ليس إيران فقط!
جاسم الحلفي
تمر بلدان الشرق الاوسط بأزمات اقتصادية – اجتماعية عميقة، تنعكس بشكل حاد في الاوضاع المعيشية والحياتية لمواطنيها. ويتحمل محدودو الدخل والشرائح الاجتماعية الفقيرة والمهمشة العبء الأساسي لهذه الاوضاع، حيث يثقل كاهلها العوز والفاقة والامراض والامية. ولم تقف الانظمة لغاية الان بجدية امام مسؤولياتها في معالجة هذه الازمات التي تعصف بشعوبها، وجل ما تقدم عليه هو بعض الاجراءات الشكلية والاستعراضية، التي لا تطال جذر الازمة. فما يعني الانظمة فاقدة الإرادة وسيئة الإدارة والمتخمة بمال الفساد، هو بقاؤها متربعة على سدة الحكم، وحماية وجودها في السلطة، وتصدرها المشهد السياسي والاقتصادي بكل الوسائل، الشرعية منها وغير الشرعية، وإمساكها بالمال والاعلام بقوة، غير عابئة بمعاناة الشعوب.
بدلا من ان تقيم أنظمة الحكم هذه علاقات حسن جوار مع المحيط الاقليمي، تبعد المنطقة عن الحروب والإرهاب والعنف والصراع الطائفي، وترسي السلام وتؤمن الامن والاستقرار، وتحقق تبادل المنافع بما يخدم شعوب المنطقة، وتشق طريقا للتعاون والتكامل الاقتصاديين .. بدلا من ذلك تقوم بتسعير الصراع الطائفي، ليتعدى الحدود الوطنية وتصبح له ابعاد إقليمية، موّل بعضها الإرهاب وشجع عليه، واشاع العنف، ولم يحتسب لردود الأفعال، ولم يحسب الكلف الباهظة للسياسات التي أوقعت خسائر بشرية ومادية كبيرة لا يمكن تعويضها.
وإذ يعبر الكثيرون من ابناء الشعب الايراني، خاصة من الشرائح الاجتماعية محدودة الدخل والفقيرة، هذه الايام، عن احتجاجهم – حسب ما تفيد الاخبار والتقارير – على ما وصلت اليه اوضاعهم المعيشية والحياتية، ويخرجون في تظاهرات عنوانها (لا للغلاء) تشمل الكثير من المدن الايرانية، فان في المملكة العربية السعودية ازمة مالية واقتصادية لا يمكن اخفاءها، ولا يمكن ان تحل عبر إجراءات ارتجالية بعيدا عن جوهر السياسة الاقتصادية للمملكة. ومثالا على ذلك نذكر اعتقال مجموعة من الأمراء والوزراء ورجال الاعمال بتهمة الفساد، وعقد مساومات معهم بالتنازل عن جزء من أموالهم مقابل اطلاق سراحهم.
وتشير المؤشرات الى تعمق هذه الازمة، التي لا تحلها تدابير التقشف المتبعة في المملكة، ورفع أسعار المحروقات، وفرض ضرائب جديدة، منها ضريبة القيمة المضافة التي بوشر بتنفيذها اول السنة الجديدة.. هذا كله لا ينقذها من الغرق في عجز مالي، حسب احدث تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي. ويتوقع وصول الازمة الى ذروتها ومواجهة "إفلاس هيكلي" حسبما تنبأ (زاك شرايبر) الرئيس التنفيذي لصناديق التحوط "بوينت ستيت كابيتول"، ومن مؤشرات ذلك ان العجز المسجل لموازنة المملكة لعام 2018 قدرت قيمته بـ 195 مليار ريال سعودي.
يبدو ان قضايا الفقر والبطالة وارتفاع الضرائب، وسياسة "التكييف" الاقتصادي التي يفرضها صندوق النقد الدولي، وكلفة السياسات الإقليمية لانظمة المنطقة، قد تركت اثارها على شعوبها. وهكذا فليس الإرهاب وحده ما يهدد الحياة والاستقرار ويعيق التنمية، انما هي ايضا الازمة المعيشية الخانقة، التي تدفع أوساطا واسعة من المواطنين الى حافات الفقر.
والسؤال هو: الى متى تبقى الازمة تنهش في حياة المواطنين، وتقض مضاجعهم؟ وكيف يتوقع ان تأتي ردود فعلهم على سياسة الافقار؟
سؤال او أسئلة برسم الإجابة، والشعوب هي وحدها من يعطي الجواب القاطع!