فاجعة الهارثة.. موازنات بـ"دماء" أطفالنا
احمد حسين
أمر مأساوي ومؤلم ما جرى في محافظة البصرة قبل أيام وراح ضحيته خمسة من التلاميذ وإصابة عشرة آخرين جراء حادث دهس أثناء خروجهم من مدرستهم في ناحية الهارثة، فاجعة تبدو كل الكلمات خجولة أمام وصفها، على الرغم من الحادث ليس الأول وأخشى أنه لن يكون الأخير، فطرق الموت تمتد كأفعى عملاقة تمتد من جنوب العراق إلى شماله ومن شرقه إلى غربه ولا تكاد محافظة تخلو منها، وهي تبتلعنا يومياً بشراهة لا نظير لها.
طرق الموت باتت مفردة أصيلة من مفردات حياتنا اليومية، بل إنها متلازمة لا أظننا سنشفى منها في الوقت القريب ما دامت الحكومات المتعاقبة لا ترى في الإنسان العراقي سوى رقم في سجل "الدفانة" أو السجلات الانتخابية، لا أكثر، وأنا لا أحمل حكومة بعينها دون غيرها المسؤولية، كما لا أبرئ النظام المقبور من هذا الأمر، الجميع شركاء بدمائنا منذ زمن.
بالطبع ما جرى يعنيني ويعني كل عراقي وكل إنسان يحترم إنسانيته، وكل من يحاول توظيف هذه الفاجعة للتسقيط السياسي أو الطائفي أو المناطقي ما هو إلا مسخ بشري لا يمت للإنسانية بصلة، لكن ما يعنيني وأعتقد أنه يعني غيري أيضاً هو تعامل رئيس الحكومة محمد شياع السوداني مع هذه الفاجعة، فبحسب تصريح لعضو مجلس محافظة البصرة عماد المطوري، أدلى به لوكالة شفق نيوز، وافق السوداني على استثناء البصرة من الموازنة العامة لغرض تشييد مجسرات في ناحية الهارثة لتفادي حوادث السير.
حقيقة لا أعلم كيف وقع السوداني بهذا الأمر، هل أنه لا يميز بين دماء الأطفال والمساومات السياسية والكسب الانتخابي، ما علاقة التخصيصات المالية بالفاجعة، البصرة ومنذ أن قام "عراب التقشف" رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي بإيقاف صرف مخصصات البترودولار ولغاية اليوم تطالب بأموالها المستحقة قانونياً ودستورياً ولم تقبض منها ديناراً واحداً، وبُحّ صوت حكوماتها المحلية المتعاقبة وهي تطالب بتخصيصات إضافية لإنقاذ أهلها وضيوفها من طرق الموت التي تربطها بالمحافظات الأخرى دون جدوى، وهددت مرات عدة وما زالت بالتحول إلى إقليم مستقل للخلاص من دكتاتورية واضطهاد بغداد ولا طائل من ذلك، فما عدا مما بدا؟!.
المئات راحوا ضحية طرق الموت على مدار السنوات السابقة منهم نواب ومسؤولون ولم يلتفت أحد للبصرة ومعاناتها ولا لغيرها من المحافظات المنكوبة بهذه الطرق، فهل هؤلاء الضحايا أضاحي على مذبح المكاسب السياسية، أم أن دماء الأطفال أغلى من غيرها، وأنا هنا لست في محل تقييم الناس وتفضيل بعضهم على بعض فالجميع عندي سواء أطفالاً ونساءً ورجالاً، هذه أرواح ودماء لا تختلف عن بعضها البعض، لكن من حقي وغيري أن نتساءل، ما هي معايير السلطات الحاكمة سواء الاتحادية أو المحلية في التعامل مع الناس والضحايا، وما هي أولويات الاستثناءات في التخصيصات المالية، هل هي الدماء أم الاحتياجات الفعلية؟.
ويحق ليّ ولغيري أيضاً أن نتساءل هل دماء أطفالنا البصريين أغلى من غيرها في المحافظات الأخرى -جميع دماء العراقيين غالية من دون استثناء فلا يقوّلني البعض ما لم أقل ولا أعني ولا أقصد-، في ميسان وذي قار والمثنى المجاورات للبصرة ثمة طرق موت عديدة أودت بحياة العشرات وربما المئات فهل دماء هؤلاء لا قيمة لها، في واسط والديوانية والنجف وكربلاء وبابل كذلك، في بغداد وديالى وصلاح الدين وكركوك والأنبار ونينوى الأمر لا يختلف، جميع هذه المحافظات المذكورة خاضعة بشكل مباشر للحكومات الاتحادية والمحلية، فهل حظيت إحداها بـ"مكرمة" الاستثناء في الموازنة أم أنها لا تستحق ذلك؟.
سيادة الرئيس إن كانت دماء العراقيين حقاً غالية عندك فكان عليك الاستماع لمناشدات البصرة وغيرها منذ توليك رئاسة الحكومة ولغاية الآن، المطالبة بزيادة التخصيصات المالية للطرق الداخلية والخارجية لوقف نزيف الدم اليومي، فاجعة الهارثة يا رئيس الوزراء أرى أنها أشبه بـ"لعنة" حلّت عليك فجعلتك تتخبط بالتعامل معها، وبدلاً من أن ترى ما يجري في طرق الموت يومياً، ذهب ذهنك صوب التخصيصات "بعد خراب البصرة".
مؤسف ما حدث، فبعد أن كنت تمثل أملاً للعراقيين واستطعت أن تكون محل ثقة لشريحة واسعة منهم، نعول على ألا تتخبط بين القرارات السياسية والاقتصادية والصناعية والزراعية وحتى الدبلوماسية، فليست كل الطرق تؤدي للولاية الثانية.
أتمنى عليك أن ترى الأمر بواقعيتك أنت، بعيداً عن "جوقة" المحيطين بك الذين قد يدفعون بك دفعاً من مطب إلى آخر، وعليك أن تعيّ أنك تمثل آخر آمال العراقيين في استعادة الثقة بالسلطة، وثقّ في حال فشلك بالحفاظ على ما اكتسبته في سنتك الأولى بالحكومة فسوف تحرق آخر خيوط الثقة وحينها صدقني التاريخ لن يرحمك وسيتم غض الطرف عن غيرك وتتحمل لوحدك المسؤولية رغم أنك لست المسؤول عنها لوحدك، لكن هكذا هو التاريخ دائماً يكون له كبش فداء ولا أتمنى أن تكون أنت هذا الكبش.