على شاطئ بونداي في سيدني، التي استهدفت يهوداً خلال احتفالات حانوكا (عيد الأنوار)، وكذلك الهجوم على كنيس في مانشستر الإنجليزية في أقدس أيام التقويم اليهودي، يوم الغفران (يوم كيبور)، إلى جانب أحداث الشرق الأوسط خلال العامين الماضيين، تركت مجتمعة تداعيات واسعة النطاق على ما يقدر بنحو 300 ألف يهودي في بريطانيا.

وُجهت إلى نافيد أكرم، المشتبه به الناجي من حادث إطلاق النار الجماعي في سيدني، 59 تهمة من بينها 15 تهمة قتل وتهمة واحدة بارتكاب عمل إرهابي
Getty Images
وُجهت إلى نافيد أكرم، المشتبه به الناجي من حادث إطلاق النار الجماعي في سيدني، 59 تهمة من بينها 15 تهمة قتل وتهمة واحدة بارتكاب عمل إرهابي

ومنذ حرب عام 1967 في الشرق الأوسط، يصعب التفكير في نقطة تحوّل حادة مماثلة للمجتمع اليهودي في بريطانيا، نقطة أثّرت بهذا الوضوح في تفاصيل الحياة اليومية.

لقد طرأت تغيّرات على شعور كثيرين بالأمان، وعلى مدى إحساسهم بالارتباط ببقية أفراد المجتمع، وإلى جانب ذلك، ثمة مؤشرات على تحوّلات في الخطاب المتعلق بإسرائيل، بما في ذلك بروز انقسام جيلي بدأ يتضح بين يهود بريطانيا.

وعلى الرغم من التنوع الكبير في الآراء داخل المجتمع، فإن هذه هي الطرق التي عبّر من خلالها عدد من يهود بريطانيا عن شعورهم بأن حياتهم تغيّرت خلال العامين الماضيين.

جرائم الكراهية ومعاداة السامية

يقول بن دوري، البالغ من العمر 33 عاماً ويعيش في لندن: "كان هناك شعور إلى حد ما بأن الأصدقاء اليهود أقدر على التفهم. لقد انتهى بي الأمر إلى تكوين المزيد من الصداقات مع اليهود، والانخراط بشكل أكبر في المجتمع اليهودي".

وبجانب دوره الأكبر في كنيسه، أصبح بن دوري أنشط في الحملات ضد معاداة السامية، ويرجع جزء من ذلك إلى التغير الكبير في شعوره بالأمان الشخصي.

وأضاف قائلاً: "أعرف يهوداً، إذا كانوا ذاهبين إلى الكنيس، يحتفظون بالكيباه (القبعة اليهودية) في جيوبهم حتى لحظة دخولهم (الكنيس)، ويخلعونها فور خروجهم".

يقول بن دوري إن بعض الناس يخفون الكيباه الخاصة بهم حتى يدخلوا الكنيس بسبب مخاوف أمنية
NurPhoto via Getty Images
يقول بن دوري إن بعض الناس يخفون الكيباه الخاصة بهم حتى يدخلوا الكنيس بسبب مخاوف أمنية

يقول بن دوري إنه كان "مرعوباً لكن غير متفاجئ" عقب الهجوم الذي وقع في أستراليا قبل أكثر من أسبوع، مضيفاً أن الحادث جاء في سياق نمط من "الهوس العالمي بمعاداة السامية".

وأضاف قائلاً: "لطالما كان من الصعب الشعور بالأمان في التجمعات المرتبطة بإسرائيل، لكن الآن يشعر اليهود بأنهم تحت تهديد دائم، حتى في التجمعات الثقافية والدينية غير السياسية".

وقد أصبح معنياً بالسياسة أكثر خلال العامين الماضيين، وأكثر صراحة وحماساً في دعمه لإسرائيل. ويرى أن هذا إلى حد ما رد فعل ناتج عن ارتفاع معدّلات كراهية اليهود.

فقد وقعت 1,543 جريمة كراهية استهدفت اليهود في إنجلترا وويلز لغاية مارس/ آذار من عام 2023، لتصل إلى 3,282 بحلول مارس/ آذار من عام 2024، وذلك بحسب وزارة الداخلية البريطانية.

