حين يغيب عبق بغداد: هل فقد “مقهى رضا علوان” رمزيته البغدادية ؟!
امير الداغستاني
في قلب الكرادة، حيث تنبض بغداد بإرثها المدني وأصالتها، كان مقهى رضا علوان يتصدر شارع الكرادة الداخل، إذ لم يكن مكانا للجلوس واحتساء القهوة فحسب ، بل كان رمزاً بغدادياً يضم بين جدرانه عبق المدينة ووجهها الحضاري المشرق ، وعلى الرغم من عدم إيغاله في القدم ، لكنه شكل معلما استثنائياً في ملامح المدينة ، وحفر اسما له لا يمكن عبوره أو إغفاله ، عند ذكر واستحضار معالم المدينة البارزة .
اختزل حكايات رواده لاسيما المثقفين والفنانين ، إذ عد ملتقى لهم ، ساعد على ذلك موقعه في مدينة الكرادة المفتوحة على كل الانتماءات والتوجهات .
وعلى الرغم من فروعه المنتشرة في أماكن ومناطق عديدة لكن فرع الكرادة ظل متربعا على عرش التميز .
كان هاجس من يرتاده الحصول على مكان يجلس فيه ، لكثرة رواده الذين يجدون فيه ملاذاً يمزج بين دفء الماضي وبهاء الحاضر .
مما اضطر القائمين عليه العمل على توسعته ، وإعادة تأهيله ، الأمر الذي أفقد المقهى جزءاً من حميميته وخصوصيته التي كان يتفرد بها على غيره من المقاهي والمنتديات ، ونزع عن المقهى تلك الهوية التراثية البغدادية التي أحبها الناس ، داخل العراق وخارجه .
ما زال المكان قائماً ، ولكن ملامحه لم تعد كما كانت عليه قبل التأهيل ، تغيرت التفاصيل ، وتبدلت الزوايا التي اعتاد عليها رواده ، أولئك الذين ارتبطوا به صيفاً وشتاءً ، من شباب ومثقفين وكتاب وفنانين ، وكل من وجد فيه ملاذاً من ضجيج الحياة ونقطة التقاء بين الماضي والحاضر .
قبل ايام قادتني قدماي الى ذلك الركن الذي كنت أظنه لم يتغير ، لقد أسعدني التوسع والعمران والديكورات التي غيرت المكان بالكامل من ناحية ، لكني حزنت من ناحية أخرى ، إذ لم أجد فيه ذلك المكان الذي أعثر فيه على راحتي .
حاولت أن اقنع نفسي ان “المكان هو ذاته” ، لكنني عجزت عن الاندماج معه ، وشعرت بشيء من الغربة ، إذ لم اجد روح المقهى التي كانت تأسرني ، تلك التي كانت تختزل عقوداً من تاريخ بغداد القديمة ، وتُشعرني بأني اعبر الزمن الى حيث الاصالة والجمال .
لا أدري هل الاعتياد على ملامح المكان وتشكيلاته تخلق ارتباطاً شرطياً بينها وبين الارتياح الذي يولده في داخل من يرتاده ، حيث يرفض أن تتبدل ملامحه وتظل ذاكرته محتفظة بتلك الصورة القديمة التي تعشش في داخله فيعجز عن تقبلها والتجاوب معها ؟!
لست ممن يقفون في وجه التطور والتغيير ، لكن فرادة المكان وخصوصيته مع حساسية من يرتاده من أدباء ومثقفين ، خلقت هوة بين الوجه الجديد للمقهى بعد التأهيل وبين رواده .
وهنا أتوجه بنداء ودي الى الصديق العزيز الدكتور علاء رضا علوان ، بأن يعيد النظر في ما طرأ من تغييرات ، وان يستعيد تلك اللمسات البغدادية الحميمة التي أحببناها وارتبطنا بها ، فما يميز هذا المقهى ليس جدرانه أو آثاثه ، بل روحه البغدادية الأصيلة ، التي قد تضطر رواده الى البحث عن بديل آخر ، باحثين عن دفء الألفة وعبق تراث بغداد الذي نتمسّك به .
فـ”رضا علوان" لم يكن يوماً مقهى فحسب ، بل كان رمزاً من رموز إرث بغداد الثقافي والاجتماعي ووجهها الحضاري المشرق الذي تتباهى به .. فهل نراه يعود كما عرفناه .