فلترة
امير الداغستاني
لن أنسى تلك العينين ابداً ، كانت تذكرني بحبي الأول الذي أخذته ديار الغربة بعيداً ، لقد جذبتني من أول حديث جمعنا، اتحدث وأنا اطالع عينيها التي وضعتهما في ملفها الشخصي، وحين توطدت علاقتنا بعثتْ لي صورتها، لم أعرف ماذا اكتب وقتها، تداخلتْ حروف الكيبورد، بدتْ الشاشة غائمة، فقدتُ اتصالي بالعالم وسبحتُ في جوٍ اثيري، كان لون عينيها الأخضر يعيد كتابة الكون، كنا نتحدث يوميا لساعات، قررتُ السفر إلى ديارها، لأحيي ذكرى حبي الاول، ولأصحح ما اقترفته من حماقة التفريط به حينها، لن أضيعه كما فعلتُ سابقاً ، سأتفادى حماقتي وتخاذلي، وأعوض ما فاتني.
توجهتُ الى سفارة بلدها ، تفاجأت بحجبهم التأشيرات الى اشعار اخر ، كان حزني عظيم، سيما وانها قد جهزت كل ترتيبات استقبالي ووضعتْ برنامجا خلال مدة اقامتي ، أخبرتني بحزنها الكبير بعد ان تلاشى كل ماخططنا له .
وبدون تفكير قررتُ السفر إلى بلد آخر، لأتناسى بعض همي، كان بلدٌ كل مافيه رائع ، لكني لم اشعر بأية متعة، كل ما حولي من جمال يوحي بالكآبة، كل العيون تذكرني بعيني حبيبتي، ظل هاجس اللقاء بها يلاحقني، حتى حزمتُ أمري للتوجه الى بلد حبيبتي، ذات العينين الساحرتين، توجهت إلى سفارة بلدها في البلد الذي أنا فيه، وحصلتُ على تاشيرة الدخول، كدتُ أطير فرحا ، وأنا اخبرها بقدومي إليها، كانت سعادتها هي الأخرى لاتوصف، لم اضيع الوقت فقد سافرتُ في اليوم التالي ، أعلمتني بأنها سوف تنتظرني في المطار مع باقة ورد حمراء.
حال نزولي من الطائرة، كنت اتمعن بلهفة في وجوه النساء ، ألاحق عيونهن، أين حبيبتي ذات العينين المذهلتين، لم تكن بينهن!
بحيرة ووجل تفرست أكثر في الوجوه وبباقات الزهور التي يلوحن بها، نعم رأيت باقات حمراء، لكن من تحملها ليست حبيبتي ذات العيون الرائعة، حين فرغتْ أرض المطار تماما، ظلت هي وحيدة، تحمل باقة حمراء، هل يعقل انها حبيبتي نفسها؟! انها مختلفة تماما لم اتعرف منها سوى صوتها العذب فقط، الذي كانت تسمعني من خلاله ارق الكلمات. وقفت مذهولا وسط خذلان لفني من رأسي حتى قدمي ، كنتُ أقفُ متسمرا وهي تحضنني وتمطرني بقبل الشوق ، أخيرا استعدتُ شيئا من وعيي وسألتها بامتعاض : من أنتِ؟!
قالت انا نور… حبيبتك التي طالما سهرنا الليالي!
باستغراب سألتها : وعيناكِ الخضراوان الواسعتان اين هما؟! ، اين الوجه الملائكي والشفتين الشهيتين؟!
تساءلت مع نفسي والذهول يلفني:
- هل وقعت في فخ الفلتر والذكاء الاصطناعي؟!
لعنتُ تلك التكنولوجيا التي تشوهه الوجوه والمشاعر؟!
جررتُ اذيال خيبتي ، وتوجهتُ إلى شباك التذاكر، لاحجز بنفس الطائرة وأعود من حيث أتيت، إلى ذلك البلد الجميل لأمضي اياما هادئة لعلني افيق من هول صدمة الفلتر .