جارنا أبو جواد ومنصب المحافظ!
حسين الخشيمي
من العنوان؛ أبو جواد رجل خمسيني بهمة شاب لا يتجاوز العشرين من عمره، وبحكمة كهل يجد حلاً لكل مشكلة تواجهه.. تواجه عائلته.. بل وحتى تلك المشاكل التي تواجه الحي الذي نسكنه.
أما فيما يرتبط بمنصب "المحافظ" فسأترك لكم خيار تحديد المحافظة التي ترغبون تجنباً لخطر دفع غرامة قد تصل إلى مليار دينار عراقي، سيفرضها عليّ مجلس المحافظة فيما لو قررت تحديدها أنا.
المؤكد أنه سيفوق قدرتي المثول أمام محكمة النشر في بغداد لأبرر لهم موقفي من أعضاء مجلس تلك المحافظة الذين سيرفعون بحقي دعوة قضائية إذا ما قررت أن أبوح لكم باسم المحافظة، مع أنني في الوقت ذاته مؤيد لكل إجراء قانوني رادع يصدر بحق كل من يتطفل على الصحافة ويطلق الكلام البذيء على عواهنه بحجة أنه أحد المنتمين لـ "السلطة الرابعة" أو "الخامسة" كما يسمها الصحفي المصري الشهير يسري فودة، إذ لابد أن تكون الكلمة مسؤولة وناضجة.
أعود إلى أبي جواد.. أبو جواد يجلس على مقعد صناعي صغير أمام بيته الذي انتهى من بنائه مؤخراً، وإلى جانب شعلة البياض المتوهجة على رأسه، يحمل أبو جواد في جوف هذا الرأس هموماً كثيرة، ومشاريع أكثر.. يخطط .. يفكر.. يبتكر.. يعالج.
شعلة البياض هذه تستقر منذ سنوات طويلة على عقل استراتيجي بامتياز، وكثيراً ما قاده هذا العقل إلى نجاحات باهرة على المستوى الشخصي.
ذات يوم، وفي لحظة لا تتوفر فيها أدنى درجات التحريض على التفكير والتخطيط، ومن على مقعده الصناعي، جلس أبو جواد أمام باب بيته هارباً من حر جدرانه الكونكريتية بعد انقطاع التيار الكهربائي وقرر أن يعالج مشكلة "المجاري" في شارعنا.
ومن دون الرجوع إلى مستشارين، في اليوم التالي كان الشارع على امتداده مكتظاً بالعمال وأنابيب المجاري الكبيرة، وآليات الحفر العملاقة، والكل يعمل بحماس تحت أشعة الشمس، وأبو جواد يمارس دور الرقيب تارة، وموظف الخدمات تارة أخرى حتى ساعة متأخرة من الليل، وفي غضون يوم بليلته.. أنهى أبو جواد مهمة عظيمة تكللت بنجاح ومن دون الحاجة إلى حكومتنا المحلية او من يمثلها!.
وبعد يوم واحد من سريان المياه في مجاريها، ومن على نفس المقعد الصناعي، قرر أبو جواد هذه المرة أن يجد حلاً لأزمة مياه "الإسالة"، وبجهد ذاتي –غير حكومي- مع معونة بعض الأصدقاء وصل إلى كل بيت في شارعنا أنبوب رئيسي "الأبي" صالح للاستخدام!.
أما مؤخراً، وحيث يشم أبو جواد رائحة الحر اللاهب من بعيد قبل وصوله إلى شارعنا، وفي ظرف 5 ساعات من ليلة واحدة، وجد حلاً لمشكلة كهرباء الشارع والعطلات المتكررة التي ترافق ساعات النهار في كل صيف بسبب ضعف شبكات الكهرباء والزخم الكبير على "محولات الطاقة"، وكل ذلك بجهد وتمويل ذاتي.
بعد هذه الجهود العظيمة، اقترح جار آخر لنا مازحاً على أبي جواد أن يكون "محافظاً"، وبلهجة ممزوجة بقهقهات الجار السعيد بشارعنا الفريد بخدماته: "حجي والله لو تصير محافظ وتلزم مقاولات المحافظة كلها احسن من ذولي الحرامية...".
يهز أبو جواد رأسه ضاحكاً، وفي داخله حسرة بحجم التعب الجاثم على جسده الناعم.
فيما لو فكر جارنا أبو جواد أن يكون محافظاً عملاً بنصيحة الجار الطيب، ما الذي سيحدث؟!
بالتأكيد إن الجلوس على مكتب فاخر وكبير في مبنى فاره سيوفر لأبي جواد أجواءً مناسبة للتفكير والتخطيط لمشاريع عمرانية وخدمية وسياحية أكبر، أفضل بكثير من الجلوس على مقعده الصناعي، وبالضرورة سيكون سبباً لخلق حركة اقتصادية كبيرة في المحافظة وسيوفر فرص عمل للعاطلين، والأهم من ذلك كله ستكون أموال المحافظة في يد أمنية.
لكن التحدي الأكبر الذي سيواجهه، هو ما مدى إمكانية وجود أفراد مخلصين يشاركونه هم خدمة الناس؟ فرئاسة حكومة محلية أو إدارة مشاريع المحافظة تحتاج بالضرورة إلى وجود مستشارين بأمزجة "أحزاب" متصارعة فيما بينها ترى في الإنجاز خسارة، ومدراء يجتهدون ليل نهار في تقديم أكبر قدر ممكن من "الكومشيونات" و "التندرات" إلى لجان هذه الأحزاب الاقتصادية!.
ثم كيف سيسطر أبو جواد على محاصرة فكرة أن "مال العراق سائب"؟ وكيف سيواجه قرار أعضاء مجلس المحافظة بصداقاتهم العميقة الراسخة مع دول إقليمية نافذة في محافظتنا "المفترضة" وهم يعملون من منازلهم على عرقلة كل إجراء يصب في خدمة المواطن ويخدم مصلحة الأصدقاء الداعمين؟!
إنها مهمة مستحيلة.. نهض أبو جواد من على مقعده الصناعي مجدداً.. نادى أولاده: "تعالوا نزرع أشجار النارنج أمام بيوت شارعنا ولتذهب المحافظة إلى جحيم أحزابها".