وتظل بيانات الشهور الاثني عشر التالية غير مكتملة، لكن كوميونيتي سيكيوريتي تراست (صندوق الأمن المجتمعي)، وهي مجموعة تتابع عدد الحوادث المعادية للسامية في المملكة المتحدة منذ نحو 40 عاماً، تقول إن المستويات خلال العامين الماضيين هي الأعلى منذ بدء تسجيلها.

ويقول بن دوري: "اليهود الذين أعرفهم أصبحوا مدركين أكثر من أي وقت مضى لحاجة إسرائيل إلى أن تكون آمنة، في حال اضطروا للهروب إلى هناك".

يقول بن دوري (يسار) إنه شعر "بالرعب، لكنه لم يتفاجأ" بالهجوم الذي وقع على شاطئ بونادي. وتقول تاش هايمان (وسط) إنها تشعر اليوم بأمان أقل كيهودية في المملكة المتحدة، ووصفت لافونا زاروم (يمين) كيف تخلى عنها بعض أصدقائها
BBC
يقول بن دوري (يسار) إنه شعر "بالرعب، لكنه لم يتفاجأ" بالهجوم الذي وقع على شاطئ بونداي، وتقول تاش هايمان (وسط) إنها تشعر اليوم بأمان أقل كيهودية في المملكة المتحدة، ووصفت لافونا زاروم (يمين) كيف تخلى عنها بعض أصدقائها

ومنذ قيام دولة إسرائيل عقب المحرقة (الهولوكوست)، ظلّت فكرة أن إسرائيل مطلوبة كـ"ملاذ آمن" قائمة لدى العديد من اليهود، وقد تعزز هذا الشعور بسبب الأحداث الأخيرة، وفقاً للعديد من الأشخاص الذين تحدثت إليهم.

وتقول الديم لويز إلمان، النائبة السابقة في البرلمان: "لم أشعر أبداً بالضعف كيهودية كما أشعر الآن، وهذا الشعور أجد أنه يتكرر لدى كل من أتحدث إليهم في المجتمع اليهودي".

وقد غادرت حزب العمال في عام 2019 بسبب مخاوف بشأن معاداة السامية داخل الحزب، ثم عادت إليه في عام 2021، وهي أيضاً الرئيسة المستقلة المشاركة لبورد أوف ديبيوتيز، أكبر هيئة تمثل اليهود في المملكة المتحدة.

وكانت الديم لويز تتردد على كنيس هيتون بارك في شمال مانشستر، حيث تزوجت، وحيث أقيم حفل بلوغ ابنها سن التكليف الديني (بار ميتزفاه) هناك أيضاً.

وقد وقع هجوم في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي في هذا الكنيس نفسه، وأسفر عن وفاة ضحيتين، وإصابة ثلاثة آخرين بجروح خطيرة استدعت العلاج في المستشفى.

وكان ارتباطها الوثيق بالكنيس قد زاد من شعورها بالصدمة، وتقول: "الناس يشعرون بقلق متزايد، ويشعرون بالتوتر والوحدة".

وتضيف: "أجد هذا الأمر مؤلماً جداً".

أسفر الهجوم على كنيس هيتون بارك في أكتوبر عن مقتل شخصين وإصابة ثلاثة آخرين بجروح خطيرة
Getty Images
أسفر الهجوم على كنيس هيتون بارك في أكتوبر عن مقتل شخصين وإصابة ثلاثة آخرين بجروح خطيرة

وتوضح أن كل ما سبق، دفعها إلى موقف مناصر أكثر صرامة لإسرائيل، وتقول: "أنا على وعي تام بأن عدداً من الناس، لا سيما الشباب، ينظرون إلى هذا الأمر بطريقة مختلفة، لكنّهم يمثلون أقلية واضحة".

ومن بين من توصلوا إلى استنتاج مختلف تماماً بشأن إسرائيل، تاش هايمان وهي مخرجة مسرحية تبلغ من العمر 33 عاماً من لندن.

ورغم أن العامين الماضيين، كما تشرح، جعلاها تشعر بارتباط أكبر بيهوديتها، على سبيل المثال، أصبحت تميل أكثر إلى تقاليد النشاط اليهودي إلا أنها لا تشعر بتأييد أكبر لإسرائيل.

وتقول: "نشأت في سياق ديني كانت يهوديتي فيه مرتبطة بشكل وثيق بدولة إسرائيل، لكنني بدأت فعلياً أشكك في ذلك، الخلاصة بالنسبة لي الآن هي أن تصرفات دولة إسرائيل تجعلني أشعر بأمان أقل، وليس أماناً أكثر".

