من يجرب الكورد في بغداد ايضاً؟
اسو علي فرج
منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 وفق النظام الملكي حتى سقوط هذا النظام عام 1958، كان نصيب الشعب الكوردي الذي تم الحاقه من دون ارادته ورغبته بهذه الدولة، هو الابادة وقمع ثورته ومعاداة تحركاته السياسية وانتفاضاته المسلحة. ومع انتهاء حكم اسرة الملك فيصل وقدوم النظام الجمهوري بعد انتصار ثورة 14/تموز عام 1958، مرّة اخرى تمنى الكورد بان ينعموا بحقوقهم الطبيعية في ظل الحكم الجمهوري، وذلك من خلال التعامل مع سلطات بغداد آنذاك، خصوصا مع الزعيم عبدالكريم قاسم، حيث عاد قائد حركة التحرر الكوردية (مصطفى البارزاني) من الاتحاد السوفيتي السابق واعلن دعم الكورد لحكومة قاسم، لكن لم يتم تحقيق أي خطوة باتجاه حل القضية الكوردية في العراق، بل حدث العكس عندما واجه عبدالكريم قاسم الكورد.
تتناول المصادر التأريخية الخاصة بالدولة العراقية مسألة عدم حل قضية القوميات والديانات والمذاهب التي هي عبارة عن مكونات هذا البلد، خصوصا القضية الكوردية، حيث لم تسمح أي حكومة من الحكومات التي تعاقبت على الحكم في العراق على معالجة هذه القضية والسماح للكورد بممارسة بعض حقوقهم القومية.
وعقب انقلاب البعث عام 1963 ومن ثم تولي التيار القومي برئاسة الاخوين عبدالسلام وعبدالرحمن عارف مقاليد السلطة في بغداد، لجأت الحكومة العراقية الى استخدام العنف وقوّة السلاح لمعالجة القضية الكوردية، فيما الكورد كانوا يتطلعون في هذه المرحلة من تأريخ الدولة العراقية الى احترام تطلعاتهم المشروعة والتعايش السلمي البنّاء، لكن العقلية الشوفينية وكنتيجة لسياساتهم الخاطئة، اختاروا طريق الحرب وخيار العنف لمعالجة القضية الكوردية. والحرب لم يكن خيارا كورديا بل اضطر هذا الشعب الى خيار الدفاع عن وجوده.
وبعد تولي البعث السلطة بعد انقلابهم الثاني عام 1968، تولى أحمد حسن البكر السلطة خلفا لـ عبدالرحمن عارف فان بريق امل معالجة القضية الكوردية من قبل سلطات انقلاب عام 1968 كان عبارة عن اعادة تكرار أخطاء الماضي، أي اللجوء الى خيار الحل العسكري. هذا في وقت كان خيار قيادة الثورة الكوردية فيه أيضا هو الحل السلمي والبقاء ضمن العراق الموحد، شريطة ممارسة الكورد لحقوقهم القومية. لكن جمهورية البعث تحولت في النهاية الى جحيم للكورد اضطروا بسببه الى الركون الى خيار المقاومة للدفاع عن أنفسهم.
المرحلة العسيرة لحكم البعث والسنة كان مع نهاية السبعينيات واعتلاء صدام حسين لسدة الحكم الى عام سقوط نظامه القمعي في 2003. لقد جرّب هذا النظام القمعي جميع الاساليب الوحشية لابادة الكورد والقضاء عليهم الى الحد الذي وصل الى تنفيذ سلسلة من حملات الابادة الجماعية التي اطلقت عليها حملات الانفال سيئة الصيت واستخدام الاسلحة الكيمياوية في ضرب الشعب الكوردي.
من فترة حكم الملك فيصل الاول الى يوم سقوط نظام صدام حسين، كان نصيب الكورد في العراق الابادة والقمع.
والعراق الجديد منذ عام 2003 حتى هذه اللحظة والذي هو فترة تسيّد الشيعة على مقاليد السلطة في بغداد، لم يكن بالنسبة للكورد بافضل من فترة عصر سلطة السنة، مع ان نظام الحكم في البلد هو وفق الدستور المدون على الورق ،نظام فيدرالي.
ترأس اياد علاوي الشيعي الليبرالي الحكومة العراقية ما بين 28/حزيران 2004 حتى عام 2005 وقد كانت فترة حكمه فترة مرّة في حياة العراقيين، حيث ظهر تنظيم القاعدة الارهابي في حينه. لقد كانت فترة حكمه قليلة والدولة العراقية كانت تعيش فترة انتقالية غير طبيعية، والسلطات الفعلية كانت محصورة بيد الامريكان، لذلك ليس لدينا معيار لتقدير كيفية تعامل علاوي مع القضية الكوردية، مع انه يعد صديقا قريبا للكورد.
ابراهيم الجعفري القيادي في حزب الدعوة الاسلامية تولى رئاسة الحكومة العراقية اعتبارا من 28/نيسان 2005 وقد كان معاديا للكورد لدرجة لم تكن اقل من معاداة البعث للكورد. والفرق بين الاثنين هو ان العراق ابان سلطة الجعفري كان يعيش حالة من الشرذمة ولم يمتلك رئيس الوزراء تلك القوّة التي تؤهله لتحريكها ضد الكورد، والا فان الجعفري كان يتبنى سياسة متشددة حيال الكورد وحقوقهم كانت تفضي الى افناء الكورد.
