ساعة الانسحاب
![ساعة الانسحاب](https://media.shafaq.com/media/arcella/1726399446484.png)
امير الداغستاني
متذمر أقف في طابورٍ طويل، أنتظر دوري للدخول إلى المطار، حين أزاحتْ حقيبتي جانبا وتقدمتْ دون أستئذان أو حتى كلمة اعتذار.
كانت ممشوقة القد بشعرٍ قصير، تنكشهُ بحركةٍ عصبية، أثارتني وقررت عندها الانتقام لشرقيتي التي تأبى أن تتجاوزني سيدة
شاء القدر أن تجلس بجانبي في الطائرة برحلتنا التي تمتد لأربع ساعات ، كان التوتر بادٍ على ملامحها حتى انها لم تفلح في تركيب حلقة حزام الأمان بمكانها ، اعتبرتها من ناحيتي فرصة للتقرب منها وجرها للحديث معي ، بدت على وجهي سيماء الجد والاهتمام ، وأنا أبادر متطوعاً بتثبيت حلقة الحزام لها ، نظرت إلى وجهي بإمتنان وشكرتني ببرود .
كنتُ اراقب كل حركة تصدر منها دون ان اشعرها بذلك، محاولاً إيجاد فرصة تكون منطلقا لحديثي معها.
فجأة شعرت بان رأسها سقط على كتفي ، يبدو انها غفت، لم آتِ باية حركة تجعلها تصحو ، لقد أسعدني هذا الوضع كثيراً ، كان عطراً آسراً يفوحُ منها، لم يتسلل إلى أنفي فحسب، بل إلى كل مسامات جسدي .
استيقظتْ مرتبكة بعد دقائق ، استعادت وضعها وصففت شعرها ، ابتسمت بخجل وقالت بصوت خافت آسفة :- لم أنم ليلة امس ، كنت مضطربة جداً … السفر يقلقني .
كان ذلك سبباً وجيها لبدء الحديث معها ، مستثمراً خبرتي الطويلة في اصطياد النساء ، كنتُ أتعامل معها بمنتهى اللطف ولكن بحذر ، فقد اعتدت على التربص بفريستي لتطمئن إليَّ دون أن أثير خوفها مني .. أخذتْ تبادلني الحديث عن نفسها وعن امورها الخاصة وكيف انفصلت عن زوجها بعد سنة ونصف من الزواج، لعدم الاتفاق، وسألتني عن حياتي أيضا واجبتها بشكلٍ مقتضب ومبهم لأرضي فضولها .
عندما حطت الطائرة على المدرج ، كنا قد تبادلنا ارقام هواتفنا قبل ان نفترق ، كان يبدو عليها الانشراح ، ولكن هاجساً ينفرني منها ظل يراودني ، لعل سببه رغبتي في الثأر منها ، لاجتيازي في الطابور !
مرت الايام واصبحنا نتحدث باستمرار ، تحدثني عن أحلامها وطموحها ، تقرأ عليّ ما تكتب من خواطر ، كنت أبدي أعجابي الشديد ، حتى تخيلتْ نفسها بأنها تضاهي (الخنساء) ، اتصلت بي أخيراً ، تدعوني للقاء في مكان عام ، وافقتُ بكل سرور ، جاءت بكامل أناقتها وعطرها الآسر يرافقها ، كان الشوق بادٍ عليها ، وكل حركة من حركات جسدها الجميل تشي بذلك ، أمسكتُ يدها وقبلتها ، لم تعارض ، مما شجعني على طلب لقاء خاص ، وافقت دون تردد وكأنها كانت تنتظر تلك اللحظة .. تكررت اللقاءات الى حد أصبحتْ فيه لا تستطيع الابتعاد عني لحظة واحدة ، كانت تكتب لي كلاماً تصف فيه عشقها وهيامها.
ولكن الملل كعادته بدأ يتسرب إلى نفسي ، مللت من تمثيل دور الحبيب الهائم ، قررتُ هجرها ، وقد احتفلتُ معها قبل قراري بعيد الحب على ضوء الشموع ، أهديتها ساعة يشع الأخضر منها ، هذه كانت طريقتي في إعلان انسحابي .. صارحتها بحقيقة الأمر، بدت منذهلة، قلت لها أنا رجل "نسونجي" لاعلاقة لي بالحب من قريب أو بعيد ، أنا فقط أجيد تمثيله لدرجة أستحق عليها جائزة الأوسكار ، ولقد خططت للانتقام منك بطريقةٍ مبتكرة ، بعد أن ازعجتني عجرفتك وتصرفك في المطار ، أما الآن فقد انتهت مهمتي بعدما أشبعتُ رغبتي منكِ ونجحتُ بالانتقام لدوري في الطابور ، وداعاً أيتها المتغطرسة .. امسحي رقمي ولاتتصلي بي مرةً اخرى .. وحاولي أن لا تتجاوزي في المستقبل رجلاً شرقيا يقفُ في طابور الانتظار .