وتضيف قائلة: "بسبب ما يفعلونه في غزة أشعر بأمان أقل في بريطانيا"، وترفض فكرة أن إسرائيل تشكل "ملاذاً آمناً" لليهود البريطانيين.

تقول تاش هايمان إن السنوات الأخيرة عززت ارتباطها بهويتها اليهودية وليس دعمها لإسرائيل
AFP via Getty Images
تقول تاش هايمان إن السنوات الأخيرة عززت ارتباطها بهويتها اليهودية وليس دعمها لإسرائيل

وقد قُتل نحو 1200 شخص عندما هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2023، وتم أخذ أكثر من 250 شخصاً كرهائن، ومنذ ذلك الحين، وفقاً لوزارة الصحة التابعة لحماس في غزة، قُتل أكثر من 70 ألف فلسطيني نتيجة العمليات العسكرية الإسرائيلية.

وتقول تاش إنه بسبب افتراض البعض أن اليهود يدعمون أفعال إسرائيل، من المهم أن يوضح أولئك الذين لا يوافقون على ذلك وجود معارضة لما تقوم به إسرائيل داخل المجتمع اليهودي.

وهي اليوم تتردد على كنيس يهودي، لكنها أحاطت نفسها بمن يشبهونها سياسياً، مشيرة إلى أن هجمات حماس والحرب في غزة جعلت النقاش المتوازن بين يهود بريطانيا حول إسرائيل أكثر صعوبة.

وتضيف: "بالتأكيد يبدو أن هناك استقطاباً، وعجزا حقيقياً عن إجراء هذا الحوار عبر الانقسام، لأن الفجوة كبيرة جداً".

الصهيونية: فجوة بين الأجيال

وتشير بيانات معهد بحوث السياسات اليهودية (JPR)، وهو مركز فكر بريطاني، جُمعت قبل هجوم مانشستر ونُشرت في أكتوبر/تشرين الأول، إلى وجود فجوة بين مواقف الأجيال بين يهود بريطانيا بشأن وجهات نظرهم تجاه إسرائيل.

وأظهرت الدراسة التي شملت 4,822 يهودياً بريطانياً فوق سن 16 أن النسبة الإجمالية لمن يعرّفون أنفسهم كـ"صهاينة" بلغت 64 في المئة، لكن بين الفئة العمرية 20-30 عاماً، لم تتجاوز النسبة 47 في المئة. وفي الوقت نفسه، وصف 20 في المئة من هذه الفئة أنفسهم بأنهم "غير صهاينة"، و24 في المئة بأنهم "معادون للصهيونية" (تُرك للمشاركين حرية تفسير هذه التسميات).

وقد ارتفعت نسبة اليهود الذين يعرّفون أنفسهم كمعادين للصهيونية منذ 2022 في جميع الفئات العمرية، كما اتسعت الفجوة بين الفئات الأكبر والأصغر سناً، فعلى سبيل المثال، قال 3 في المئة من الذين تتراوح أعمارهم بين 50 و59 عاماً في استبيان 2022 إنهم معادون للصهيونية، وهو ما يمثل فجوة قدرها 10 نقاط مقارنة بفئة 20-29 عاماً.

وبحلول عام 2024، أصبحت الفجوة 17 نقطة حيث قال 7 في المئة من الفئة العمرية 50-59 عاماً إنهم معادون للصهيونية، مقارنة بـ 24 في المئة للفئة الأصغر سناً (ولا تتوفر أرقام مقارنة حسب العمر على المدى الطويل).

تشير البيانات الصادرة عن معهد بحوث السياسات اليهودية إلى وجود فجوة جيلية في الآراء حول إسرائيل بين اليهود البريطانيين
AFP via Getty Image
تشير البيانات الصادرة عن معهد بحوث السياسات اليهودية إلى وجود فجوة جيلية في الآراء حول إسرائيل بين اليهود البريطانيين

وقام روبرت كوهين، وهو طالب دكتوراه في كلية كينغز لندن، بإجراء أبحاثه الخاصة حول اليهود في المملكة المتحدة الذين أصبحوا الآن ينتقدون أفعال إسرائيل في غزة، وما الذي دفعهم لتبني هذا الموقف.

