حين يغيب عبق بغداد: هل فقد “مقهى رضا علوان” رمزيته البغدادية ؟!

حين يغيب عبق بغداد: هل فقد “مقهى رضا علوان” رمزيته البغدادية ؟!

امير الداغستاني

2025-10-04T10:04:17+00:00

في قلب الكرادة، حيث تنبض بغداد بإرثها المدني وأصالتها، كان مقهى رضا علوان يتصدر شارع الكرادة الداخل، إذ لم يكن مكانا للجلوس واحتساء القهوة فحسب ، بل كان رمزاً بغدادياً يضم بين جدرانه عبق المدينة ووجهها الحضاري المشرق ، وعلى الرغم من عدم إيغاله في القدم ، لكنه شكل معلما استثنائياً في ملامح المدينة ، وحفر اسما له لا يمكن عبوره أو إغفاله ، عند ذكر واستحضار معالم المدينة البارزة .

اختزل حكايات رواده لاسيما المثقفين والفنانين ، إذ عد ملتقى لهم ، ساعد على ذلك موقعه في مدينة الكرادة المفتوحة على كل الانتماءات والتوجهات .

وعلى الرغم من فروعه المنتشرة في أماكن ومناطق عديدة لكن فرع الكرادة ظل متربعا على عرش التميز .

كان هاجس من يرتاده الحصول على مكان يجلس فيه ، لكثرة رواده الذين يجدون فيه ملاذاً يمزج بين دفء الماضي وبهاء الحاضر .

مما اضطر القائمين عليه العمل على توسعته ، وإعادة تأهيله ، الأمر الذي أفقد المقهى جزءاً من حميميته وخصوصيته التي كان يتفرد بها على غيره من المقاهي والمنتديات ، ونزع عن المقهى تلك الهوية التراثية البغدادية التي أحبها الناس ، داخل العراق وخارجه .

ما زال المكان قائماً ، ولكن ملامحه لم تعد كما كانت عليه قبل التأهيل ، تغيرت التفاصيل ، وتبدلت الزوايا التي اعتاد عليها رواده ، أولئك الذين ارتبطوا به صيفاً وشتاءً ، من شباب ومثقفين وكتاب وفنانين ، وكل من وجد فيه ملاذاً من ضجيج الحياة ونقطة التقاء بين الماضي والحاضر .

قبل ايام قادتني قدماي الى ذلك الركن الذي كنت أظنه لم يتغير ، لقد أسعدني التوسع والعمران والديكورات التي غيرت المكان بالكامل من ناحية ، لكني حزنت من ناحية أخرى ، إذ لم أجد فيه ذلك المكان الذي أعثر فيه على راحتي .

حاولت أن اقنع نفسي ان “المكان هو ذاته” ، لكنني عجزت عن الاندماج معه ، وشعرت بشيء من الغربة ، إذ لم اجد روح المقهى التي كانت تأسرني ، تلك التي كانت تختزل عقوداً من تاريخ بغداد القديمة ، وتُشعرني بأني اعبر الزمن الى حيث الاصالة والجمال .

لا أدري هل الاعتياد على ملامح المكان وتشكيلاته تخلق ارتباطاً شرطياً بينها وبين الارتياح الذي يولده في داخل من يرتاده ، حيث يرفض أن تتبدل ملامحه وتظل ذاكرته محتفظة بتلك الصورة القديمة التي تعشش في داخله فيعجز عن تقبلها والتجاوب معها ؟!

لست ممن يقفون في وجه التطور والتغيير ، لكن فرادة المكان وخصوصيته مع حساسية من يرتاده من أدباء ومثقفين ، خلقت هوة بين الوجه الجديد للمقهى بعد التأهيل وبين رواده .

وهنا أتوجه بنداء ودي الى الصديق العزيز الدكتور علاء رضا علوان ، بأن يعيد النظر في ما طرأ من تغييرات ، وان يستعيد تلك اللمسات البغدادية الحميمة التي أحببناها وارتبطنا بها ، فما يميز هذا المقهى ليس جدرانه أو آثاثه ، بل روحه البغدادية الأصيلة ، التي قد تضطر رواده الى البحث عن بديل آخر ، باحثين عن دفء الألفة وعبق تراث بغداد الذي نتمسّك به .

فـ”رضا علوان" لم يكن يوماً مقهى فحسب ، بل كان رمزاً من رموز إرث بغداد الثقافي والاجتماعي ووجهها الحضاري المشرق الذي تتباهى به .. فهل نراه يعود كما عرفناه .

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon