الرؤية غير الحكيمة تجاه استقلال كردستان
خالد بيشوا
ليست جملة التصريحات الاخيرة لرئيس المجلس الاعلى الاسلامي عمار الحكيم تصريحات عابرة او مجردة من الغايات، فهو يمثل لسان حال الحكومة العراقية كمسؤول للتحالف الوطني الشيعي العراقي، وهذا ما يدفعنا إلى طرح مئات التساؤلات عن الأبعاد السياسية والفكرية المختبئة بين اسطره والمسخرة ضد الامة الكردية.
فلو تعمقنا قليلاً في تصريحات الحكيم الاخيرة لوجدنا ما يثير الاستغراب والدهشة، كونها تحمل في ماهيتها دعوة صريحة ومباشرة إلى المواجه والاقتتال بين أبناء الشعبين الشقيقين العراقي والكردستاني، خاصة وانه وظف لصالحه رغبة الأمة الكردستانية في الاستقلال كدعاية إعلامية من اجل الحصول على بعض المكاسب السياسية والجماهيرية في الانتخابات المقبلة، والطامة الكبرى ان هذه المكاسب ليست في مصلحة الشعب العراقي وانما هي لتحقيق مصالح فئوية ونخبوية إيرانية فارسية، بطريقة غاية في اللاعقلانية وبرؤية بعيدة عن الواقع الحالي للشرق الأوسط وما سيكون من تغيرات جيوسياسية.
ان تصريحات الحكيم تدعو الى تحالف الأضداد السياسية والفكرية والاقتصادية وهو أمر وارد في السياسية، لكن حين تصدر هذه الدعوة من قوى تطرح نفسها كمدافع عن آل البيت فذلك غاية في النفاق السياسي وإهانة لكل ما هو مقدس من دعوة آل البيت في العيش الكريم بين الشعوب، فالحكيم يحاول ان يطرح نفسه كمخلص للشعب العراقي من الانقسام ومحور لتحقيق اهداف بغداد وطهران ضد الكرد والامة الكردستانية ليذكرنا بالمؤامرة الإقليمية المعروفة باتفاقية الجزائر التي وقعت عام 1955 ضد ارض وشعب كوردستان بين العراق وايران بواسطة جزائرية لتنقلب فيما بعد الى وبالٍ على الشعب العراقي جراء الأطماع الفارسية في المنطقة متسببةً بحرب الثمان سنوات التي دفع العراق فيها ثمناً باهضاً في صده للتوسعية الفارسية الممتدة الان بشكلٍ سلس وبمعاونة الحكيم وامثاله.
ان استهداف الحكيم المتكرر لاستقلال كردستان العراق ورفضه القاطع لتقرير المصير الكردي واستخدامه التهديد والوعيد، اشبه بقرع طبول الحرب على امة كوردستان وتحذير واضح لهم من قادم مظلم، كاشفاً بذلك نويا حكومة بغداد لمرحلة ما بعد داعش لاسيما مع حالة سكوت النخبة السياسية في التحالف الوطني عن هذه التصريحات، وهذا مايثبت نيتهم المبيته ضد الكرد (فالسكوت علامة الرضا).
ويتجلى واضحاً جدا في تصريحات الحكيم اللاحكيمة توظيفه للعامل الديني استراتيجيا في تحقيق اهداف قومية سياسية (جيوسيتراديني) تصب في مصلحة إيران الفارسية وتركيا العثمانية الجديدة، وذلك من خلال دعوته لتشكيل تحالف سياسي يتألف من السعودية العربية السلفية والعثمانية التركية الجديدة والفارسية الإيرانية المذهبية بغية توجيه ضربة قوية تعطل تطلعات الأمة الكردستانية، فهو يزاوج ويشبه قضية استقلال كوردستان بإسرائيل وهذا التشبيه يوفير له اجواءً مستديمة لتغذية العاطفية المذهبية في الشارع الشيعي، كاخر ورقة يتمسك بها السيد عمار لمواجهة ازدياد الوعي الفكري والسياسي لدى الشعب العراقي المنتج لاصوات جماهيرية ونخبوية مطالبة بدولة المواطنة وبعلمانية الحكومة لاسيما في المناطق الشعبية التي كانت تمثل القاعدة الجماهيرية المذهبية للتحالف الوطني، فصار لزاماً عليه التصدي لهذه الرغبة الشعبية في التحرر والتخلص من السلطة الدينية والتي تشكل في المدرك السياسي للسلطة الثيولوجية خطرا على السياسات العدوانية لإيران وتركيا والخليج، والمسببت لحرب جيوستراديني لازال يحترق بنارها حتى اليوم الملايين من شعوب الشرق الأوسط.
يحاول الحكيم في هذا النوع من التصريحات التعويل الكامل على توظيف العاطفة الشعبية الدينة لتغطية الفشل الذريع لسياسات التحالف الوطني على الصعيد الامني والاقتصادي والخدمي، بل وصل به الحال الى توظيف المذهبية الحزبية الطائفية لمواجهة غضب الشعب العراقي على فشل التحالف في كل ما انيط به من مسؤوليات، فلم يكن امام الحكيم طريقا اسهل لتخفيف سخط الشارع الشعبي سوى بتغير مسار هذا السخط بتجاه قضية استقلال كوردستان، دون ان يدرك ان الامة الكردستانية بكل قومياتها واديانها ومذاهبها عازمة على إعلان استقلالها وتأسيس دولة المواطنة القائمة على مبادئ الليبرالية الديمقراطية وحقوق الانسان، متناسياً ان استمرار عدائية التحالف الوطني تجاه شعب كوردستان سيكون مصيرها لا محال كمصير حزب البعث والحكومات السابقة التي أعلنت الحرب على الشعب الكردستاني فزالت هي وبقي الكرد صامدون متطلعون نحو تحقيق حلمهم بسلام ووئام مع من حولهم من شعوب.