ماذا جنى العراقيون من برلمانهم
صبحي ساله يي
مهام السلطة التشريعية في غالبية بلدان العالم، هي سن القوانين والتشريعات والأنظمة، وتنظيم عموم مجالات حياة المواطنين وحماية مصالحهم وحقوقهم المدنية والسياسية، وصيانة كرامتهم والدفاع عن حرياتهم الشخصية، ومراقبة الأداء الحكومي، وتحدي الفساد وإستجواب وسحب الثقة عن المسؤولين الذين يخرجون عن الدستور إو ينتهكون نصوصه، وإحالة من يفتضح أمره، ويثبت تورطه بالإخلال بالعدالة والنزاهة الى القضاء تمهيداً لمحاسبته.
ولكن مجلس النواب العراقي الحالي، والذي سيصبح بعد أقل من شهر، البرلمان السابق، بدلاً عن أداء مهامه الدستورية والقانونية، تحايل طوال السنوات الأربعة الماضية على الدستور من أجل مكاسب ومزايا لأعضائه، وأشاع الفساد، وهنا لانقصد التعميم، لأن التعميم في الحياة السياسية بشاعة، ولابد من القول أنه ليس كل النواب فاسدون، فمنهم من دخل مبنى البرلمان وخرج منها دون أن يفسد، ومنهم من دخله نزيهاً ووطنياً وغيوراً على شعبه وخرج منه وهو فاسد مساوم، ومنهم من كان فاسداً في الأساس، دخل البرلمان وهو مفلس مختفي خلف يافطات الوطنية وخرج منه وهو ثرياً وأكثر فساداً.
السنوات الأربعة الماضية في عمر البرلمان العراقي، حافلة بالأخطاء والصراعات والأحداث، حيك في أروقته الكثير من مؤامرات الإستهداف والتسقيط السياسي. أقرت في جلساته غير المنتظمة، بدوافع أنانية وذاتية، عشرات القرارات غير الضرورية والمثيرة للجدل التي لاتنفع المجتمع، وأهملت وأجلت أخرى مهمة تصب في صالح العراقيين عموماً، وأبرزها قانون مجلس الإتحاد، وقانون النفط والغاز الذي يعتبر المشكلة الأساسية بين بغداد وأربيل والمحافظات المنتجة للنفط.
كما شهدنا فيه التجاوز والشجار والتلاسن والتشاتم والتشابك بالأيدي بين النواب، وإعترف بعض النواب المحتمين بالفاسدين والمستبدين السياسيين والعقائديين، دون أي وازع أخلاقي أو وطني، ودون خوف أو وجل بإستلام الرشاوي، وعقد مساومات مثيرة خلال الإستضافات بحثاً عن الجاه المزيف والمال المدنس.
أما الهجوم على الكورد من تحت قبة البرلمان وإصدار أكثر من عشرة قرارات يندى لها الجبين في يوم واحد ضدهم، فإنه جسد أنانية وعفن الكثير من النواب الشوفينيين الذين يريدون بقاء الكورد تحت رحمتهم وأمرتهم، ولم يكن الحراك التآمري على أحلام وطموحات الشعب الكوردستاني، إلا إنتهاكاً لتضحيات دماء الشهداء والجرحى والمناضلين البيشمركه، ودليلاً على الرغبة الدفينة في الانتقام من الكورد.
الوصف الأدق والمختصر للبرلمان المنتهية ولايته هو: برلمان قاده السياسة المزاجية والإرتجال والتخبط والتقلب والإنفعال والجنوح والتهور والعبثية، فرغ القانون من محتواه قبل تشريعه، إما بتلغيمه وتبهيمه ليكون قابلاً للتأويل ولشرعنة عمل الفساد وحمايته في البلاد، وأما بتعارضه مع غيره، أو بتأثيره السلبي على البلاد وتسببه لأزمات جديدة.
مرر ما يريد من مكائد وقوانين وعطل ما أراد دون النظر إلى الصالح العام. القوانين التي شرعت كانت مليئة بالأخطاء والثغرات ومخالفة لأحكام الدستور والقوانين النافذة، ومتوافقة مع المساومات والصفقات السياسية، ومعرقلة ومعطلة لعمل المؤسسات التي كانت تحارب الفساد وتعمل على كشف الجهات التي تدعمه، أو كانت بالأساس لإنتشال الفاسدين من أروقة القضاء.
وأخيراً نقول: أصابت الصحيفة البريطانية التي صنفت مجلس النواب العراقي الحالي كأفسد مؤسسة في التاريخ لأنه كان عبئاً على الشعب.
الأمر الوحيد الذي نجح فيه، هو الانقلاب على التوافق والشراكة، لزيادة التوتر والأحقاد والضغائن السياسية والمناطقية في البلد، وإثارة إستياء المواطنين وإرهاقهم، وفقدان ثقتهم بالسياسة والسياسيين وعزوفهم عن المشاركة في إنتخابات آيار 2018.