الردّ الإسرائيلي على الضربة الإيرانية، إذا جاء.. ماذا سيحصل
شوان زنكَنة
تمهيد
كنتُ أتوقّع أنْ لا تردّ إسرائيل على الضربة الإيرانية، حفاظًا على التوازن، وقواعدِ الاشتباك، وتلافي التصعيد، ومنعِ حرب إقليمية واسعة، إلا أنه يبدو أن لدى نتانياهو، واليمين القومي المتدين، مخطّطٌ آخر.
اِستتباب السلطة لحركة حماس في قطاع غزة، بعد انسحاب إسرائيل منه، حقّقَ مصلحةَ نتانياهو، وتيارِه القومي اليميني، فمن جهةٍ، دبَّ الشقاق في الصف الفلسطيني، وتوسَّعَ الشرخ بشكل يصعب فيه توحيد الفلسطينيين في دولة خاصة بهم، ومن جهةٍ أخرى، سيتسنّى لنتانياهو وتيارِه القومي، أن يستغلَّ تصرّفات الجناح العسكري لحماس، لِيخلقَ وضعًا يتمكن فيه من تأسيس الدولة اليهودية، ودفعِ تيار العولمة الأمريكي والأوروبي إلى إسناده، رغم معارضتهم لتأسيس تلك الدولة، وبتلك الطريقة.
واضح أن الحرب في غزة قد انتهت، بغضّ النظر عمّن انتصر فيها، وعن الخسائر الناجمة عنها، ويدور الحديث، حاليا، على الوضع السياسي والإداري لقطاع غزة والضفة الغربية، بين تأسيس دولتين، فلسطينية ويهودية، أو تأسيس دولة يهودية، عاصمتها القدس، وفق ما يحلم به التيار القومي اليميني الصهيوني.
إذا جاء الردّ الإسرائيلي.. ماذا يعني؟
صرّح نتانياهو، أنه سيكون لإسرائيل ردٌّ مناسب، ويقصد بالمناسب، أنه ردٌّ يضمن التفوق الإسرائيلي في المنطقة، ولا يؤدي إلى توسيع نطاق الحرب.
وهذا يعني أن على إيران أن تفكّر كثيرا قبل أن تُجيب على الردّ الإسرائيلي، فإنْ هي ردّتْ، فهذا سيؤدي إلى التصعيد، وتوسيعِ نطاق الحرب، وإنْ لم تَردّ، فهذا سيحقّق لإسرائيل تفوُّقَها الأمني في المنطقة، وستؤدي كلتا الحالتين إلى التضييق عليها، وإخراجها من وضعها كفاعل مؤثِّر في الصراع الدائر في المنطقة، وأعتقد أن هذا هو هدف نتانياهو في الردّ على الضربة الإيرانية، أعني: أن نتانياهو سيردّ على إيران، وسيجرّ خلفه أمريكا وأوروبا، ليحقّقوا معا تحييدا تاما للدور الإيراني، هذا التحييد، ضروري لإسرائيل في غزة، إذ تُعتبَر إيران أحد أهم معوقات انجاز صفقة الرهائن، وأحد أهم داعمي حماس عسكريا، وهو ضروري لأوروبا وأمريكا، إذ تُعتبَر إيران داعما عسكريا قويا لروسيا في أوكرانيا، وقد حقّقت روسيا تقدما ملحوظا، في الآونة الأخيرة في أوكرانيا، ولا بد من تحقيق التوازن فيها، وتحييدُ إيران سيؤثّرُ على موازين القوى في ساحة المعركة في أوكرانيا.
لا استغربُ دعم الغرب لإسرائيل، للأسباب أعلاه، في ردّها على إيران، وإنْ عارضَه.. وإذا أدّى هذا الردّ إلى توسيع نطاق الحرب، فهذا يعني، وبوضوح، أن المنظورَ الغربي لإيران، القائمَ على اعتبار وجودها يخدمُ مصالحها في الشرق الأوسط قد تغيّر، وأننا سنشهد، في المدى المنظور، وضعا جديدا في الشرق الأوسط، قد لا يكون فيه لإيران دور فاعل، بل قد نشهد نظاما جديدا يحكم إيران مستقبلا.
إذا جاء الردّ الإسرائيلي.. ماذا يحصل؟
الذي سيحصل، ومن خلال استقراءاتي، أن إسرائيل، وبعد عيد الفصح اليهودي، الذي سينتهي في 30 نيسان، ستضرب المواقع والمنشآت التي انطلقت منها الصواريخ والمسيرات الإيرانية داخل إيران، فإذا قامت إيران بإعادة الردّ، فإنها ستتعرّض لهجمات الغرب، جنبا إلى جنب مع إسرائيل، وهذا يعني دخول إيران في مواجهة عسكرية مبكِّرة مع الغرب، وستنتهي هذه المواجهة بصلحٍ يؤدي إلى تحييدها، أو سيشتعل فتيل الحرب العالمية الثالثة، من خلال دخول روسيا وكوريا الشمالية والصين إلى هذه المواجهة، بشكل أو بآخر، وفي هذه الحالة، لا يمكن تصور النتائج، وإذا لم تقمْ إيران بالردّ، فهذا يعني تفوُّقا إسرائيليا واضحا في موازين القوى في الشرق الأوسط، وهو تحييدٌ صريح لدور إيران في الصراع العربي الإسرائيلي في فلسطين، وهو كذلك، ضوءٌ أخضرٌ لتأسيس الدولة اليهودية، حسب أحلام اليمين المتطرف، من قبل كافة الجهات المعارضة لهذه الدولة، وفي هذه الحالة سنشهد شرقا أوسطا، ليس لإيران دور فيه، إنْ لم نقل ليس لها وجود فيه.
الخاتمة
إذا ردَّ نتانياهو على الضربة الإيرانية، كما صرَّحَ، فستتَّجه أنظارنا نحو الموقف الإيراني، الذي سيكون الفاصل في تحديد مستقبل النظام الإيراني الحالي على الخارطة السياسية العالمية، والنظام العالمي الجديد، وسنشهد وضعا جديدا في الشرق الأوسط، وأوكرانيا، بنشوب حرب أو بدونه.
يبقى أن نبحثَ عن جوابٍ للسؤال المهم والوجيه الذي يطرح نفسه هنا، وهو: إذا تمّ تحييد الدور الإيراني في الصراع الإقليمي، فمَن سيتولى مهمةَ السيطرة على التيار السياسي الإسلامي، ويمنع وصوله للحكم؟ وبصيغة أخرى: من سيتولى احتواءَ التيار السياسي الإسلامي، ويُضيِّقُ عليه في دول الجوار الإسرائيلي؟
والسؤال الأهم هو: كيف سيتمكن المتصدون لإنشاء نظام سياسي إسلامي، والمعنيون به، من استغلالِ هذا الوضع، وملأِ الفراغ الذي سيتركه النظامُ الإيراني؟