وفترة حكم نوري المالكي رئيس حزب الدعوة، هذا الرجل الذي تدل افعاله ومواقفه حيال الكورد ومعاداته للمطاليب الكوردية دفع بشخصيته الى مستوى صدام حسين من حيث معاداته للكورد وحقوقهم. تولي المالكي يوم 20/آيار 2006 مقاليد رئاسة الحكومة العراقية. كان للمالكي اتفاقات مسبقة مع الكورد، لكنه اخل بهذه الاتفاقات وتملص عن تعهداته لهم وضرب بالتحالف الكوردي الشيعي عرض الحائط، بل انه لم يحترم تواقيع تعهداته واتفاقاته. والخطوات العملية لسياسة المالكي بدأت عندما قوي عود سلطته منذ عام 2008 من خلال دفع وحدات من الجيش العراقي لاعادة بسط السيطرة على خانقين وجلولاء وتأسيسه لفرق عسكرية باسم قوات دجلة وصلاح الدين.. الخ. لقد اظهر نياته المبيتة السيئة حيال الكورد. استعداد كوردستان للرد على مغامرات المالكي العسكرية، جعلته يتراجع عن خيار مواجهة الكورد عسكريا.
القيادة السياسية الكوردستانية، خصوصا الرئيس مسعود بارزاني، لم يبادر الى اعتبار سياسة المالكي حيال الكورد معيارا لفسخ التحالف الكوردي الشيعي، تصرفات المالكي كانت فردية، لم يتلقى المساندة من أغلبية القوى الشيعية الاخرى، مع هذا وبسبب سيطرته على اغلب المفاصل الحساسة من السلطة، فان المالكي في الدورة الثانية من فترة حكمه خلال 2010- 2014 رفع من وتيرة معاداته للكورد وحقوقهم المشروعة وكثّف الجهود من اجل تهميش الكورد في العراق. كل ذلك لم توصل بالمالكي الى النتيجة المرجوة التي كان يتطلع اليها، لذلك استخدم سياسة التجويع ضد الكورد. حصة اقليم كوردستان من الموازنة العامة قد تم تحديدها استنادا للدستور ووفق اتفاق سياسي، تم حجبه بقرار وتوقيع من المالكي الذي كان يتطلع من وراء سياسة تجويعه للكورد اجبارهم على الخضوع لسياساته الفردية. الارادة القوية التي لجأ اليها الكورد عصمت من الرضوخ لسياسة المالكي. لقد تحيّن الفرصة ليترك الحكومة العراقية في مواجهة تنظيم داعش الارهابي، فقد منح سلاح الجيش العراقي وعدته وعتاده للتنظيم المتشدد (داعش)، حيث ترك عراقا على حافة الهاوية وجعل الكورد في مواجهة خطر كبير.
شهر آب من عام 2014 وبعد انتهاء دورتين من حكم نوري المالكي، تولى حيدر العبادي (ايضا من حزب الدعوة الاسلامية) رئاسة الحكومة العراقية. لقد تولى العبادي قيادة حكومة منهارة تسلمها من المالكي. ولهذا السبب فان الكورد قدموا الدعم للعبادي. لقد تولى الاخير الحكم في فترة مختلفة، فالعراق كان في خضم الحرب ضد تنظيم داعش الارهابي. لقد كانت تركة المالكي ثقيلة وبالتزامن مع ذلك قام المالكي بحشد جبهة عريضة ضد العبادي، لزيادة التعتيم على سياساته الكارثية التي قادت البلد الى شفى الانهيار التام.
باعتقادنا، نحن الآن نعيش المرحلة الاكثر حساسية من تأريخ العراق. مازال امام العبادي عام واحد من فترة حكمه، وبحكم كون سياسة العبادي غير واضحة ازاء الكورد ، والعراق يعيش حالة من الحرب. والمهم بالنسبة للكورد هو تجاوز مربع الاختبارات وعدم اختبار خلف العبادي. وعندما يثار سؤال: لما لا يمنح الكورد فرصة اخرى للعراق ومسؤوليه؟ الجواب في عنوان مقالنا هذا: من بعد ذلك يجرب الكورد في بغداد؟
قرار الكورد في العراق حاليا هو اجراء الاستفتاء يوم 25/9/2017. أي اننا لسنا بحاجة وكفانا الانتظار لاختبار خلف العبادي ايضا لمعرفة فيما كيف ستكون سياساته حيال الكورد؟ علاوة على ذلك فان تشكيل المليشيات وتحكّمها في المشهد العراقي وتشتت البيت الشيعي والتشرذم السني، كل ذلك يعد فرصة ثمينة بالنسبة للكورد من اجل عدم البقاء داخل الشرنقة العراقية، حيث كان نصيبه هو الاحداث الرهيبة والمآسي التي تم التطرق اليها في مقالنا هذا باختصار .
ترى ما هو نظام الحكم القادم في العراق؟ وهل سيكون مصير الكورد في ظل الحكم القادم بافضل من المراحل السابقة التي تم التحدث عنها باقتضاب؟ ومن دون شك ان من المحال ان ينتظر الكورد اجوبة على هذه الاسئلة الملحة، لذلك فان رئيس الحكومة العراقية الحالية حيدر العبادي بات امام فرصة تأريخية، بحيث يتولى التصدي لمهمة الدخول في حوار سلمي مع القيادة السياسية الكوردية، من اجل طوي صفحة هذا التأريخ الكالح . من الآن فصاعدا لن يكون الكورد جزءا من العراق، بل سيكونون جيراناً جيدين لعراق المستقبل.