تقويم الحملة الدعائية لانتخابات مجالس المحافظات
صادق الازرقي
ابتدأت حملة الدعاية الانتخابية التي انطلقت في الأول من تشرين الثاني 2023 التي تسبق انتخابات مجالس المحافظات بتمزيق صور المرشحين والاطاحة بالإعلانات الانتخابية؛ ولقد تنوعت أشكالها بين الاكتفاء بإزالة الاعلانات والصور وبين الاطاحة بالإطارات الحديدية الكبيرة التي تؤطر صور بعض المرشحين، ويظهر أن بعض المرشحين تحسب لذلك فقام بتعليق صوره في اعلى نقطة في كثير من العمارات لألا يصل إليها أحد، حتى إذا كانت صورهم لا تظهر بوضوح.
لقد تنوعت اسباب اللجوء إلى تخريب الصور واللافتات ومنفذيها، بين متذمرين وناقمين على المرشحين، من قبل أبناء الشعب واعتقد أنهم الاغلبية، وبين مرشحي القوائم المتنافسة الذين يقومون بإزالة صور المرشحين المنافسين التي يتصادف تواجدها في أثناء تعليق صور مرشحيهم، ولقد رأيت بعضهم يفعل ذلك في جسور بالعاصمة بغداد، كما تسنى لبعض اصحاب المهن كالعاملين في الحدادة أن يستحوذوا على الاطارات الحديدية الهائلة لدعايات بعض المرشحين.
ولقد تنبهت الحكومة لذلك واصدرت الاوامر الخاصة بالقبض على ممزقي الدعاية الانتخابية وتقديمهم الى القضاء.
وقد لوحظ في الحملات الانتخابية أن قادة الائتلافات تميزت اعلاناتهم بكبر حجمها ودقة تصنيعها وابرازها وجه رئيس الكتلة بصورة لافتة، ما ألقى بظلال من الشك بشأن دعاوى العدالة في الصرف على الدعايات الانتخابية التي حددت لها مفوضية الانتخابات سقفا ماليا محددا على وفق اعداد الناخبين.
والملاحظ بصورة لافتة أيضا، وكما هو عليه الحال في الدورات الانتخابية السابقة، غياب البرامج الانتخابية الواضحة لدى المرشحين واقتصر كلام معظمهم على العموميات وتجنب التطرق إلى القضايا الحساسة التي تهم البلد والسكان، وكانت جمل كثير منهم ضبابية تتعكز على وعود غير واقعية.
كما يلاحظ أيضا من أمر الدعاية الانتخابية مع اقتراب موعد الاقتراع "على افتراض تحققه"، قيام مرشحين بتأدية اعمال خدمية من قبيل فرش "السبيس" ومد بعض المجاري وبخاصة لأطراف بغداد، وهذا يعني برأي كثير من السكان ان اعمال الخدمات ستتوقف بعد انتهاء الانتخابات أو تأجيلها، وفي الحقيقة فإن تلك الاعمال يجب ان تتكفل بها الجهات التنفيذية ممثلة بالحكومة ودوائرها، كي تتواصل، وليس مجلس النواب كجهة رقابية، ما يطرح التساؤل عن دور السلطة التنفيذية في هذا الجانب.
لقد ادعى ممثلو بعض الائتلافات الحاكمة بمناظراتهم التلفزيونية والاعلامية، بان كتلهم "ستكتسح" نتائج الاقتراع وانها ستحقق الاولوية، وفي الحقيقة، ان هذا ادعاء لامعنى له، اذ ان قوى سياسية كبيرة تقاطع الانتخابات، كما ان الشعب معروف موقفه مسبقا، ولقد سبق ان قاطع الانتخابات النيابية الاخيرة في عام 2021 بنسبة كبيرة، ومن المتوقع ان يقاطعها ربما بنسبة اكبر ايضا في انتخابات مجالس المحافظات المقبلة؛ وبالنتيجة فان نتائجها مهما كانت لن تمنح الفائزين فيها شرعية حقيقية، وبرأي محللين سياسيين فان سير الامور "يجعل السباق الانتخابي بين القوى السياسية الحاكمة لوحدها، مع تنامي الشعور باللاجدوى منها، وأنها لن تسفر عن أي تغيير على مستوى الخدمات المقدمة، أو إبعاد الأحزاب الكبيرة عن التصرف بالموارد الحكومية"، على حد قولهم.
ولقد لاحظنا في الانتخابات النيابية العامة السابقة كيف حاولت المفوضية رفع نسبة التصويت في الانتخابات بحصر نسبة من يحق لهم التصويت بالحائزين على البطاقة الالكترونية (على انهم 100% ممن يحق لهم التصويت) وتغافلت عن الاعداد الحقيقية لمستحقي التصويت وهم مقاطعون اصلا، ولم يراجعوا لاستخراج او تحديث البطاقة الانتخابية، ثم جرى الادعاء بان نسبة التصويت بلغت 41% و نسبة المقاطعة 59% بحسب المفوضية، في حين ان مراكز الاستطلاعات والبيانات ذكرت ان نسبة المشاركين الحقيقية لم تتجاوز 20% برغم ان جميع القوى تقريبا قد شاركت فيها.
ويظهر ان مفوضية الانتخابات تحاول تدارك المأزق مجددا في الانتخابات المقبلة، وذلك بإعطاء نسبة غير حقيقية للمصوتين، اذ سارعت المتحدثة باسم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات للإعلان، بأن 16 مليوناً من أصل 23 مليون ناخب يحق لهم المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات، معللة ذلك بالقول ان "الذي سجّل بايومترياً ويمتلك البطاقة البايومترية، هو الذي يحق له المشاركة في انتخابات 18 كانون الأول هذا العام".
وذلك امر غريب، ولم يحدث في أي نظام ديمقراطي حقيقي في العالم، اذ المتعارف عليه ان يجري حساب عدد السكان ممن يحق لهم التصويت اصلا، على وفق اعمارهم واستحقاقهم، وليس بحسب قضايا ادارية تتعلق ببطاقات هوية انتخابية او غيرها.
وكانت المفوضية قد قالت ان أكثر من 23 مليون مواطن يحق لهم الإدلاء بأصواتهم في انتخابات مجالس المحافظات العراقية، من بينهم أكثر من 10 ملايين شخص فقط، قاموا بتحديث سجلاتهم الانتخابية حتى الآن (ايلول 2023).
وبحسب مصادر سياسية تقول انها على تواصل مع مفوضية الانتخابات، فان "نسبة تحديث البطاقات الانتخابية أقل من العدد المعلن عنه من قبل المفوضية، لكن الأخيرة كانت تريد تحفيز العراقيين على المشاركة في الانتخابات". ورأت أن "النسبة المتوقعة والأقرب إلى الحقيقة هي أن أقل من 30% ممن يحق لهم التصويت في الانتخابات، قاموا بتحديث سجلاتهم الانتخابية، في حين أن عدداً كبيراً منهم لن يشارك في الانتخابات".
وترى المصادر، أن "البيانات التي تصدر عن مراكز الدراسات والمنظمات المحلية، تتوقع أن تكون نسبة المشاركة في الانتخابات (بحسب ما يعلن من ارقام) أكثر من 50%، وقد يكون هذا التوقع صحيحاً، لكنه ليس من النسبة الأصلية لمن يحق لهم المشاركة، بل أنه يتعلق بمن أقدم على تحديث سجله الانتخابي، بالنتيجة فإن نسبة المشاركة قد تكون 20% فقط من مجموع العراقيين الذين يحق لهم التصويت"، بحسب وصفها.