حكومة الاقليم بين التحدي والضرورة
عبدالله جعفر كوفلي
حكومة اقليم كوردستان العراق التي انبثقت بعد اول انتخابات تشريعية في 19/5/ 1992 بعد الانتفاضة الجماهيرية و الهجرة المليونية و احداث كثيرة لا نرغب الخوض فيها .
هذه الحكومة التي شهدت الكثير من المنعطفات و تجاوزت المراحل الصعبة بعد سحب العراق لاداراتها و فرض الحصار الاقتصادي و مواجهة العمليات الارهابية و التهديدات الاقليمية المتكررة ناهيك عن الاقتتال الداخلي السيئ الصيت .
واجهت الحكومة مرحلة صعبة منذ عام 2014 بعد قطع الموازنة و الرواتب من قبل الحكومة الاتحادية دفعتها الى اقرار سياسة التقشف و قطع الرواتب بنسب مختلفة اثرت بشكل سلبي على الوضع المعيشي للمواطنين و لكن عقودها النفطية مع الشركات العالمية خففت من ثقل كاهلها .
قرار القيادة السياسية بإجراء استفتاء شعبي في 25/9/2017 لتقرير مصيره اثار حفيظة الدول الاقليمية و المجتمع الدولي برمته اضافة الى الاصوات الداخلية المناهضة لاجراءها و ما ان تم اعلان نتائجها و بدأت عجلتهم بالتحرك نحو المزيد من عزلة الاقليم و الضغوط السياسية و الاقتصادية و العسكرية .
دخلت حكومة الاقليم مرحلة صعبة بعد احداث 16/10/2017 و دخول القوات العراقية و الحشد الشعبي الى مدينة كركوك و سيطرتها على عدداً من الابار النفطية و فقدانها مساحات واسعة من الاراضي في المناطق الكوردستانية خارج الاقليم , هذه الاحداث دفع بالبرلمان الكوردستاني الى تأجيل الانتخابات و تمديد عمره لثمانية اشهر و توزيع صلاحيات رئيس الاقليم الى رئيس الوزراء و رئيس البرلمان و مجلس القضاء الاعلى بعد رفض السيد (مسعود البارزاني) تمديد فترة رئاسته , كل هذا وسط انقسام داخلي متشرذم و دعوات متتالية بضرورة تشكيل حكومة انقاذ وطنية او انتقالية لحين اجراء الانتخابات من قبل حركة التغيير و الجماعة الاسلامية و جهات اخرى .
اذن الحكومة التي يرأسها السيد ( نيجيرفان البارزاني ) على الرغم من توسيع صلاحياته ، امام جملة من التحديات و الصعوبات التي تحتاج الى المراجعة و إعادة النظر من اجل قطع المسافة بأسرع وقت و تحقيق المنجزات و الوصول بسفينة الاقليم الى بر الامان و منها :
- دعوة لإلغاء نتائج الاستفتاء الشعبي و عدم الاكتفاء بتجميدها من قبل الحكومة الاتحادية كشرط لبدء الحوار و الجلوس على المستديرة ، و هي دون شك خطوة تباركها كل من ايران و تركيا و ربما امريكا و بريطانيا ، و ذلك بسبب رفض طلبهم تأجيلها او إلغاءها وسط نداءات دولية و اطراف متعددة بضرورة بدء الحوار و انه السبيل الوحيد لمعالجة القضايا العالقة بين بغداد و اربيل .
- الضغوط الداخلية الرسمية و غير الرسمية من الاحزاب و المواطنين بضرورة دفع الرواتب و وضع حد لمعاناة الموظف من عدم دفع راتبه الشهري بشكله التام بل و جعل من ذلك شرطاً للقبول بالعودة الى البرلمان و الحكومة و في مقابل ذلك اقر مجلس وزراء العراق خفض الميزانية من 17% الى 12.67% و هذا لايسهل عمل الحكومة بل يدخلها في موقف صعب .
- بناء وحدة وطنية يجتمع تحت مظلتها كل الاطراف و التوجهات السياسية و القومية كضرورة استراتيجية ملحة في وقت يشهد الاقليم تباعداً واضحاً بين الكتل السياسية كانت للاحداث الاخيرة دوراً فاعلاً فيها و برنامج الحكومة بزيارة كل الاطراف تصب في هذا المجال في وقت تصرّ بعض الاطراف و ترتبط عودتها الى البرلمان و الحكومة تحقيق اهداف في حكم المعجزات ، و إلا انها غير مستعدة للاستجابة لطلب الحكومة ، في وقت تشترط الحكومة الاتحادية لبدء الحوار ان يكون الوفد الكوردستاني ممثلاً عن جميع مكونات الشعب و ضرورة تغيير الوجوه السابقة .
- العزلة الدولية : مما لا شك فيه ان اجراء الاستفتاء و نتائجها اثرت بشكل سلبي على علاقات حكومة الاقليم الدبلوماسية مع المجتمع الدولي و هي تمر في مرحلة العزلة مع الانفراج التدريجي , في وقت الاقليم بحاجة كبيرة اكثر من أي وقت مضى الى الدعم الدولي .
هذه التحديات و غيرها تقف حائلاً امام الحكومة في تنفيذ برامجها خلال الفترة القادمة وأن الضرورة تفرض نفسها البحث عن معالجتها بشكل يرضي الجميع .
السؤال الذي يفرض نفسه هل ان الحكومة قادرة على تجاوز صعوبات المرحلة ، كالسائق الذي يرغب في الوصول الى مكان معين و بزمن معين بسيارة قديمة فيها الكثير من العطب في ماكنتها و عجلاتها ، وهل أنه سيتراجع عن الوصول الى هدفه ويستسلم ، أم سيضطر الى تصليح سيارته أو تبديلها بأخرى ؟ إذن هل يحتاج رئيس الحكومة تغيير آلياته و ادوات عمله و تخطيطه و حتى وزراءه . ليكون بمستوى الطموح و مواجهة القادم بكل صعوباته و ازماته و طلباته .. و عليه فأن الحكومة التي لا تخطط للمستقبل سيكون جزءاً من خطط الاخرين و برامجهم و هذا هو سر الخلاف بين الدول المتقدمة و غير المتقدمة و يجب ان يكون هذه الخطط شاملة و تقعد الحكومة العزم على تطبيقها .
لذلك نقترح سياسة عامة لحكومة الاقليم في المرحلة القادمة مبنية على اعادة الثقة بين المواطن و الحكومة و شاملة لجميع جوانب الحياة (الامنية و الاقتصادية و السياسية و العسكرية و الثقافية ... الخ) ، يستفاد من خبرة الاكاديميين والمختصيين في مجال إدارة الازمات بأسرع وقت لأن مرور الزمن ليس في صالحها ...