وبين فبراير/ شباط من عام 2023 وأكتوبر/ تشرين الأول من عام 2024، أجرى مقابلات مع 21 شخصاً اتخذوا هذا الموقف، وحاول تسليط الضوء على سبب هذه الفجوة الجيليّة المحتملة.

وهو يعتقد أن موقف بعض الشباب كان نتيجة لما وصفه بأنه "أخلاقيّاتهم اليهودية البريطانية" حول قضايا مثل العدالة والخير، التي اجتمعت مع "حساسيات جيل زد".

ويقول: "نعلم أن جيل زد يتميز بالأصالة، والاهتمام الكبير بقضايا العدالة، وقد لاحظت في عينة بحثي اندماج هذه الصفات مع أخلاقيات نشأتهم اليهودية".

وأشار آخرون تحدثت إليهم، بمن فيهم بن دوري، إلى أن الانقسام بين الأجيال حول الآراء المتعلقة بإسرائيل قد يكون له علاقة بقلة ارتباط الشباب المباشر بالمحرقة (الهولوكوست) وعدم إدراكهم لتأثيرها.

تقول الديم لويز إلمان إن الأحداث الأخيرة دفعتها إلى تبني موقف أكثر ثباتاً في دعم إسرائيل، وتضيف: "أدرك تماماً أن عدداً من الناس، وخاصة الشباب، ينظرون إلى هذا الأمر بطريقة مختلفة"
Getty Images
تقول الديم لويز إلمان إن الأحداث الأخيرة دفعتها إلى تبني موقف أكثر ثباتاً في دعم إسرائيل، وتضيف: "أدرك تماماً أن عدداً من الناس، وخاصة الشباب، ينظرون إلى هذا الأمر بطريقة مختلفة"

ويقترح روبرت كوهين أيضاً أن اليهود البريطانيين الذين أجرى معهم مقابلاته، والذين أرادوا التعبير عن معارضتهم لأفعال إسرائيل في غزة، غالباً ما رغبوا في القيام بذلك جنباً إلى جنب مع آخرين من المجتمع يمكنهم فهمهم بشكل أفضل، مشيراً إلى "الكتلة اليهودية" في المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين.

وتحدث أيضاً عن القلق الذي شعر به بعضهم تجاه ردود الفعل غير المتعاطفة مع ضحايا هجمات حماس.

ويقول: "لقد تأثر البعض بوضوح من حقيقة أنهم شهدوا انهياراً كاملاً للتعاطف تجاه الضحايا اليهود الإسرائيليين في 7 أكتوبر".

وباتخاذ موقف ناقد لإسرائيل، اختلف العديد ممن تحدث إليهم روبرت كوهين مع أصدقائهم أو عائلاتهم.

يعتقد روبرت كوهين أن آراء بعض الشباب تعكس مزيجاً من الأخلاق اليهودية البريطانية و"حساسيات جيل زد"
Getty Images
يعتقد روبرت كوهين أن آراء بعض الشباب تعكس مزيجاً من الأخلاق اليهودية البريطانية و"حساسيات جيل زد"

لكن خلال العامين الماضيين أصبح العديد من اليهود البريطانيين الشباب أكثر دعماً لإسرائيل بشكل صارم، وقد يكون لذلك أيضاً تأثير على علاقاتهم مع من حولهم.

"انصرفت عني صديقاتي"

وُلدت لافونا زاروم في إسرائيل ونشأت في لندن، وفي وقت هجمات 7 أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2023، كانت طالبة وقد تم تعيينها حديثاً رئيسة الجمعية اليهودية في جامعة أبردين.

وتتذكر قائلة: "ابتعد عني عدد لا بأس به من الأشخاص، فالفتيات في مجموعة أصدقائي الأساسية، ابتعدن جميعاً عني تدريجياً خلال ذلك الصيف".

وتستذكر شعورها بالعزلة، وصعوبة الحديث مع الكثير من الطلاب غير اليهود عن شعورها تجاه الهجمات في إسرائيل والحرب التي تلتها.

كما شعرت بالإساءة من بعض منشورات وسائل التواصل الاجتماعي لأشخاص تعرفهم، وكان بعض هذه المنشورات عن "عولمة الانتفاضة".

وتقول: "كان الناس يشعرون براحة كبيرة في قول ما يريدون، وكنت حريصة جداً على عدم التطرق إلى هذا الموضوع حقاً، لقد انطويت نوعاً ما على نفسي".

bbc footer storypage
Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon