لا ضوء في نهاية النفق العراقي
صبحي ساله يي
كل المراقبين للأوضاع والمتابعين للإعلام متأكدون من أن الخارطة السياسية للعراق والحياة الاجتماعية والاقتصادية والامنية تعيش أحرج وأخطر مراحلها، وتنذر بتغيير الكثير من الأمور، وتتجه نحو الأسوأ الأشد فتكاً وخراباً ودماراً من كل الكوارث، وتقترب من الوصول الى نتائج غير متوقعة، تصب في خانة مصادرة إرادة الملايين من قبل بعض المسؤولين وقادة المليشيات المختلفة والسلاح المنفلت وتسعى إلى تفويت الفرص وإستثمارها في غلق الأبواب والنوافذ التي تهب منها الأمل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه للحفاظ على المصالح والعلاقات الإنسانية بين العراقيين، وتنسف فرص السلام والتعايش.
المنطق والعقل عندما يلمسان عدم التفاعل مع الخطوات الإيجابية والواقعية، وتسخير القضاء لمآرب سياسية، وعدم الجدية في البحث عن الحلول السياسية والعملية السهلة، وطرح وجهات نظر ومبادرات مستعصية بخصوص معالجة المشكلات والتعامل مع المتغيرات بطرق غير عقلانية، وركن الدستور والقوانين على الرفوف العالية، فإنهما ( العقل والمنطق) لا يخفيان تشاؤمهما تجاه ما يحصل داخل النفق العراقي الذي بدأ عندما تظاهر العرب السنة، ضد التهميش والإقصاء والحرمان، وعندما تم تجاهل فحوى رسالتهم وتم التعامل معهم باللامبالية التي تدل على الاخفاق المريع والفشل الذريع والنقص الكبير في الخبرة والدراية بأمور السياسة والإدارة والحكم، وعندما تم تهريب السجناء نحو المناطق السنية لينخراطوا في صفوف المتظاهرين ويمهدوا لإستيلاء داعش الإرهابي على أراضي شاسعة وواسعة، وليتم تشريد الملايين وتدمير مناطقهم.
وإمتد (هذا النفق) عندما لمس الكورد الاتجاهات العنصرية والطائفية التي تدفع باتجاه شن حرب شاملة ضدهم، رغم إنهم كانوا يوصفون بالحلفاء، وحينما نادوا بالإستقلال وتوجهوا نحو صناديق الإقتراع في عملية إستفتاء ديمقراطية، ودعوا الى إلغاء شراكتهم الصورية في العراق، ليتركوا من قبل الخاضعين لثقافة الاستعلاء والتسلط والعقلية الإستبدادية تحت رحمة الحصار الجائر وهجمات قوات الحشد وحزب الله اللبناني والقوات الايرانية وليتم الإستيلاء على أكثر من نصف أراضي كوردستان وقلبها(كركوك).
كما إستوعب هذا النفق الشيعة العرب عندما إنتفضوا ضد الظلم والفساد والبطالة وطالبوا بالوطن وبأبسط الخدمات، وجلبوا الإنتباه وأثاروا الإهتمام، ولكن ليس من قبل المسيطرين على المال والسلطة والقرار والمتجاهلين للواقع وحدوده المعقولة والمؤمنين بأن العنف يصلح كوسيلة لمعالجة المشكلات، بل من قبل المدافعين عن حقوق الإنسان والحريصين على الأمن والاستقرار في العراق، عبر الدعوة الى نبذ العنف والسعي الى التوصل الى حلول مقبولة وتلبية مطالبهم المشروعة والعدول عن الممارسات التعسفية.
وختاماً : لا أحد يريد أن يفرط في التشاؤم، وأنا أيضاً، ولكن عندما نترقب الأوضاع السياسية والأمنية والإقتصادية والإجتماعية ونجدها محتقنة ومثخنة بالجراح وتحاول إلحاق الضرر بالسلم الأهلي، وعندما نستمع الى الأخبار ونجدها شائكة وكئيبة ومريرة وغير مطمئنة، ولا نجد فيها ما يدل على السعي لإعادة ترتيب أوضاع العراق وفق نتائج صناديق الاقتراع ونتائج الانتخابات ومفاهيم الشراكة والتوافق والتوازن والتعويل على تحقيق المصالح الوطنية والقومية، وعندما نلاحظ أناساً لا يفوتون الفرصة لتفويت الفرص ويرتكبون الأخطاء الكبيرة ويفلتون من العقاب ويتحصنون خلف السلاح المنفلت الراهن لمصير البلد، ويمتنعون من المثول أمام القضاء، وعندما لأننا لا نرى ما يمنع تكرار التجاهل المخيف والتعنت والشر الحارق والزلزال المدمر. نحاول أن نعبر عن تصوّراتنا الواضحة والحقائق التي يتجنبها الآخرون، ونقول بصراحة متناهية : لا نرى أي ضوء في نهاية النفق العراقي.