تناقضات حكومة السوداني

تناقضات حكومة السوداني

احمد حسين

2024-09-19T09:18:33+00:00

منذ أن خرجت الأزمة السياسية العراقية من عنق الزجاجة الخانقة، بل الشانقة، في أواخر العام 2022، واتفاق تحالف إدارة الدولة على اختيار محمد شياع السوداني رئيساً للوزراء وتصويت مجلس النواب على كابينته الحكومية، كان شعار السوداني وما زال "تعظيم إيرادات الدولة، تنويع الاقتصاد غير النفطي، تقليل نسب البطالة" وبطبيعة وواقع الحال البطالة في العراق لا تقتصر على عدم حصول الفرد على فرص عمل بل تشمل البطالة المقنعة والتي تتمثل بجيوش من الموظفين الذين لا عمل لهم ولا حاجة حتى، لكنهم موظفون يتقاضون رواتباً، في حين هناك الآلاف ممن هم أكفأ منهم يفترشون الأرصفة بلا عمل.

السيد السوداني -على ما أذكر- تحدث في إحدى المرات عن البطالة المقنعة، أو هكذا أوحت ليّ جولاته الميدانية في مستشفى الكاظمية ومطار بغداد الدولي وانتقاده الحاد للإهمال والفوضى، مما يعني بالضرورة تشخيص إهمال وتكاسل وظيفي في أداء الواجبات، وعليه يحق ليّ الحديث عن البطالة المقنعة التي على ما يبدو أن وزارة الكهرباء في حكومة السيد السوداني تريد مضاعفة أعدادها.

وزارة الكهرباء أعلنت في 13 آب/ أغسطس الماضي عن اختيارها 13 منطقة في العاصمة بغداد لنصب المقاييس الذكية فيها، وهي مقاييس تقوم بعدة مهام وتنوب عن آلاف الموظفين، إلى جانب اعتماد الوزارة تسديد أجور الكهرباء إلكترونياً، مما يعني "تفييض" هؤلاء الموظفين الذين انتفت الحاجة إليهم لكنهم رغم ذلك سيستمرون ضمن ملاكات الوزارة ويتقاضون رواتبهم ومخصصاتهم وامتيازاتهم من دون أداء أي عمل، وهذه الخطوة "العظيمة" لم تنفرد بها وزارة الكهرباء لوحدها بل جرت بالتنسيق مع الأمانة العامة لمجلس الوزراء ولجنة الطاقة النيابية.

والآن لابد أن نفهم ما هي وظائف العداد الذكي وعن كم وظيفة "بشرية" سيستغني؟.

بحسب تقرير مفصل نشرته الشركة العامة لتوزيع الكهرباء/ الفرات الأوسط، العداد الذكي "يقوم بقياس استهلاك الكهرباء ويحفظ هذه القياسات على ذاكرة مدمجة ومن ثم يرسلها إلى شركة الكهرباء على الأقل مرة واحدة في اليوم"، مما يعني بلا شك الاستغناء عن موظفي قراءة العدادات "قُراء المقاييس" بحسب المصطلح التعريفي المتداول في الوزارة عن هذه الفئة من موظفي الملاك الدائم والعقود المؤقتة، وأعدادهم بالآلاف إن لم تكن في خانة عشرات الآلاف في عموم العراق.

وبـ"تفييض" قراء المقاييس يتم أيضاً الاستغناء عن أمناء الصناديق -وهم أيضاً بالآلاف- الذين يستلمون الأموال من المواطنين المستهلكين للكهرباء لأن الدفع سيكون إلكترونياً، كما ينتهي دور "المثقبين" -وهم كذلك بالآلاف- وأنا هنا أذكر تسميات وظيفية يعرفها موظفو وزارة الكهرباء، و"المثقب" هو الموظف الذي يقوم بإدخال قراءات قوائم استهلاك الكهرباء والمبالغ التي تمت جبايتها من المواطنين، وما يقوم به "المثقب" يرفعه إلى قسم المعلوماتية وهي تسمى عملية "الترحيل" وهم الفئة الوحيدة التي سيستمر عملها، وهي فئة محدودة العدد لأنها فقط تقوم بإدخال بيانات تصلها جاهزة ولا تحتاج إلى أي تعديل أو حتى مراجعة، فقط إدخال بيانات.

وطبعاً تضمن التقرير وظائف أخرى يقوم بها العداد لكنها في الحقيقة لا أساس لها من الصحة، فما علاقة العداد بالاعتماد على المولدات الأهلية، أو تقليل الاعتماد عليها وتخفيض أسعارها، أو تلوث الهواء، أو ترشيد الاستهلاك، أو تبديد المخاوف من عطب واحتراق المواد الكهربائية المنزلية، أو السيطرة على الأسلاك الكهربائية وإزالة القلق من تدليها في الشوارع؟!، تبريرات مضحكة حقيقة.

مشروع العداد الذكي أو المقياس الذكي لا يختلف عن مشروع خصخصة الكهرباء الذي كان البداية الأولى لـ"تفييض" الموظفين وتحويلهم إلى بطالة مقنعة، حتى أن شركات الخصخصة في حينها كانت تقوم بالاستغناء عن موظفي الملاك لكون رواتبهم مرتفعة وتقتصر فقط على موظفي العقود المؤقتة لكون رواتبهم تبلغ نصف رواتب أقرانهم الدائميين.

مشروعا خصخصة الكهرباء، والمقياس الذكي، يتساويان بـ"الغباء" مع "أغبى" مشروع اقتصادي في العراق وهو قطار بغداد المعلق الذي سيتسبب هو الآخر بقطع رزق الآلاف من سائقي القطاع الخاص، التكسي، الكيا، الكوستر، ويحولهم إلى جيش عاطل عن العمل سيقوم بأول انقلاب "بنفسجي" في الانتخابات المقبلة التي يطمح السوداني إلى الحصول فيها على أصوات تعزز طموحاته للولاية الثانية.

يا سيادة رئيس الوزراء، أما أنك تتخبط في قراراتك ومتبنياتك وتسلك سلوك من سبقك، وأما أنك محاط مثل من سبقك بمجموعة مستشارين لا يصلحون للاستشارة وليسوا أهلاً لها، وأما أن وزرائك "يلعبون شاطي باطي"، وفي جميع الأحوال: إن كنت تدري فتلك مصيبة وإن لم تكن تدري فالمصيبة أعظم.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon