حقبتان .. وطغمتان من طينة واحدة
جاسم الحلفي
بدا لي وانا اقرأ عن الوضع السياسي في العهد الملكي وطبيعة الانتخابات آنذاك وطريقة اجرائها والتحكم بنتائجها والبرلمانات التي تتشكل في ضوء ذلك، انها تشبه الى حد كبير واقع الحياة السياسية التي نعيشها في الحقبة الحالية. وإذ اقارن بين الحقبتين، الملكية وهذه التي نعيش اليوم لجة ازماتها، فلا اريد ان أزكى من أمسك السلطة باسم الجمهورية وادعى الحكم باسم الشعب. فالتعسف والعدوان ومصادرة الحريات وهضم الحقوق هو من طبيعة تلك الأنظمة التي استبدت وحكمت بالحديد والنار، خاصة بعد انقلابي 8 شباط الدموي عام 1963، و17 تموز عام 1968، ووليدهما الحكم الدكتاتوري ذي النزعة الفاشية والعنصرية.
وحين نشير هنا الى واقع الحياة البرلمانية في ثلاثينات واربعينات القرن المنصرم، نجد ان الخط البياني لطريقة عمل البرلمان ولنزاهة انتخاب اعضائه كان في انحدار مستمر. فالدورات الانتخابية الـ 16 بمجموعها سارت من سيء الى أسوأ، وصولا الى مسخرة انتخابات التزكية التي كشفت حقيقة اولئك "النواب" كونهم اسوة بالموظفين الحكوميين لا يملكون حرية اتخاذ القرار، مما دفع القوى الاجتماعية الجديدة الى المطالبة بالانتخابات الحرة والنزيهة.
وبدلا عن بناء الثقة بالدولة ومؤسساتها، سيما هي في طور التكوين والبناء، ضعفت الثقة وتراجعت المشاركة السياسية جراء الإجراءات والسلوك اللاديمقراطي، وتعمقت الفوارق الاجتماعية، وصاحب ذلك التضييق على الحريات، وتصاعد مزاج عدم الرضا على الأوضاع التي تمر بها البلاد، واتساع الهوة بين السلطة وأبناء الشعب. وغدت الصورة الظلامية ملازمة للأوضاع، حيث الحرمان من الحقوق الديمقراطية الدستورية، فلا حريات ولا حقوق نشر ولا اباحة للتعبير عن الرأي.
وتراجعت خطوات بناء الدولة الحديثة على وفق النظام البرلماني، واتخذ رجال الحكم والمهيمنون على السلطة والماسكون بها، من الديمقراطية قناعا ومن العملية الانتخابية لعبة لتأبيد وجودهم في قمة السلطة. وأصبح عاديا عدم الالتزام بمواد الدستور، ووضع مختلف العراقيل للحيلولة دون وصول المعارضة الى البرلمان.
كما عصفت بالبلد أزمات اقتصادية خانقة، وتدهورت الأوضاع السياسية والاجتماعية، وتردت الأوضاع العامة بشكل كبير، خاصة خلال الأربعينيات. وكان لهذه السياسات أثرها في أوضاع المواطنين المعيشية والحياتية والخدمية، حيث استفحلت البطالة وانتشرت الأمية والامراض. وإثر ذلك ارتفعت صيحات الاحتجاج الشعبية مطالبة برفع الظلم والحيف عن الشعب، ودعت إلى إزالة الفوارق الطبقية وتحقيق العدالة الاجتماعية وكسر احتكار السلطة، مؤكدة اهمية التمثيل الحقيقي للشعب في السلطة التشريعية عبر انتخابات حرة نزيهة، الى جانب وضع حد للغلاء الفاحش، وعدم التضييق على الحريات.
حين تقرأ عن ذلك التاريخ الموجع يبدو لك وكأن الزمن لم يتحرك، فأزمة نظام الحكم ماثلة امامك في تحكم الطغمة الحاكمة التي لا تختلف طبيعتها في شيء، من جهة البعدين الوطني والطبقي، عن حكم الماسكين بالسلطة في العهد الملكي. بل انها فاقت ذلك وتجاوزته بفسادها ونهبها للمال العام وثرائها غير المشروع، وبطائفيتها وتعصبها الحزبوي والمناطقي. ذلك انها رسخت اقدامها كسلطة اقلية مستبدة (أولغارشية)، حيث التحكم بالمال والنفوذ، والخضوع للولاءات الخارجية.