الدم مقابل الصوت.. حين تتحول الانتخابات إلى ساحة للفتنة
جلال شيخ علي
في زمن يفترض أن يكون فيه التنافس الانتخابي وسيلة لبناء الدولة وخدمة المواطن، نشهد وللأسف محاولات مريبة من بعض الجهات السياسية والمرشحين الذين لا يملكون أي رؤية خدمية أو مشروع تنموي حقيقي لمناطقهم. هؤلاء، وقد أفلسوا فكريًا وسياسيًا، يلجأون إلى أخطر أدوات التجييش ألا وهي إثارة النعرات الطائفية والقومية بين مكونات المجتمع، في محاولة يائسة لكسب بعض الأصوات عبر خطاب الكراهية والتخويف، متقمصين دور "المدافع عن المكون" بينما هم في الحقيقة يتاجرون بدماء الأبرياء.
ما حدث مؤخرًا في كركوك يُعد مثالًا صارخًا على هذا النهج الخطير، حيث تحولت الساحة السياسية إلى مسرح للتصعيد والتجييش، بدلًا من أن تكون منبرًا للحلول والتعايش.
هذه الأحداث، وإن لم نخض في تفاصيلها، تكشف حجم التحدي الذي يواجهه المجتمع في ظل وجود أطراف لا تتورع عن زعزعة الأمن من أجل مكاسب انتخابية ضيقة.
وفي خضم هذا المشهد، برزت تصريحات مستفزة من بعض المرشحين الذين تهجموا علنًا على الكيان الدستوري لإقليم كوردستان، ملوّحين بإعادة تسميته إلى "شمال العراق" كما كان يُطلق عليه في عهد النظام البعثي، في محاولة لتقويض شرعيته السياسية والدستورية.
هذا الخطاب لا يستهدف الإقليم فحسب، بل يضرب في صميم التوازن الوطني، ويعيد إنتاج عقلية الإقصاء والتهميش التي دفع العراق ثمنها غاليًا.
والأسوأ من ذلك، أن بعض المأجورين ، وأشخاصًا من ذوي الوعي المحدود ، ينخرطون في تنفيذ هذه الأجندات، إما عن قصد أو عن جهل، دون إدراك لحجم الخطر الذي يهدد النسيج الوطني والتعايش السلمي.
إن تحويل الانتخابات من ساحة تنافس برامج إلى ساحة صراع مكونات، هو انحدار خطير في الوعي السياسي، وتهديد مباشر لوحدة المجتمع.
فهل يعقل أن يُكافأ من يُشعل الفتنة، ويُهمّش من يحمل مشروعًا حقيقيًا للتنمية؟
في ظل كل ذلك يبقى السؤال: هل سيستيقظ الناخب العراقي ويختار من يخدمه، أم سيبقى رهينة لمن يعبث بدمه وصوته عبر اللعب على وتر الطائفية؟