سر مغادرة (ابو داود( موقع المسؤولية
جاسم الحلفي
جاسم الحلفي/ لم تكن مغادرة الرفيق حميد مجيد موسى، موقع المسؤولية الاول في الحزب الشيوعي العراقي مفاجأة لنا، نحن رفاقه في اللجنة المركزية ومكتبها السياسي واصدقاءه. فقد سبق ان طرح الموضوع علينا منذ وقت طويل، ايام التحضيرات للمؤتمر الوطني السابق، اي التاسع. وحينذاك طلبنا منه التريث، فالمسؤولية الاولى في الحزب ليست امرا شكليا ولا مهمة يسيرة، وهي تتطلب - بين مستلزمات اخرى - تهيئة اجواء الحزب وتأمين استعداد قواعده لتقبلها بقناعة وبسلاسة.
فالرفيق ابو داود بشخصيته القوية المؤثرة، النافذة في الحزب بفضل مثابرته ومواقفه وحضوره السياسي، وقدرته على اتخاذ الموقف المناسب في الوقت المناسب، وحسابه للمتغيرات بدقة، ينعم بمحبة الجميع. فكيف اذا اضفنا تاريخه الحافل بالكفاح والعطاء؟ فقد سبق له ان تحمل مسؤوليات متنوعة في الحزب، اولها في النشاط الطلابي عندما كان يافعا. ومارس العمل التنظيمي والسياسي والفكري، ومثل الحزب في مجلة "قضايا السلم والاشتراكية" التي كانت تصدرها الاحزاب الشيوعية لعقود طويلة، وامتدت علاقاته مع قوى وشخصيات سياسية وفكرية وثقافية يسارية عربية مهمة. كما نسج علاقات سياسية وطنية واسعة، وامتازت شخصيته الوطنية بخطابها الموسوم بالثورية والحكمة والاعتدال معا، وقد عُرفت مواقفه في المنعطفات السياسية في العراق، وما اكثرها.
وقتذاك لم نوافق على رغبته في مغادرة الموقع الاول من المسؤولية، ليس لأننا لا نمتلك قياديا يتمتع بالكفاءة والقدرة والامكانية للنهوض بالمهمة. فالحقيقة التي يجب ان تقال، هي ان في صفوفنا شخصيات مهمة تحملت مسؤوليات مفصلية في الحزب، ولها القدرة على تأدية المهمة بكفاءة ونجاح. وقد عملت ضمن سياقات العمل الجماعي المرتكز على آليات واضحة من التشاور والتنسيق وتوزيع المهمات، بحيث لا ينفرد بقيادة الحزب اي فرد مهما كانت مهمته وحجم مسؤوليته. وهذه المتطلبات هي ما جهد الاستاذ حميد لنقلها الى رفاقه، زملاء العمل، وقد حرص رفاقه على استيعابها وهضمها وتمثلها. فقد كان على الدوام كريما في عرض تجربته التي اكتسبها، وخبرته التي اكتنزها، وفي اشاعة قيم النزاهة والمحبة والعمل المشترك.
لم نوافق آنذاك على طلبه مغادرة المسؤولية، بسبب اعتقادنا ان ركائز التغيير لم يكتمل بناؤها. فسنوات اعادة بناء الحزب التي مرت، كانت عصيبة وجرت في ظروف غير سهلة في كل الاحوال، ان لم اقل غير مؤاتية، نظرا الى كون الاوضاع السياسية شائكة وتفاصيلها معقدة وحتى خطيرة.
من جهة اخرى لا ننظر الى التغيير والتجديد باعتبارهما تغيير وجوه، ولا نعدهما معركة في نطاق صراع الاجيال. فهي في يقيننا رؤية تستند على مواكبة الرقي الفكري، وتجديد الخطاب السياسي، وتحديث اساليب العمل التنظيمي، وتنمية القدرات البشرية وتطوير كفاءات الشباب. التجديد هو مشروع في اساسه تقوية مواقع الحزب بين الجماهير، بحيث يكون معبرا عن مصالحها مدافعا عن حاجاتها بقوة وبسالة.
مشروع التغيير هذا قاده حميد مجيد موسى، وله فيه موقع الريادة، منذ المؤتمر الخامس عام 1993، الذي سميناه في حينه "مؤتمر الديمقراطية والتجديد". حيث مضى في متابعته وتدقيق خطواته وبذل الكثير من الجهد في سبيله. ولم تكن كوتا النساء والشباب، كمحاولة جريئة لضخ دماء جديدة في قيادة الحزب، الآلية الوحيدة عنده، بل ارسى العمل الجماعي، بعيدا عن المحاور والتخندق، وجعل الاختلاف في الرأي سمة من سمات وحدة الحزب ونضوج خطابه السياسي.
لهذا اثمر المؤتمر الوطني العاشر، بتلقائية، نتائج مبهرة. نتائج كان للعزيز ابو داود دوره الكبير في انتاجها.