بناء الجسور.. نحو نهجٍ عراقيٍّ في فهمِ الألمان اجتماعياً
لقمان عبد الرحيم الفيلي
التفاعلات الثقافيَّة عبارة عن نسيجٍ من التجارب والقصص ووجهات النظر التي تتجمع عندما يلتقي أفراد من مناطق مختلفة من أنحاء العالم، وبالنسبة للعراقيين الذين يجدون أنفسهم في ألمانيا، فإن فهم تعقيدات الشخصيَّة الاجتماعيَّة الألمانيَّة يمكن أن يكون مفيداً، وفي بعض الأحيان صعباً. وفي هذه المقالة نتعمق في تجارب العراقيين الذين تفاعلوا مع المشهد الاجتماعي الألماني، سعياً إلى بناء جسور التفاهم بين ثقافتين متنوعتين.
إنَّ الطابع الاجتماعي الألماني هو انعكاسٌ للتاريخ الغني والقيم الثقافيَّة والأعراف المجتمعيَّة التي تطورت على مرّ القرون، وعندما يتعامل العراقيون مع الألمان، سواء على المستوى المهني أو الشخصي، فمن الضروري فهم تعقيدات هذه الشخصيَّة الاجتماعيَّة المختلفة عنهم، وفي هذه المقالة سنسعى لكشف تطور الشخصيَّة الاجتماعيَّة الألمانيَّة وقيمها الأساسيَّة والاعتبارات المهمَّة والتي على العراقيين أنْ يأخذوها بنظر الاعتبار عند التعامل مع الألمان.
السياق التاريخي
لفهم الشخصيَّة الاجتماعيَّة الألمانيَّة، من الضروري الخوض في السياق التاريخي الذي شكلها، إذ يتميز تاريخ ألمانيا بنسيجٍ من الأحداث، بما في ذلك الإمبراطوريَّة الرومانيَّة المقدسة، والإصلاح البروتستانتي، ومُثل التنوير، والمراحل الزمنيَّة المضطربة مثل الحرب العالميَّة الأولى والحرب العالميَّة الثانية، وكان لآثار الحرب العالميَّة الثانية وتقسيم ألمانيا إلى شرقٍ وغربٍ تأثيرٌ عميقٌ في تلك الشخصيَّة، وإنَّ جدار برلين الذي ظلَّ يفصلُ بين شرق برلين وغربها لمدة تقرب من ثلاثة عقود لم يكن يرمز إلى الانقسام المادي فحسب، بل كان يرمز أيضاً إلى الاختلافات الصارخة في الإيديولوجيات السياسيَّة وأساليب الحياة.
كانت يوم إعادة توحيد ألمانيا الشرقيَّة والغربيَّة في العام 1990 بمثابة لحظة محوريَّة في تاريخها، ولقد جمعت مجتمعين لهما خصائص مميزة، وخلقت مزيجاً معقداً من الثقافات والقيم، ولعلَّ عمليَّة إعادة التوحيد هذه تستمرُ في التأثير على الطابع الاجتماعي الألماني.
من بغداد إلى برلين - العراقيون في ألمانيا
العراق، «مهد الحضارة» له تاريخٌ يمتدُّ لآلاف السنين، وتشملُ مساهمته في الحضارة الإنسانيَّة التقدم في الرياضيات وعلم الفلك والأدب والهندسة المعماريَّة وسنّ التشريعات القانونيَّة، ومع تنوع سكانه الذي يشمل مختلف الأعراق والأديان والتقاليد، يعدُّ العراق بلداً عامراً في الثراء الثقافي، والشخصيَّة الاجتماعيَّة العراقيَّة هي انعكاسٌ لهذا التنوع، وإنّ كرم الضيافة والروابط الأسريَّة الوثيقة والتمسك القوي بالتقاليد هي من السمات المميزة للثقافة العراقيَّة، وعلى الرغم من التحديات التي واجهتها البلاد في العقود الأخيرة، إلا أنَّ صمود الشعب العراقي وقوته أمام هذه التحديات سجل علامة بارزة في
تاريخه.
من جانبٍ آخر تقدم ألمانيا مشهداً ثقافياً متميزاً، فهي دولة معروفة بالدقة والكفاءة والوعي البيئي، وهي قوة أوروبيَّة ذات تاريخ غني بالمساهمات الثقافيَّة والفلسفيَّة والفكريَّة، وعندما يجد العراقيون أنفسهم على الأراضي الألمانيَّة، فإنَّهم يشرعون في رحلة الاستكشاف
والتكيف.
وبالنسبة للعراقيين في ألمانيا يعدُّ بناء جسور التفاهم الثقافي عمليَّة مستمرة، ويبدأ الأمر بالاعتراف بالاختلافات في الطابع الاجتماعي بين الثقافتين واغتنام فرصة التعلم المتبادل، هنا يجب على العراقيين أنْ يأخذوا الوقت الكافي للتعرف على العادات والتحيات والآداب الاجتماعيَّة الألمانيَّة، وإنَّ فهم هذه المعايير واحترامها خطوات أساسيَّة في بناء علاقات
إيجابيَّة.
إنَّ أحد الجوانب الأولى التي يواجهها العراقيون عند التعامل مع الألمان هو أهميَّة الالتزام بالمواعيد، ففي ألمانيا لا يعدُّ الحضور في الوقت المحدد مجرد مسألة مجاملة، بل إنها علامة على احترام وقت الآخرين، وقد تكون الأعراف الثقافيَّة العراقيَّة أكثر استرخاءً في هذا الصدد، لكنَّ التكيف مع الإحساس الألماني بالالتزام بالمواعيد أمرٌ بالغ الأهميَّة للتفاعل معهم والتأثير
فيهم.
سمة أخرى من سمات الشخصيَّة الاجتماعيَّة الألمانيَّة هي الصراحة، إذ يقدّر الألمان التواصل الواضح والمفتوح، وقد يظهرون على أنهم صريحون ومباشرون في طرحهم لأفكارهم، وتتجذّر هذه الصراحة في الالتزام بالشفافيَّة والصدق، وقد يحتاج العراقيون إلى تكييف أسلوب تواصلهم ليتوافق مع هذه السمة
الاجتماعيَّة.
تعدُّ الكفاءة وأخلاقيات العمل القويَّة أيضاً جزءاً لا يتجزأ من الشخصيَّة الاجتماعيَّة الألمانيَّة، ويفخر الألمان بقدرتهم على العمل بجدٍ وتحقيق معايير عالية في مساعيهم المهنيَّة، وفي حين أنَّ العراقيين قد يشتركون في الالتزام بالعمل الجاد، فإنَّ فهم النهج الألماني في الكفاءة يمكن أنْ يعززَ التعاون في البيئات المهنيَّة.
وبالرغم من أنَّ اللغة الإنكليزيَّة مستخدمة على نطاقٍ واسعٍ في ألمانيا، إلا أنَّه ينبغي على العراقيين تعزيز اندماجهم الثقافي من خلال تعلم بعض العبارات الألمانيَّة الأساسيَّة، ولا يسهل هذا الجهد التواصل فحسب، بل يوضح أيضاً احترام الثقافة المضيفة. ومن المهم أنْ نتذكر أنَّ هذه الخصائص يمكن أنْ تختلفَ بين الأفراد، وليس كل الألمان سيظهرون هذه السمات بالدرجة نفسها، ففضلاً عن ذلك، ألمانيا بلدٌ متنوعٌ يضمُّ أشخاصاً من خلفيات مختلفة، لذلك يمكن أنْ تكون هناك اختلافاتٌ إقليميَّة وفرديَّة في السلوك والقيم، ويمكن أنْ تكون القوالب النمطيَّة أو التعميمات الواسعة حول أي مجموعة من الأشخاص مضللة وغير عادلة، لذلك من الضروري التعامل مع هذه الأوصاف بحذرٍ وفهم التنوع الثقافي.
كيفيَّة التعامل مع الألمان
عندما يتعين على العراقيين التعامل مع الألمان، سواء على المستوى المهني أو الشخصي، فمن الضروري التعامل مع هذه التفاعلات بحساسيَّة ثقافيَّة وعقليَّة منفتحة، وإنَّ بناء العلاقات الإيجابيَّة والتواصل الفعال بين الثقافات يتطلب فهم واحترام اختلافات بعضنا البعض، في ما يلي بعض الأفكار التي يجب مراعاتها عندما يرغب العراقيون في التفاعل مع الألمان:
* كن دقيقاً.
* تواصل بشكلٍ مباشرٍ وواضح.
* احترم المساحة الشخصيَّة للآخر.
* تعرف وافهم ثقافة العمل الألمانيَّة.
* أكد على الاحتراف.
* كن منفتحاً على ملاحظاتهم.
* تكيف مع الأعراف الاجتماعيَّة.
* تعلم اللغة الألمانيَّة.
* قم ببناء العلاقات وتطويرها تدريجياً.
* تمسك بالتنوع المجتمعي.
* كن واعياً من الصور النمطيَّة.
وتذكر أنّ بناء علاقات ناجحة عبر الثقافات ينطوي على الاحترام المتبادل والفضول والرغبة في التعلم من بعضنا البعض، ومن خلال إظهار الحساسيَّة الثقافيَّة والقدرة على التكيف، ويستطيع العراقيون تعزيز التفاعلات الإيجابيَّة والمثمرة مع الألمان على المستويين المهني
والشخصي.
خاتمة
غالباً ما تعكس الأمثال الألمانيَّة جوانب الشخصيَّة الاجتماعيَّة الألمانيَّة، بما في ذلك القيم وأخلاقيات العمل والعلاقات الشخصيَّة، في ما يلي بعض الأمثال الألمانيَّة التي تقدم نظرة ثاقبة للقيم والمواقف الاجتماعيَّة الألمانيَّة:
* النظام نصف الحياة.
* مشغول كالنمل
* الأفكار حرة ولا تكلف.
* الأشياء الجيدة تستغرق وقتاً.
* الصدق يدوم أطول
* ما لا تريد أنْ يفعله بك. لا تفعله بأي شخص آخر.
* كل بداية صعبة.
* القوة تكمن في الهدوء.
وأخيراً تتجاذب الأضداد. هنا نرى تركز القيم الشخصيَّة الاجتماعيَّة للألمان على صفات مثل الاجتهاد والصدق والصبر واحترام الآخرين، وإنها توفر لمحة عن الحكمة الثقافيَّة والأعراف الاجتماعيَّة التي شكلت المجتمع الألماني مع مرور
الوقت.
وتمثل الرحلة من بغداد إلى برلين رحلة تحويليَّة بالنسبة للعراقيين الذين يجدون أنفسهم في ألمانيا، وإنَّ فهم الشخصيَّة الاجتماعيَّة الألمانيَّة والتكيف معها أمرٌ ضروريٌ لبناء جسور التفاهم الثقافي بين مجتمعين متنوعين، وبينما يتنقل العراقيون في المشهد الألماني الذي يتسمُ بالكفاءة والتوجيه والوعي البيئي، فإنَّهم يشرعون في رحلة من التعلم المتبادل والنمو، ومن خلال فهم الحساسيَّة الثقافيَّة، والتكيف مع ثقافة مكان العمل، وتعزيز الالتزام المشترك بالاستدامة البيئيَّة، يستطيع العراقيون في ألمانيا سدّ الفجوة بين تراثهم العراقي الغني والطابع الاجتماعي الألماني
الديناميكي.
ومن المهم أنْ نلاحظَ أنَّ هذه التحديات ليست مستعصية على الحل، وأنّ العديد من الأجانب يندمجون بنجاحٍ في المجتمع الألماني مع الحفاظ على هوياتهم الثقافيَّة الخاصة، وإن بناء التفاهم بين الثقافات، وتعلم اللغة، والانفتاح على الاختلافات الثقافيَّة يمكن أنْ يساعد في التغلب على هذه التحديات وتعزيز التفاعلات الإيجابيَّة بين الألمان والأجانب. وفي هذا التبادل الثقافي، يحظى كل من العراقيين والألمان بفرصة الاحتفال بنقاط قوتهم وتقاليدهم مع إقامة روابط تتجاوز الحدود، وإنَّ بناء جسور التفاهم ليس مجرد رحلة، بل هي شهادة على جمال التنوع الثقافي والتجربة الإنسانيَّة
المشتركة.