تناقضات بيانات التضخم في أمريكا
شوان زنكَنة
أصدرَ مكتبُ إحصاءات العمل الأمريكي، الأربعاء، 11/9/2024، بيانات أسعار المستهلكين (التضخم) خلال شهر أغسطس الماضي، وقد أظهرتْ هذه البياناتُ تَبايُنًا واضحًا، فقد تَباطأَ التضخّمُ العَامُّ على أساسٍ سنويٍّ، مع ارتفاعٍ لمعدّل التضخّم في أغسطس، قياسًا بشهر تموز الماضي، بينما حافظَ التضخّمُ الأساسيُّ السنويُّ (كافة السّلع والخدمات ما عدا الطاقة والغذاء) على عِناده، ومقاومته للانخفاض، مُحافِظًا على استقراره السنوي في شهر أغسطس، ومرتفعًا على أساس شهري في أغسطس قياسًا بشهر تموز.
وجاءت الأرقام المتناقِضة كالآتي:
* التضخّم العامُّ في شهرِ أغسطس: فقد بلغَ 2.5% على أساسٍ سنويٍّ، وهو أقل من تَوقُّعات الأسواق البالغة 2.6%، في حين كان التضخّمُ السنويُّ العامُّ في شهر تموز 2.9%.
بينما أظهرتِ البياناتُ على أساسٍ شهريٍّ، أنّ التضخّم ارتفعَ بنسبة 0.3% في شهر أغسطس، وكانت توقّعات الأسواق تشيرُ إلى ارتفاعٍ بنحو 0.2%، علما بأن معدّل التضخّم الشهري كان قد سجّل ارتفاعًا بنحو 0.2% في شهر تموز الماضي.
هذا المُؤشِّرُ يشيرُ إلى انخفاضٍ ملحوظٍ في التضخّم العامِّ على أساسٍ سنويٍّ، وهو ما سيُعزِّزُ توجُّهَ البنك الفدرالي إلى تخفيض نسبة الفائدة، إلّا أنّ الارتفاعَ الشهريَّ للتضخّم العامِّ في شهر أغسطس، قياسًا بشهر تموز، عكّرَ صَفوَ الأسواقِ، والبنكِ الفدرالي، وتركَ قناعةً لديها بأن التضخّم يمكنُ أنْ يُعاودَ الارتفاعَ، رغم تدابير السياسة النقديّة الانكماشية.
* التضخّمُ الأساسيُّ (كافة السلع والخدمات ما عدا الطاقة والغداء) في شهرِ أغسطس: فقد بلغَ 3.2% على أساسٍ سنويٍّ، وهو ما توافقَ مع توقُّعاتِ الأسواق، علمًا بأن المُؤشِّرَ كان قد سجّلَ 3.2% في شهر تموز الماضي.
بينما أظهرتِ البياناتُ على أساسٍ شهريٍّ، أن التضخّمَ الأساسيَّ ارتفعَ بنسبة 0.3% في أغسطس، وكانت التوقُّعاتُ تشيرُ إلى ارتفاعٍ بنحو 0.2% فقط، علما بأن التضخّمَ الأساسيَّ على اساسٍ شهريٍّ كان 0.2% في شهر تموز الماضي.
هذا المُؤشِّرُ يؤكّد أن التضخّمَ الأساسيَّ يُصِرُّ على بقائه مرتفعًا، بل وارتفاعُه في شهر أغسطس يُوحي بميولِه للارتفاع، على الرغم من استقراره على أساسٍ سنويٍّ.
وسيُلقي هذا المُؤشِّرُ المهمُّ بظلاله على قرارات البنك الفدرالي بخصوص سعر الفائدة، خصوصًا، والسياسة النقديّة للفدرالي، عمومًا.
على ضوءِ هذه البياناتِ المتناقِضة، سوف لن يجدَ البنكُ الفدرالي لنفسه مجالًا واسعًا للمناورة بخصوص تخفيضِ نسبة الفائدة، الذي أعتقدُ أنه لن يتجاوزَ 0.25%، إذ سيُجابِهُ، وبقلقٍ واضحٍ، تلك البياناتِ المتناقِضةَ حول التضخّم، والتي يجبُ عليه التعاملُ معها بحكمةٍ وتَأنِّي.
يُعاني الاقتصادُ الأمريكيُّ من أزمةِ التوازُن بين التضخّم والرُّكود.. فانتعاشُ الاسواقِ، ومنعُ افلاس الشركات في أمريكا، يتطلّبُ اتخاذَ سياسةٍ تَوسُّعيّةٍ من قبل الفدرالي، ومن خلال أداة سعر الفائدة وتخفيضه، وهو ما يدفع معدّلات التضخم إلى الارتفاع.. وبالمقابل، فالبنكُ الفدرالي، ملزَمٌ بكَبح جِماح التضخّم من خلال سياسةٍ نقديّة انكماشية، وهو ما يدفعُ الاقتصادَ إلى الرُّكود، وهو ما لا تُحبّذه الإدارةُ الأمريكية.
يبقى الرُّكودُ التضخّميُّ هاجسَ السّلطة المالية في الإدارة الأمريكية، لحين ايجاد الحلول المناسبة، التي يَصعُبُ الوصولُ إليها في ظلِّ الأوضاع الجيوسياسية الحالية، والتوسُّعِ الاقتصاديِّ النقديِّ الرَّهيبِ.