المقال الأول لي وأنا أعمى
هادي جلو مرعي
يغني عبد الحليم حافظ عن العيون الجريئة، ويصفها السياب بقوله:
عيناك غابتا نخيل ساعة السحر
أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر
وقد نظرت الى بستان نخيل في بابل قبيل الفجر، فتأكد لي قول السياب في وصف عيون حبيبته، ولونهما، ولون غابة النخيل التي أنظر إليها بنفسي دون أن يصفها لي شاعر.
الجميع تغنى بالعيون، وتحدث عن جمالها، فريد، وأم كلثوم، واسمهان، وعفيفة إسكندر، وأحلام وهبي، وسميرة توفيق، وموفق بهجت، وفيروز، وصباح، وكان الشعراء ينسجون قصائدهم وهم ينظرون الى عيون الجميلات، وكان من أروع ماقيل في وصف العيون لعلي بن الجهم:
عيون المها بين الرصافة والجسر
جلبن الهوى من حيث أدري ولاأدري
أعدن لي الشوق القديم ولم أكن
سلوت ولكن زدن جمرا على جمر
ساعد الله عيون البشر فهم يقرأون، وينظرون في وجوه بعض، ويشاهدون التلفاز، ويبحلقون في شاشة الموبايل لساعات طويلة، ويمارسون عادات جنسية سيئة تضعف البصر، ولديهم طرق عجيبة وغريبة في إستخدام عيونهم دون مراعاتها، وتوفير الحماية لها من الأذى، عدا مايحيق بها مع تقدم العمر.
لاأستطيع الكتابة بشكل جيد، والقراءة من شاشة الهاتف إلا إذا أبعدته عني، وهذا يعني أن هناك مشكلة في العين، ويعني أن هناك حالة قصر نظر، وهي بحاجة الى علاج، والعلاج ليس دواءا فماأذهبه الدهر لن يعود، ولكن لابد من إستخدام النظارة الطبية لإحداث الفارق، والتمكن من القراءة والكتابة.
إيه ايها العمر تمضي
وليت انه القبر
ولكن ماقبله البلى
وليس بعده عذر
يعيش الإنسان قبل رحيله الأبدي فترة من المعاناة الصحية، فيضعف بصره وذاكرته، وتتآكل لديه خلايا الدماغ والجسد، وتتكلس عظامه ومفاصله، وتذوي أعضاؤه، وتنهار قدرتها على أداء وظائفها الطبيعية، ويكون متعبا لنفسه، ولمن حوله، وكلما طال بقاؤه، طال عذابه، وليس له سوى أن ينتظر الرحيل فيقبر في الأرض.