نوبة كآبة

نوبة كآبة

امير الداغستاني

2025-01-15T21:09:22+00:00

إحساس بالألفة غمرني وأنا أشعر ان احداهنّ تراقبني بصمت، كانت تطيل التحديق بي، وتتغافل كلما نظرتُ إليها ، لم أتضايق من تلك العينين اللتين تتلصصان علي، بل على العكس من ذلك ، على الرغم من إني غالباً ما أتجنب الناس ، وأحاول أن لا أحتك بهم ، ولا أنظر إليهم حتى .

كنتُ منهمكاً حينها بكتابة اخر فصل من فصول كتابي ، خلال إحدى نوبات صحوي، التي تأخذني من عالم الاكتئاب الذي أعانيه منذ سنوات ، والذي أدخلني المصحة مرات عدة ، حيث أقف في كل مرة على حافة الانهيار.

كان وقع نظراتها لطيفاً ، كنسماتٍ باردة وسط صيفٍ لاهب، حضورها كان خفيفاً أشعرني بالبهجة وتمنيت أن لا تنتهي هذه اللحظات.

تساءلتُ مع نفسي : هل تعلم بأني أُعاني من كآبة تدفعني أحياناً إلى التفكير بوضع حد لحياتي ؟! تلك َ الحياة التي بدت وكأنها خيط دخان لم أفهم منها أي شيء ، تظاهرتُ أمامها بأنني إنسانٌ طبيعي على رغم الأرق الذي حرمني النوم لليالٍ عدة ، والذي بدت آثاره واضحة على تقاسيم وجهي الشاحب ، حاولت أن لا أبدو ضعيفاً أمامها وأنا أحاول الوقوف ، سرتُ بإستقامة مقاوماً حالة الدوار التي تجعلني أترنح في سيري . إي وقع تفعلهُ نظرات هذهِ الأنثى؟! إنها تعيدُ خلقي من جديد ، استرجعت خلالها بعض إنسانيتي… لم ينظر إليَّ إنسان منذُ زمنٍ بعيد بهذا الأهتمام ، فهيأتي تجعل الناس تنفرُ من شكلي ويتحاشون النظر إلي ، وأنا بدوري كنتُ أتحاشاهم كي لايثيروني بسخريتهم . هي الوحيدة التي نظرت إلى وجهي الشاحب بهذه العذوبة منذ سنين ، بل أطالت النظر إليه ، ترى ماذا تقول في داخلها عني؟! كنتُ أتوسل إلى نفسي هامساً : رجاءً تماسكي للحظات… لا تترنح أيها الجسد المتعب… أرجوك… إمنحني القوة ولو لدقيقتين فقط… هما دقيقتان لا أكثر . لا أريد أن تنقلب نظرات تلك السيدة من إعجاب وترقب إلى شفقة .

ولكن واأسفاه ، لقد خانتني نفسي اللعينة ، مثلها مثل الآخرين ، خارت قواي ، لم أسيطر على جسدي المنهك ، كان يترنح يميناً وشمالاً ، بدأت نوبة الهلوسة تضربني بسياطها دون رحمة ، كانت نوبة لعينة وعنيفة ، ربما بسبب مشاعري التي حركتها تلك العينين… كان عقلي شارداً وقلبي يكاد يخرجُ من مكانه، وكأن مارداً خبيثاً جثم عليهِ يستمتعُ ضاحكاً بعذابي.

سقطتُ فاقداً وعيي ، هرعتْ الناس إلي ، كنتُ أسمعُ عبارات الشفقة ، وأنا بين الحلم والواقع. كانت تلك السيدة تقف قربي تتأمل وجهي بقلق، أمسكتْ يدي بلطفٍ ، وقالت إلى الناس المتجمهرين حولي ، بصوت كلهُ ثقة ، لا تقلقوا… سيستعيد وعيه تدريجياً ، أنا ممرضةٌ في المصحة التي يتعالج بها هذا الرجل .

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon