قمع الاحتجاجات فعل العاجزين
جاسم الحلفي
قد تتمكن قوات السلطة، باستخدام القوة واساليب البطش والارهاب والترويع، من فض اعتصام سلمي معين، لكنها بالتأكيد غير قادرة على انهاء حركة الاحتجاج. انما يبدو ان عقلية السلطة لا تزال قاصرة عن فهم ابعاد حركة الاحتجاج وخصائصها. ان ذهنية الحكام عاجزة عن استيعاب الاسباب الكامنة وراء مطاولة حركة الاحتجاج واستمرار انشطتها. فالفكر السلطوي الذي لا يكف عن مواجهة الاحتجاجات بالعنف، و الذي لا ينظر الى الازمة في عمقها، لا يدرك ان من يستخدم العنف لانهاء الاعتصام، كمن يحاول ان يطفيء حريقا بصب الزيت عليه!
ان عقل السلطة اضيق جدا من ان يستوعب حقيقة ان حركة الاحتجاج ستستمر، بغض النظر عن رغبة اي جهة تعمل في اطارها. فهذه الحركة مذهلة بمفاجآتها، وهي لم تعبر عن نفسها كمجرد تظاهرة اسبوعية ميدانها ساحة التحرير، وساحات مراكز المحافظات. كما لم يقتصر الاشتراك فيها على من تمسكوا بذلك اسبوعيا في الساحات المذكورة.
ان الفكر السلطوي يعجز عن فهم قوة حركة الاحتجاج وتنوع فعالياتها وتواصل اشكالها واتساع وتيرتها. ويصعب عليه تتبع انشطتها واحصائها. وان من سماتها الاستمرارية والانتشار والتنوع. وقد جذبت فئات اجتماعية جديدة، بينها المكفوفون. فقد سارعت جمعية المكفوفين في البصرة يوم الاحد الماضي ( 8/1/2017)، غداة اقصائهم من شبكة الحماية الاجتماعية، الى تنظيم وقفة احتجاجية قرب مكتب مجلس النواب في المحافظة، ضد وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لقطعها رواتب الحماية الاجتماعية عن عدد كبير من المكفوفين أبناء المحافظة، فعرضتهم الى أذى شديد وهم يعانون اصلا من ظروف معيشية قاسية.
وفي اليوم ذاته تظاهر مئات المقاولين والعمال أمام مبنى مجلس محافظة النجف، مطالبين بمستحقات مالية لهم متأخرة منذ ثلاثة أشهر. وهددوا بتنفيذ اعتصام واقتحام مجلس المحافظة في حال عدم الاستجابة لمطلبهم.
كذلك تظاهر مئات المواطنين امس الاول الثلاثاء (10 /1/2017) امام مبنى مؤسسة الشهداء وسط بغداد «احتجاجا على عدم تطبيق قانون تعويضات الشهداء من الحشد الشعبي وضحايا العمليات الارهابية والنظام السابق، الذي أقره مجلس النواب العام الماضي ولم يطبق لغاية الان. فيما نظم عمال شركة الصناعات الجلدية الممولة ذاتياً يوم امس الاول ايضا، تظاهرة امام مقر شركتهم بمنطقة الكرادة في بغداد، احتجاجا على نقل زملاء لهم من منتسبي الشركة، بسبب كشفهم ملفات فساد كبيرة.
هذه بعض الانشطة الاحتجاجية التي نُفذت خلال يومين فقط. فالتظاهرات التي تنظم خلال الاسبوع الواحد ستستمر وتتواصل، ما دامت مطالبها لم تلق الاستجابة. نعم، ستستمر التظاهرات، لا سيما المتعلقة بالجانب المعيشي والخدمي، وستتصاعد طرديا مع تصاعد اعداد المشمولين بخط الفقر، والذين ارتفعت نسبتهم الى 30 في المائة من السكان خلال العام الماضي 2016، وفق ما اعلنه السيد عبد الزهرة الهنداوي المتحدث باسم وزارة التخطيط.
نعم، لن تتمكن اية قوة غاشمة من ايقاف حركة الاحتجاج، التي يتوقع اتساعها وانجذاب فئات اخرى جديدة اليها، ما دامت السلطة تتجاهل مطاليبها.
وان حال من يستخدم العنف للقضاء عليها، كحال من يحاول إطفاء حريق لاهب بالنفط!